فى الأحوال العادية يسعى الناس إلى تأكيد الإنتماء إلى كيان ما، وليس نفى هذا الانتماء، أما فى حالات النزاع الساسى، يكون نفى الانتماء بنفس أهمية تأكيده، لأسباب تتعلق بالرغبة فى الوقوف على مسافة من القوى المتصارعة، أو بهدف إدارة الصراع وتلبية مقتضيات التكتيكات السياسية، أو من أجل انقاذ الذات التى قد تتعرض للعقاب أو الخسارة بسبب انتمائها لأحد أطراف النزاع. وقد لا حظنا هذه الظاهرة سواء على مستوى الانتماء لتيار الاخوان المسلمين أو الانتماء لنظام مبارك. فمن ناحية أولى، ارتبطت بعض المواقف المنحازة للإخوان المسلمين، أو تلك الرافضة لممارسات السلطة ضد الإخوان المسلمين، فى كثير من الأحيان، بنفى الانتماء لهذا التنظيم، وكانت عبارة “مع أننى لست من الإخوان” هى إعلان عدم الانتماء.
ويعكس استخدام هذه العبارة أكثر من جانب، فثمة من يقولها عن صدق وتحديدا أولئك الذين يسعون لنقد السلطة ولكنهم لا ينتمون فعليا للإخوان، وفى ذلك نفى لتهمة محتملة فى ظل الاستقطاب السياسى الحاصل، وثمة من يقولها على سبيل المراوغة وهم أولئك المنتمين أو المتعاطفين مع هذا الفصيل السياسى، وفى ذلك محاولة للإيهام بوجود تعاطف واسع من قطاعات لا تنتمى إلى هذا الفصيل. ويبدو أن هذا التوجه الأخير كان أحد الإخوان لإدارة الصراع مع خصومهم السياسيين، فكثيرا ما يتم توظيف عبارة “أنا لست من الإخوان”. فحتى أثناء الاعتصام فى رابعة، تم تدعيم المنصة بمشاهد توهم بأن من هم ليسو من الأخوان يساندون الإخوان، ولأن مسرح رابعة كان يتطلب نوعا من الأداء المسرحى، فقد تم الاستعانة بفتيات لا يرتدين ما يفيد بانتسابهن للإخوان، كإرتداء الجينز أو التحدث باللغة الإنجليزية. وهذا بالضبط مثلما تم الاستعانة بسيدة مسيحية شاركت فى المؤتمرات الصحفية أثناء الأحداث. المهم أن عبارة “مع أننى لست من الإخوان” ارتبطت بوظيفة ما، إما نفى تهمة الإنتماء لإثبات الموضوعية وعدم الإنحياز، وإما المراوغة السياسية للإيهام بإتساع نطاق التعاطف والتأييد.
وفى الحقيقة أن هذه المواقف تختلف عن الموقف من سلطة مبارك، فرغم أن نفى الإرتباط بسلطة مبارك تم أيضا بطرق مراوغة، إلا أنها كانت أكثر فجاجة ووضوحا. فالبعض حاول التخلص من هويته السابقة من خلال الإنتساب للثورة. والحديث هنا عن أعداد غير قليلة ممن استفادوا من نظام مبارك، ولكنهم قرروا القفز من المركب واللحاق بما ظنوا، وقتها، وكأنه نظاما جديدا. وبالتالى فإن سمة نفى الارتباط بنظام مبارك كانت ذات طبيعة مرحلية انتقالية، ولم يكن الهدف منها نفى التهمة ولكن انقاذ الذات والالتحاق بما ظنوا أنه قادم. ولكن عندما تبين أن ليس هناك جديد، لم يعد نفى الانتماء لنظام مبارك ذا معنى. وقد أظهرت تطورات الأمور، تراجع ظاهرة عدم الانتساب لمبارك بشكل مواز لظاهرة العداء للثورة.
ويمكن القول أن عمليات الانتماء أو نفى الانتماء قد اتسمت بدرجة من عدم الشفافية، والسبب أن رسالة نفى الانتماء ليست شأن ذاتى، ولكنها رساله موجهة لآخر ما بهدف الإبلاغ أو الإيهام، طلبا لدعم أو اتقاء لشر. وهذا ما نشاهده على السطح، أما فى العمق فثمة أزمة إنتماء سياسى بالفعل. فالإنتماء للإخوان بات سريا أكثر من السابق، فنحن لا نرى انصار الإخوان فى الحياة اليومية، بل على شاشات التلفزيون كمتظاهرين أو معتقلين، أو معلقين هاربين. أما العلاقة بالسلطة فهى لا تمت للإنتماء بصلة وفى أحسن أحوالها هى حالة من التبعية والانصياع. ويبقى أن الانتماء إلى الأحزاب والقوى “الثورية” كحالة افتراضية وسائلة وهشة. وربما يكون هذا هو المأزق الرئيسى الذى يواجه الانتخابات البرلمانية التى من المفترض أن تأتى.