الأيام اللي فاتت كل اللي بيصيفوا شافوا مشهد غير عادي للبحر. في يوم كان هايج بطريقة مش معقولة حتى في المناطق أللي على خليج مقفول.
فِضِل كده طول اليوم والناس عمالة تبص عليه مستخسرين يوم يعدي من إجازتهم من غير بحر.
والعجيبة إن العاصفة دي ما طولتش. صحينا تاني يوم على بحر هادي وجميل والناس كلها فيه بتعوم، بس بطول الشاطىء كان في شريط أسود من الأعشاب مِتكوِّم جوة المية قُرب البَر لازم تتخطاه علشان تدخل لحتة هادئة ونظيفة.
الموج الخفيف عمال يقلِّب فيه رايح راجع وأنا واقفة باتأمل في المنظر ومستنية البحر يرمي الأعشاب السودا دي برة علشان نِخلَّص ويرجع صفاء البحر من تاني.
بس لما الوقفة طالت والأعشاب لسه متعلقة، مشيت .. وندمت بعدها اني ما صورت المنظر لأني بدأت اقرأ فيه حاجة رهيبة.
وفي بداية اليوم الثاني أول حاجة عملتها إني أخدت تليفوني ورحت بسرعة على الشاطىء وأنا متخيلة إني أكيد أكيد ياهلاقي نفس المنظر يا هالاقي الأعشاب متكومة برة على الرمل. بس اتفاجئت إن مفيش أثر نهائي للأعشاب السودا لا عالبر ولا في البحر. بقيت جايبة الشاطىء من أوله لآخره بعنيا علشان أتأكد لكنها كانت فعلاً اختفت.
رحت للبحار وسألته. هو إيه اللي حصل؟ هل من بالليل للصبح البحر طرد الوساخة كلها برة مثلاً؟ طيب هي فين؟ إنتوا نضفتوها ؟ قالي ” لا طبعاً يامدام.
احنا ماعملناش حاجة خالص.” وقالي جملة رهيبة. قالي ” البحر بينضف نفسه يامدام.”
ماحدش فينا بيحب العواصف، ده أكيد.
ولو إنت عندك فرصة أجازة تصيِّف فيها كام يوم قليلين، أكيد مش بتكون حابب يتهدر منها يوم ولا أتنين في أجواء صعبة تِشِلَّك عن الحركة أو تشيل وتحط فيك. بس الأكيد إن في شىء مفيد بيطلع من العواصف على المستوى الروحي في حياتك لو تخيلتها زي البحر. الشقلبة دي والموج الشديد بينزل لأعماق كبيرة ممكن يكون مِتحوِّش فيها أمور قديمة مش مضبوطة تعايشت معاها سنين طويلة ويمكن تكون نجحت في إنك تدفنها وتخبيها وقَعَدت خافيها حتى عن نفسك وعامل روحك مش واخد بالك إنها موجودة.
تبص تلاقي رياح شديدة هبِّت على حياتك حركت أمواج عالية وشديدة حفرت لجوة قوي وخرجت حاجات ماكانش نافع تُخرج في هدوء الأحوال. ولأن بحر حياتك موجود جوة محيط حبه وفي مرأى عينيه اللي بتشوف كله، بتلاقيه ساعدك إنك تطردها لبرة فتتكوِّم وتوضح قدام عينيك فتقرف منها وتكرهها. الحاجة بقى أللي خبطتني جامد، هو ليه ما طردهاش على الشاطىء ؟ الرسالة اللي وصلتني كأنه بيقول أنا مش إله فُضَحي. يعني مش بتاع فضايح. أنا بعد ما باساعدك تشوفها وتكرهها وتندم عليها، باخدها لبحر تاني اسمه “بحر النسيان”. “لا أعود أذكرها”. زي مانتي شفتي كده شاطىء نظيف فُلَّة.
ياه ه ه يارب على جمالك وحنيتك!!
ياه على كَم العهود الجديدة التي بتبدأها معانا!!
ياه على عظمة صفحك وغفرانك!!
ياه على حنية قلبك أللي بتستر كثرة من الخطايا!!
أد إيه باشكرك على كل عاصفة في حياتي قلبتها وخرجت الزبالة أللي فيها على وش المية. وعلى كل موجة عالية طردِتها لبرة وكومتها علشان أشوف قبحها وأكرهها؟ أد إيه بشكرك لإنك لا بتلوم ولا بِتِعيَّر لكن بكل حب وحنية بتغيَّر؟ ممنونة لