القراءة الكتابية (مرقس7: 31- 37)
“ثُمَّ خرجَ أيضًا مِنْ تُخومِ صورَ وصَيداءَ، وجاءَ إلَى بحرِ الجليلِ في وسطِ حُدودِ المُدُنِ العَشرِ. وجاءوا إليهِ بأصَمَّ أعقَدَ، وطَلَبوا إليهِ أنْ يَضَعَ يَدَهُ علَيهِ. فأخَذَهُ مِنْ بَينِ الجَمعِ علَى ناحيَةٍ، ووَضَعَ أصابِعَهُ في أُذُنَيهِ وتفَلَ ولَمَسَ لسانَهُ، ورَفَعَ نَظَرَهُ نَحوَ السماءِ، وأنَّ وقالَ لهُ:”إفَّثا”. أيِ انفَتِحْ.
القراءة الكتابية (مرقس7: 31- 37)
“ثُمَّ خرجَ أيضًا مِنْ تُخومِ صورَ وصَيداءَ، وجاءَ إلَى بحرِ الجليلِ في وسطِ حُدودِ المُدُنِ العَشرِ. وجاءوا إليهِ بأصَمَّ أعقَدَ، وطَلَبوا إليهِ أنْ يَضَعَ يَدَهُ علَيهِ. فأخَذَهُ مِنْ بَينِ الجَمعِ علَى ناحيَةٍ، ووَضَعَ أصابِعَهُ في أُذُنَيهِ وتفَلَ ولَمَسَ لسانَهُ، ورَفَعَ نَظَرَهُ نَحوَ السماءِ، وأنَّ وقالَ لهُ:”إفَّثا”. أيِ انفَتِحْ. وللوقتِ انفَتَحَتْ أُذناهُ، وانحَلَّ رِباطُ لسانِهِ، وتكلَّمَ مُستَقيمًا. فأوصاهُمْ أنْ لا يقولوا لأحَدٍ. ولكن علَى قَدرِ ما أوصاهُمْ كانوا يُنادونَ أكثَرَ كثيرًا. وبُهِتوا إلَى الغايَةِ قائلينَ:”إنَّهُ عَمِلَ كُلَّ شَيءٍ حَسَنًا! جَعَلَ الصُّمَّ يَسمَعونَ والخُرسَ يتكلَّمونَ”.
هذه المعجزة غنية بالدروس الرائعة اذكر منها الآتي:
1. دعونا نطلب من الله من أجل غيرنا
في (مر7: 32) ” وجاءوا إليهِ بأصَمَّ أعقَدَ، وطَلَبوا إليهِ أنْ يَضَعَ يَدَهُ علَيهِ” وهنا نرى أن بعض الناس جاءوا بالمريض إلى المسيح وكأن الرب أراد أن يعلمنا أن نهتم بإحتياجات الآخرين في العادة نحن نطلب من أجل أنفسنا، ونصلي لأجل احتياجاتنا، لأجل آمالنا وآلامنا … ما أقل المرات التي نخرج فيها بعيداً عن ذواتنا واحتياجاتنا ونطلب من أجل الآخرين.
والجدير بالملاحظة أن الرب يسوع قد أجرى معجزاته بصور ثلاث:
أ. بناء على طلب المحتاج نفسه كما شفى الأبرص (لو5: 12) وكما شفى بارتيماوس الأعمى الذي صرخ قائلاً: يا ابن داود أرحمني (مت20، مر10).
ب. وأجرى البعض الآخر من معجزاته بناء على محبته وبدافع حنانه كما فعل في معجزة أقامة ابن أرملة نايين (لو7: 13، 14) وكما شفى المرأة المنحنية التي بها روح ضعف ثماني عشرة سنة فلما رآها دعاها وشفاها (لو13: 10- 17).
ج. وأجرى البعض الآخر من معجزاته نتيجة طلب إنسان من أجل آخر كما حدث في شفاء عبد قائد المئة وكما حدث في شفاء الأعمى فمكتوب في (مرقس8: 22) ” وجاءَ إلَى بَيتِ صَيدا، فقَدَّموا إليهِ أعمَى وطَلَبوا إليهِ أنْ يَلمِسَهُ”.
وكما حدث في معجزة شفاء الأصم والأخرس التي نحن بصدد دراستها، وكأن الرب أراد من هذه المعجزة أن يعلمنا كيف نطلب من أجل غيرنا، ونشعر باحتياجاتهم، ونتعاطف معهم، ونطلب لهم من الرب.
هكذا نرى الرسول بولس يؤكد على هذه القيمة الإيمانية فيقول ” اِحمِلوا بَعضُكُمْ أثقالَ بَعضٍ وهكذا تمِّموا ناموسَ المَسيحِ.”(غلا6: 2).
مرات ننجو من مخاطرنا، وتنتهي مشاكلنا، ويسدد الله أعوازنا لأننا صلينا وطلبنا وجه الرب،
وفي مرات لأن غيرنا صلى من أجلنا، وفي مرات لأن الله يرى ضيقتنا ويسمع أنيننا ويعرف احتياجاتنا من قبل أن نسأل فيمد لنا يده الحانية والمعطاءة.
في مرات كثيرة يكون المحتاج للمسيح عاجزاً عن أن ينطق أو يعبر عن احتياجه مثل حالة الأصم الأعقد فيكلف الرب شخصً آخر ينوب عنه في توضيح حالته.
ياه! كم من خطاة لا يدركون خطيتهم، عقد الشيطان السنتهم فلم يطلبوا التوبة، يحتاجون إلى شخص يبسط احتياجهم ويعلنه أمام عرش النعمة.
ليعطينا الرب أن نعبر عن حاجة الآخرين إلى الرب فنحدثهم عن الرب، ونحدث الرب عنهم بأن نصلي لأجلهم أليس مكتوب ” وصَلّوا بَعضُكُمْ لأجلِ بَعضٍ، لكَيْ تُشفَوْا.”(يع5: 16).
2. المعجزة تعلن عن لاهوت المسيح وسلطانه
“لقد لمس الرب بإصبعه أذنيه، ولسانه فللوقتِ انفَتَحَتْ أُذناهُ، وانحَلَّ رِباطُ لسانِهِ”(مر7: 33). وفي هذه المعجزة نرى الرب يسوع بمجرد لمسة شفى المريض، وفي هذه اللمسة نرى لمسة معجزية شافية
إن الرب يسوع صاحب اللمسة القوية المقتدرة التي تنتهر كل مرض وكل ضعف إنها اللمسة الشافية كيف لا؟! ومكتوب أن “جميعُ الذينَ لَمَسوهُ نالوا الشِّفاءَ”(مت14: 36).
فالمسيح كلمة الله، والكلمة دوماً تحمل سلطان قائلها ” والرب يسوع هو المكتوب عنه ” كُلُّ شَيءٍ بهِ كانَ”(يو1: 3).لم يحدث أن جاءه شخص ومضى من عنده فارغاً فهو القائل: “مَنْ يُقبِلْ إلَيَّ لا أُخرِجهُ خارِجًا”(يو6: 37).
وهو الذي قال:”دُفِعَ إلَيَّ كُلُّ سُلطانٍ في السماءِ وعلَى الأرضِ”(مت28: 18).
في (مر7: 34، 35) مكتوب “ورَفَعَ نَظَرَهُ نَحوَ السماءِ، وأنَّ وقالَ لهُ:”إفَّثا”. أيِ انفَتِحْ. وللوقتِ انفَتَحَتْ أُذناهُ، وانحَلَّ رِباطُ لسانِهِ، وتكلَّمَ مُستَقيمًا”.
لقد نظر يسوع إلى السماء ليعلن للناس إنها قوة الله التي تشفي، ويعلمنا أنه إذا أرادنا أن ننال الشفاء فلنرفع أنظارنا إلى السماء، وهذه المعجزة وكل معجزاته ترينا بوضوح
لقد قال الرسول بولس أن المسيح “لم يَحسِبْ أنْ يكونَ مُعادِلاً للهِ”(فيلبي2: 8). بمعنى أنه عندما عادل المسيح نفسه بالله لم يكن مختلساً لما ليس من حقه فهو صاحب السلطان على الجسد الإنساني ليعيد للمريض صحته الكاملة فالمسيح صاحب السلطان يقول فيكون، ويأمر فيصير.
ياه! ما أجمل ما سطرته ريشة الوحي المقدس في معجزة شفاء ” ابن قائد المئة” عندما قال:” يا سيِّدُ، قُلْ كلِمَةً فيَبرأَ غُلامي”(لو7: 6). حتى أن السيد امتدح إيمانه قائلاً: ” ولَمّا سمِعَ يَسوعُ هذا تعَجَّبَ مِنهُ، والتفَتَ إلَى الجَمعِ الذي يتبَعُهُ وقالَ:”أقولُ لكُمْ: لم أجِدْ ولا في إسرائيلَ إيمانًا بمِقدارِ هذا! “(لو7: 9).
لقد رأى قائد المئة في الرب يسوع أنه صاحب السلطان وصانع المعجزات، الذي تسافر كلمته إلى بعيد وتصل إلى حيث يرقد العبد المريض المشرف على الموت.
ياه! ما أروع إيمان نازفة الدم في قدرة المسيح وسلطانه إذ قالت في نفسها “إنْ مَسَستُ ثَوْبَهُ فقط شُفيتُ”(مت9: 21).
ويبقى السؤال: هل نؤمن أن الرب يسوع هو الإله القادر على كل شيء، ويستطيع كل شيء ولا يعثر عليه أمر.
3. الرب يسوع يعرف مشاعرنا ويتجاوب مع احتياجاتنا
لقد أحضروا إلى يسوع أصم أخرس فلابد أن المرضين يرتبطان معاً، فعدم السمع يجعل الكلام صعباً غير مفهوم، وفي هذه المعجزة نرى رقة وحلاوة مشاعر يسوع وهو يعامل المرضى الذين يأتون إليه.
لقد أخذه بعيداً عن الجماهير وهو بذلك يظهر إحساسه وعطفه وتجاوبه مع مشاعر المريض الأصم الأخرس ذلك لأن الأصم يضطرب كثيراً ويشعر بالخجل بإحساسه بالعجز عندما يرى إنساناً يتكلم إليه، ويحس أنه لا يسمعه ولا يفهمه. ولهذا أخذه يسوع على جانب حتى لا يجرح إحساساته.
إن الرب يسوع لم يعتبر المرض حالة أمامه بل إنساناً، وهذا الإنسان له احتياج خاص ومشكلة معينة، وفي شعور فياض، ومحبة غامرة تصرف معه بحيث لا يجرح شعوره وإحساسه.
نعم! نتعلم من هذه المعجزة كيف نتجاوب مع مشاعر وعواطف الناس، كيف نلبي احتياجاتهم بأسلوب رقيق وعواطف حلوة، بمحبة حقيقية، وحنان غامر.
4. الرب قادر أن يفتح آذاننا
في هذه المعجزة نرى كيف فتح الرب أذن الأصم، والحقيقة كم من أناس أغلق الشيطان آذانها فلا تسمع لصوت الرب ينطبق عليهم ما قاله الرب يسوع: :”ألكُمْ أعيُنٌ ولا تُبصِرونَ، ولكُمْ آذانٌ ولا تسمَعونَ”(مر8: 18) كما أن هناك أناس يبالغون في أعمالهم الصالحة دون أن تكون لهم حياة الإيمان الحقيقي ولا يعيشون حياة الطاعة لله وينطبق عليهم ما قاله الرب: “هوذا الِاستِماعُ أفضَلُ مِنَ الذَّبيحَةِ، والإصغاءُ أفضَلُ مِنْ شَحمِ الكِباشِ”(1صم15: 22). فأحد البراهين أن نكون من أبناء الرب بحق هو سماعنا لصوت الرب فمكتوب “خِرافي تسمَعُ صوتي، وأنا أعرِفُها فتتبَعُني”(يو10: 27).
في ختام الموعظة على الجبل بعد أن أنهى الرب يسوع حديثه الشيق وتعاليمه السامية اختتم كلامه بهذه الكلمات “فكُلُّ مَنْ يَسمَعُ أقوالي هذِهِ ويَعمَلُ بها، أُشَبِّهُهُ برَجُلٍ عاقِلٍ، بَنَى بَيتَهُ علَى الصَّخرِ… وكُلُّ مَنْ يَسمَعُ أقوالي هذِهِ ولا يَعمَلُ بها، يُشَبَّهُ برَجُلٍ جاهِلٍ، بَنَى بَيتَهُ علَى الرَّملِ.”(مت7: 24، 26).
نعم! توجد بركة كبيرة تنتظر كل مَنْ يسمع ويطيع صوت الله فمكتوب “إنَّ مَنْ يَسمَعُ كلامي ويؤمِنُ بالذي أرسَلَني فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ”(يو5: 24).
5. الرب قادر أن يحل رباط ألسنتنا
لقد لمس الرب لسان المريض فإنحَلَّ رِباطُ لسانِهِ”(مر7: 35).
كم من أناس ربط الشيطان لسانهم فلا تتحدث عن أعمال الله… كم كانت السامرية رائعة فبعد أن تقابلت مع الرب خرجت تخبر وتقول:” إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فعَلتُ”(يو4: 29)… ومجنون كورة الجدريين (مر5: 20) بعدما شفاه الرب جاء إلى يسوع وطلب أن يكون فقال له يسوع:” “اذهَبْ إلَى بَيتِكَ وإلَى أهلِكَ، وأخبِرهُمْ كمْ صَنَعَ الرَّبُّ بكَ ورَحِمَكَ”.
كيف لا؟! ألم يقل المرنم ” آمَنتُ لذلكَ تكلَّمتُ”(مز116: 10).
نحتاج أن نعترف ونعتذر لإلهنا بتقصيرنا في عدم إخبارنا عما عمله الرب في حياتنا، ونحتاج أن نتدرب أن نملأ الدنيا ترنماً “ذوقوا وانظُروا ما أطيَبَ الرَّبَّ! .. ونتغنى بإحسانات الرب في حياتنا كما يقول المرنم: بمَراحِمِ الرَّبِّ أُغَنِّي إلَى الدَّهرِ(مز34: 8 ،مز89: 1).
ولتكن صلاتنا ” يارَبُّ افتَحْ شَفَتَيَّ، فيُخبِرَ فمي بتسبيحِكَ”(مز51: 15).
6. التفكير في العطاء أكثر من الأخذ
في (مر7: 36) مكتوب أن الرب يسوع بعدما صنع المعجزة “فأوصاهُمْ أنْ لا يقولوا لأحَدٍ. ولكن علَى قَدرِ ما أوصاهُمْ كانوا يُنادونَ أكثَرَ كثيرًا”.
هذا يذكرني أيضاً بمعجزة شفاء الأبرص كما دونها (مت8: 2- 4ولو5: 12- 16) فبعد ما شفاه الرب يسوع طلب منه أن لا يحكي لأحد خبر هذه المعجزة، ولكنه مضى في كل مكان ينادي بما فعله المسيح معه . فذاعَ الخَبَرُ عنهُ أكثَرَ”.
عادة نحب أن يرانا الناس ونحن نعمل عملاً عظيماً، ونشعر بسعادة بالغة عند تسلط علينا الأضواء، ويسرنا أن الناس تتحدث عن أعمالنا ونجاحاتنا وما نحققه من إنجازات. لكننا هنا نلاحظ أن الرب يسوع عندما جاءوا إليه بأصم أعقد وطلبوا أن يضع يده عليه مكتوب:” فأخَذَهُ مِنْ بَينِ الجَمعِ علَى ناحيَةٍ، “(مر7: 33).
فالرب يسوع عندما يجري المعجزة لا يهمه أن يجريها على إنفراد في الخفاء لمَنْ يحتاج للمعجزة أو أمام عدد قليل في بيت، أو أمام جموع غفيرة في مكان متسع، لا فرق عنده المهم عنده أنه يركز كل اهتمامه على المحتاج إليه.
كيف لا ؟! وهو الذي علمنا في الموعظة على الجبل” فمَتَى صَنَعتَ صَدَقَةً فلا تُصَوِّتْ قُدّامَكَ بالبوقِ،…. فمَتَى صَلَّيتَ فادخُلْ إلَى مِخدَعِكَ وأغلِقْ بابَكَ، وصَلِّ إلَى أبيكَ الذي في الخَفاءِ. فأبوكَ الذي يَرَى في الخَفاءِ يُجازيكَ عَلانيَةً… وأمّا أنتَ فمَتَى صُمتَ فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وجهَكَ، لكَيْ لا تظهَرَ للنّاسِ صائمًا، بل لأبيكَ الذي في الخَفاءِ. فأبوكَ الذي يَرَى في الخَفاءِ يُجازيكَ عَلانيَةً”(مت6: 2، 3و5- 7و17- 18)
وهكذا نرى الرب يسوع بعدما صنع المعجزة يوصي مَنْ شاهدوا المعجزة أن لا يقولوا لأحد، وكأن الرب أراد أن يلقن الجموع درساً جديداً أنه جاء ” لا ليُخدَمَ بل ليَخدِمَ وليَبذِلَ نَفسَهُ فِديَةً عن كثيرينَ”(مر10: 45).
وأن يرسخ فكرة أنه “مَغبوطٌ هو العَطاءُ أكثَرُ مِنَ الأخذِ”(أع20: 35).
فالناس دائماً تفكر في مكاسبها من وراء كل شيء تقوم به، ولكن الرب أراد أن يؤكد على أهمية العطاء أكثر من الأخذ.
وربما أراد الرب من مطلبه هذا أن يعلم الناس التواضع والوداعة. كيف لا؟! وهو الذي قال :” تعَلَّموا مِنِّي، لأنِّي وديعٌ ومُتَواضِعُ القَلبِ، فتجِدوا راحَةً لنُفوسِكُمْ”(مت11: 29). فلا يجب أن يقودنا النجاح إلى التباهي والتفاخر والكبرياء، وإنما يجب أن نحتفظ بتواضعنا ووداعتنا ونحن في قمة نجاحنا … ولا شك أن الإنسان الذي يحتفظ بتواضعه مع نجاحه، شخصية لها تقديرها العميق من الآخرين، وهذا ما نراه بوضوح عندما يذكر الكتاب أنه بالرغم أن الرب يسوع أوصى الجموع أن لا يقولوا لأحد مكتوب ” علَى قَدرِ ما أوصاهُمْ كانوا يُنادونَ أكثَرَ كثيرًا” (مر7: 36).
7. أعمال الله العظيمة تدعونا للإنبهار والإشادة بها
بعدما صنع الرب يسوع وشفى الأصم الأعقد فمكتوب في (مر7: 37) ” بُهِتوا إلَى الغايَةِ قائلينَ:”إنَّهُ عَمِلَ كُلَّ شَيءٍ حَسَنًا! جَعَلَ الصُّمَّ يَسمَعونَ والخُرسَ يتكلَّمونَ”.
في معجزة صيد السمك الكثير التي دونها الوحي في (مت4، لو5، مرا) مكتوب عن بطرس أنه اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك (لو5: 9).
وعندما شفى الرب يسوع المفلوج مكتوب أنه من روعة المعجزة ” بُهِتَ الجميعُ ومَجَّدوا اللهَ قائلينَ:”ما رأينا مِثلَ هذا قَطُّ!”(مر2: 12).
ولا شك أن كل أعمال ومعجزات وتعاليم الرب يسوع كانت مبهرة وجاذبة ولافتة للأنظار وتدعو للإندهاش فالناس كانت ترى العجب العجاب.
نحتاج أن نتعلم كيف ننبهر بأعمال وعظائم الرب، ونعبر عن إعجابنا بعجائبه العجيبة، وتقديرنا العميق لكل أعمال يديه وتجعلنا نشدو ” ما أعظَمَ أعمالكَ يارَبُّ! كُلَّها بحِكمَةٍ صَنَعتَ”(مز104: 24).
هل نعتذر لإلهنا لأننا تعودنا أن نرى أعماله ومعجزاته ونسمع تعاليمه السامية دون أن ننبهر بها، فعلى سبيل المثال نحن نصلي الصلاة الربانية… الصلاة النموذجية الجميلة التي علمنا إياها الرب يسوع دون التفكير في معانيها الثرية، وتعودنا أن نتناول العشاء الرباني كعادة روتينيه دون أن نفكر فيما تحمله لنا من بركات وتعزيات فوق حد التصور.
وتعودنا نرنم ترانيمنا العذبة بالموسيقي الشجية دون أن نجسد معانيها في أسلوب حياتنا اليومية.
وتعلمنا أن ندخل الكنيسة ونخرج منها كما دخلنا دون أن يكون للتعليم الذي نسمعه من كلمة الله أي تأثير على حياتنا أو تغيير في سلوكنا.
نعم! بعدما انتهى الرب يسوع من شفاء الأعقد الأصم اعترف الناس أنه فعل كل شيء حسناً، وهذه هي نفس الكلمة التي قيلت عن الله أثناء الخليقة في (تك1: 31) ” 31ورأَى اللهُ كُلَّ ما عَمِلهُ فإذا هو حَسَنٌ جِدًّا”.
لكن الخطية شوهت الإنسان، وهنا جاء الرب يسوع ليعيد الجمال الذي وضعه الله في العالم بعد أن أفسدته الخطية، ويخلق كل شيء من جديد.
“ثُمَّ خرجَ أيضًا مِنْ تُخومِ صورَ وصَيداءَ، وجاءَ إلَى بحرِ الجليلِ في وسطِ حُدودِ المُدُنِ العَشرِ. وجاءوا إليهِ بأصَمَّ أعقَدَ، وطَلَبوا إليهِ أنْ يَضَعَ يَدَهُ علَيهِ. فأخَذَهُ مِنْ بَينِ الجَمعِ علَى ناحيَةٍ، ووَضَعَ أصابِعَهُ في أُذُنَيهِ وتفَلَ ولَمَسَ لسانَهُ، ورَفَعَ نَظَرَهُ نَحوَ السماءِ، وأنَّ وقالَ لهُ:”إفَّثا”. أيِ انفَتِحْ. وللوقتِ انفَتَحَتْ أُذناهُ، وانحَلَّ رِباطُ لسانِهِ، وتكلَّمَ مُستَقيمًا. فأوصاهُمْ أنْ لا يقولوا لأحَدٍ. ولكن علَى قَدرِ ما أوصاهُمْ كانوا يُنادونَ أكثَرَ كثيرًا. وبُهِتوا إلَى الغايَةِ قائلينَ:”إنَّهُ عَمِلَ كُلَّ شَيءٍ حَسَنًا! جَعَلَ الصُّمَّ يَسمَعونَ والخُرسَ يتكلَّمونَ”.
هذه المعجزة غنية بالدروس الرائعة اذكر منها الآتي:
1. دعونا نطلب من الله من أجل غيرنا
في (مر7: 32) ” وجاءوا إليهِ بأصَمَّ أعقَدَ، وطَلَبوا إليهِ أنْ يَضَعَ يَدَهُ علَيهِ” وهنا نرى أن بعض الناس جاءوا بالمريض إلى المسيح وكأن الرب أراد أن يعلمنا أن نهتم بإحتياجات الآخرين في العادة نحن نطلب من أجل أنفسنا، ونصلي لأجل احتياجاتنا، لأجل آمالنا وآلامنا … ما أقل المرات التي نخرج فيها بعيداً عن ذواتنا واحتياجاتنا ونطلب من أجل الآخرين.
والجدير بالملاحظة أن الرب يسوع قد أجرى معجزاته بصور ثلاث:
أ. بناء على طلب المحتاج نفسه كما شفى الأبرص (لو5: 12) وكما شفى بارتيماوس الأعمى الذي صرخ قائلاً: يا ابن داود أرحمني (مت20، مر10).
ب. وأجرى البعض الآخر من معجزاته بناء على محبته وبدافع حنانه كما فعل في معجزة أقامة ابن أرملة نايين (لو7: 13، 14) وكما شفى المرأة المنحنية التي بها روح ضعف ثماني عشرة سنة فلما رآها دعاها وشفاها (لو13: 10- 17).
ج. وأجرى البعض الآخر من معجزاته نتيجة طلب إنسان من أجل آخر كما حدث في شفاء عبد قائد المئة وكما حدث في شفاء الأعمى فمكتوب في (مرقس8: 22) ” وجاءَ إلَى بَيتِ صَيدا، فقَدَّموا إليهِ أعمَى وطَلَبوا إليهِ أنْ يَلمِسَهُ”.
وكما حدث في معجزة شفاء الأصم والأخرس التي نحن بصدد دراستها، وكأن الرب أراد من هذه المعجزة أن يعلمنا كيف نطلب من أجل غيرنا، ونشعر باحتياجاتهم، ونتعاطف معهم، ونطلب لهم من الرب.
هكذا نرى الرسول بولس يؤكد على هذه القيمة الإيمانية فيقول ” اِحمِلوا بَعضُكُمْ أثقالَ بَعضٍ وهكذا تمِّموا ناموسَ المَسيحِ.”(غلا6: 2).
مرات ننجو من مخاطرنا، وتنتهي مشاكلنا، ويسدد الله أعوازنا لأننا صلينا وطلبنا وجه الرب،
وفي مرات لأن غيرنا صلى من أجلنا، وفي مرات لأن الله يرى ضيقتنا ويسمع أنيننا ويعرف احتياجاتنا من قبل أن نسأل فيمد لنا يده الحانية والمعطاءة.
في مرات كثيرة يكون المحتاج للمسيح عاجزاً عن أن ينطق أو يعبر عن احتياجه مثل حالة الأصم الأعقد فيكلف الرب شخصً آخر ينوب عنه في توضيح حالته.
ياه! كم من خطاة لا يدركون خطيتهم، عقد الشيطان السنتهم فلم يطلبوا التوبة، يحتاجون إلى شخص يبسط احتياجهم ويعلنه أمام عرش النعمة.
ليعطينا الرب أن نعبر عن حاجة الآخرين إلى الرب فنحدثهم عن الرب، ونحدث الرب عنهم بأن نصلي لأجلهم أليس مكتوب ” وصَلّوا بَعضُكُمْ لأجلِ بَعضٍ، لكَيْ تُشفَوْا.”(يع5: 16).
2. المعجزة تعلن عن لاهوت المسيح وسلطانه
“لقد لمس الرب بإصبعه أذنيه، ولسانه فللوقتِ انفَتَحَتْ أُذناهُ، وانحَلَّ رِباطُ لسانِهِ”(مر7: 33). وفي هذه المعجزة نرى الرب يسوع بمجرد لمسة شفى المريض، وفي هذه اللمسة نرى لمسة معجزية شافية
إن الرب يسوع صاحب اللمسة القوية المقتدرة التي تنتهر كل مرض وكل ضعف إنها اللمسة الشافية كيف لا؟! ومكتوب أن “جميعُ الذينَ لَمَسوهُ نالوا الشِّفاءَ”(مت14: 36).
فالمسيح كلمة الله، والكلمة دوماً تحمل سلطان قائلها ” والرب يسوع هو المكتوب عنه ” كُلُّ شَيءٍ بهِ كانَ”(يو1: 3).لم يحدث أن جاءه شخص ومضى من عنده فارغاً فهو القائل: “مَنْ يُقبِلْ إلَيَّ لا أُخرِجهُ خارِجًا”(يو6: 37).
وهو الذي قال:”دُفِعَ إلَيَّ كُلُّ سُلطانٍ في السماءِ وعلَى الأرضِ”(مت28: 18).
في (مر7: 34، 35) مكتوب “ورَفَعَ نَظَرَهُ نَحوَ السماءِ، وأنَّ وقالَ لهُ:”إفَّثا”. أيِ انفَتِحْ. وللوقتِ انفَتَحَتْ أُذناهُ، وانحَلَّ رِباطُ لسانِهِ، وتكلَّمَ مُستَقيمًا”.
لقد نظر يسوع إلى السماء ليعلن للناس إنها قوة الله التي تشفي، ويعلمنا أنه إذا أرادنا أن ننال الشفاء فلنرفع أنظارنا إلى السماء، وهذه المعجزة وكل معجزاته ترينا بوضوح
لقد قال الرسول بولس أن المسيح “لم يَحسِبْ أنْ يكونَ مُعادِلاً للهِ”(فيلبي2: 8). بمعنى أنه عندما عادل المسيح نفسه بالله لم يكن مختلساً لما ليس من حقه فهو صاحب السلطان على الجسد الإنساني ليعيد للمريض صحته الكاملة فالمسيح صاحب السلطان يقول فيكون، ويأمر فيصير.
ياه! ما أجمل ما سطرته ريشة الوحي المقدس في معجزة شفاء ” ابن قائد المئة” عندما قال:” يا سيِّدُ، قُلْ كلِمَةً فيَبرأَ غُلامي”(لو7: 6). حتى أن السيد امتدح إيمانه قائلاً: ” ولَمّا سمِعَ يَسوعُ هذا تعَجَّبَ مِنهُ، والتفَتَ إلَى الجَمعِ الذي يتبَعُهُ وقالَ:”أقولُ لكُمْ: لم أجِدْ ولا في إسرائيلَ إيمانًا بمِقدارِ هذا! “(لو7: 9).
لقد رأى قائد المئة في الرب يسوع أنه صاحب السلطان وصانع المعجزات، الذي تسافر كلمته إلى بعيد وتصل إلى حيث يرقد العبد المريض المشرف على الموت.
ياه! ما أروع إيمان نازفة الدم في قدرة المسيح وسلطانه إذ قالت في نفسها “إنْ مَسَستُ ثَوْبَهُ فقط شُفيتُ”(مت9: 21).
ويبقى السؤال: هل نؤمن أن الرب يسوع هو الإله القادر على كل شيء، ويستطيع كل شيء ولا يعثر عليه أمر.
3. الرب يسوع يعرف مشاعرنا ويتجاوب مع احتياجاتنا
لقد أحضروا إلى يسوع أصم أخرس فلابد أن المرضين يرتبطان معاً، فعدم السمع يجعل الكلام صعباً غير مفهوم، وفي هذه المعجزة نرى رقة وحلاوة مشاعر يسوع وهو يعامل المرضى الذين يأتون إليه.
لقد أخذه بعيداً عن الجماهير وهو بذلك يظهر إحساسه وعطفه وتجاوبه مع مشاعر المريض الأصم الأخرس ذلك لأن الأصم يضطرب كثيراً ويشعر بالخجل بإحساسه بالعجز عندما يرى إنساناً يتكلم إليه، ويحس أنه لا يسمعه ولا يفهمه. ولهذا أخذه يسوع على جانب حتى لا يجرح إحساساته.
إن الرب يسوع لم يعتبر المرض حالة أمامه بل إنساناً، وهذا الإنسان له احتياج خاص ومشكلة معينة، وفي شعور فياض، ومحبة غامرة تصرف معه بحيث لا يجرح شعوره وإحساسه.
نعم! نتعلم من هذه المعجزة كيف نتجاوب مع مشاعر وعواطف الناس، كيف نلبي احتياجاتهم بأسلوب رقيق وعواطف حلوة، بمحبة حقيقية، وحنان غامر.
4. الرب قادر أن يفتح آذاننا
في هذه المعجزة نرى كيف فتح الرب أذن الأصم، والحقيقة كم من أناس أغلق الشيطان آذانها فلا تسمع لصوت الرب ينطبق عليهم ما قاله الرب يسوع: :”ألكُمْ أعيُنٌ ولا تُبصِرونَ، ولكُمْ آذانٌ ولا تسمَعونَ”(مر8: 18) كما أن هناك أناس يبالغون في أعمالهم الصالحة دون أن تكون لهم حياة الإيمان الحقيقي ولا يعيشون حياة الطاعة لله وينطبق عليهم ما قاله الرب: “هوذا الِاستِماعُ أفضَلُ مِنَ الذَّبيحَةِ، والإصغاءُ أفضَلُ مِنْ شَحمِ الكِباشِ”(1صم15: 22). فأحد البراهين أن نكون من أبناء الرب بحق هو سماعنا لصوت الرب فمكتوب “خِرافي تسمَعُ صوتي، وأنا أعرِفُها فتتبَعُني”(يو10: 27).
في ختام الموعظة على الجبل بعد أن أنهى الرب يسوع حديثه الشيق وتعاليمه السامية اختتم كلامه بهذه الكلمات “فكُلُّ مَنْ يَسمَعُ أقوالي هذِهِ ويَعمَلُ بها، أُشَبِّهُهُ برَجُلٍ عاقِلٍ، بَنَى بَيتَهُ علَى الصَّخرِ… وكُلُّ مَنْ يَسمَعُ أقوالي هذِهِ ولا يَعمَلُ بها، يُشَبَّهُ برَجُلٍ جاهِلٍ، بَنَى بَيتَهُ علَى الرَّملِ.”(مت7: 24، 26).
نعم! توجد بركة كبيرة تنتظر كل مَنْ يسمع ويطيع صوت الله فمكتوب “إنَّ مَنْ يَسمَعُ كلامي ويؤمِنُ بالذي أرسَلَني فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ”(يو5: 24).
5. الرب قادر أن يحل رباط ألسنتنا
لقد لمس الرب لسان المريض فإنحَلَّ رِباطُ لسانِهِ”(مر7: 35).
كم من أناس ربط الشيطان لسانهم فلا تتحدث عن أعمال الله… كم كانت السامرية رائعة فبعد أن تقابلت مع الرب خرجت تخبر وتقول:” إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فعَلتُ”(يو4: 29)… ومجنون كورة الجدريين (مر5: 20) بعدما شفاه الرب جاء إلى يسوع وطلب أن يكون فقال له يسوع:” “اذهَبْ إلَى بَيتِكَ وإلَى أهلِكَ، وأخبِرهُمْ كمْ صَنَعَ الرَّبُّ بكَ ورَحِمَكَ”.
كيف لا؟! ألم يقل المرنم ” آمَنتُ لذلكَ تكلَّمتُ”(مز116: 10).
نحتاج أن نعترف ونعتذر لإلهنا بتقصيرنا في عدم إخبارنا عما عمله الرب في حياتنا، ونحتاج أن نتدرب أن نملأ الدنيا ترنماً “ذوقوا وانظُروا ما أطيَبَ الرَّبَّ! .. ونتغنى بإحسانات الرب في حياتنا كما يقول المرنم: بمَراحِمِ الرَّبِّ أُغَنِّي إلَى الدَّهرِ(مز34: 8 ،مز89: 1).
ولتكن صلاتنا ” يارَبُّ افتَحْ شَفَتَيَّ، فيُخبِرَ فمي بتسبيحِكَ”(مز51: 15).
6. التفكير في العطاء أكثر من الأخذ
في (مر7: 36) مكتوب أن الرب يسوع بعدما صنع المعجزة “فأوصاهُمْ أنْ لا يقولوا لأحَدٍ. ولكن علَى قَدرِ ما أوصاهُمْ كانوا يُنادونَ أكثَرَ كثيرًا”.
هذا يذكرني أيضاً بمعجزة شفاء الأبرص كما دونها (مت8: 2- 4ولو5: 12- 16) فبعد ما شفاه الرب يسوع طلب منه أن لا يحكي لأحد خبر هذه المعجزة، ولكنه مضى في كل مكان ينادي بما فعله المسيح معه . فذاعَ الخَبَرُ عنهُ أكثَرَ”.
عادة نحب أن يرانا الناس ونحن نعمل عملاً عظيماً، ونشعر بسعادة بالغة عند تسلط علينا الأضواء، ويسرنا أن الناس تتحدث عن أعمالنا ونجاحاتنا وما نحققه من إنجازات. لكننا هنا نلاحظ أن الرب يسوع عندما جاءوا إليه بأصم أعقد وطلبوا أن يضع يده عليه مكتوب:” فأخَذَهُ مِنْ بَينِ الجَمعِ علَى ناحيَةٍ، “(مر7: 33).
فالرب يسوع عندما يجري المعجزة لا يهمه أن يجريها على إنفراد في الخفاء لمَنْ يحتاج للمعجزة أو أمام عدد قليل في بيت، أو أمام جموع غفيرة في مكان متسع، لا فرق عنده المهم عنده أنه يركز كل اهتمامه على المحتاج إليه.
كيف لا ؟! وهو الذي علمنا في الموعظة على الجبل” فمَتَى صَنَعتَ صَدَقَةً فلا تُصَوِّتْ قُدّامَكَ بالبوقِ،…. فمَتَى صَلَّيتَ فادخُلْ إلَى مِخدَعِكَ وأغلِقْ بابَكَ، وصَلِّ إلَى أبيكَ الذي في الخَفاءِ. فأبوكَ الذي يَرَى في الخَفاءِ يُجازيكَ عَلانيَةً… وأمّا أنتَ فمَتَى صُمتَ فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وجهَكَ، لكَيْ لا تظهَرَ للنّاسِ صائمًا، بل لأبيكَ الذي في الخَفاءِ. فأبوكَ الذي يَرَى في الخَفاءِ يُجازيكَ عَلانيَةً”(مت6: 2، 3و5- 7و17- 18)
وهكذا نرى الرب يسوع بعدما صنع المعجزة يوصي مَنْ شاهدوا المعجزة أن لا يقولوا لأحد، وكأن الرب أراد أن يلقن الجموع درساً جديداً أنه جاء ” لا ليُخدَمَ بل ليَخدِمَ وليَبذِلَ نَفسَهُ فِديَةً عن كثيرينَ”(مر10: 45).
وأن يرسخ فكرة أنه “مَغبوطٌ هو العَطاءُ أكثَرُ مِنَ الأخذِ”(أع20: 35).
فالناس دائماً تفكر في مكاسبها من وراء كل شيء تقوم به، ولكن الرب أراد أن يؤكد على أهمية العطاء أكثر من الأخذ.
وربما أراد الرب من مطلبه هذا أن يعلم الناس التواضع والوداعة. كيف لا؟! وهو الذي قال :” تعَلَّموا مِنِّي، لأنِّي وديعٌ ومُتَواضِعُ القَلبِ، فتجِدوا راحَةً لنُفوسِكُمْ”(مت11: 29). فلا يجب أن يقودنا النجاح إلى التباهي والتفاخر والكبرياء، وإنما يجب أن نحتفظ بتواضعنا ووداعتنا ونحن في قمة نجاحنا … ولا شك أن الإنسان الذي يحتفظ بتواضعه مع نجاحه، شخصية لها تقديرها العميق من الآخرين، وهذا ما نراه بوضوح عندما يذكر الكتاب أنه بالرغم أن الرب يسوع أوصى الجموع أن لا يقولوا لأحد مكتوب ” علَى قَدرِ ما أوصاهُمْ كانوا يُنادونَ أكثَرَ كثيرًا” (مر7: 36).
7. أعمال الله العظيمة تدعونا للإنبهار والإشادة بها
بعدما صنع الرب يسوع وشفى الأصم الأعقد فمكتوب في (مر7: 37) ” بُهِتوا إلَى الغايَةِ قائلينَ:”إنَّهُ عَمِلَ كُلَّ شَيءٍ حَسَنًا! جَعَلَ الصُّمَّ يَسمَعونَ والخُرسَ يتكلَّمونَ”.
في معجزة صيد السمك الكثير التي دونها الوحي في (مت4، لو5، مرا) مكتوب عن بطرس أنه اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك (لو5: 9).
وعندما شفى الرب يسوع المفلوج مكتوب أنه من روعة المعجزة ” بُهِتَ الجميعُ ومَجَّدوا اللهَ قائلينَ:”ما رأينا مِثلَ هذا قَطُّ!”(مر2: 12).
ولا شك أن كل أعمال ومعجزات وتعاليم الرب يسوع كانت مبهرة وجاذبة ولافتة للأنظار وتدعو للإندهاش فالناس كانت ترى العجب العجاب.
نحتاج أن نتعلم كيف ننبهر بأعمال وعظائم الرب، ونعبر عن إعجابنا بعجائبه العجيبة، وتقديرنا العميق لكل أعمال يديه وتجعلنا نشدو ” ما أعظَمَ أعمالكَ يارَبُّ! كُلَّها بحِكمَةٍ صَنَعتَ”(مز104: 24).
هل نعتذر لإلهنا لأننا تعودنا أن نرى أعماله ومعجزاته ونسمع تعاليمه السامية دون أن ننبهر بها، فعلى سبيل المثال نحن نصلي الصلاة الربانية… الصلاة النموذجية الجميلة التي علمنا إياها الرب يسوع دون التفكير في معانيها الثرية، وتعودنا أن نتناول العشاء الرباني كعادة روتينيه دون أن نفكر فيما تحمله لنا من بركات وتعزيات فوق حد التصور.
وتعودنا نرنم ترانيمنا العذبة بالموسيقي الشجية دون أن نجسد معانيها في أسلوب حياتنا اليومية.
وتعلمنا أن ندخل الكنيسة ونخرج منها كما دخلنا دون أن يكون للتعليم الذي نسمعه من كلمة الله أي تأثير على حياتنا أو تغيير في سلوكنا.
نعم! بعدما انتهى الرب يسوع من شفاء الأعقد الأصم اعترف الناس أنه فعل كل شيء حسناً، وهذه هي نفس الكلمة التي قيلت عن الله أثناء الخليقة في (تك1: 31) ” 31ورأَى اللهُ كُلَّ ما عَمِلهُ فإذا هو حَسَنٌ جِدًّا”.
لكن الخطية شوهت الإنسان، وهنا جاء الرب يسوع ليعيد الجمال الذي وضعه الله في العالم بعد أن أفسدته الخطية، ويخلق كل شيء من جديد.
الواعظة
الأولى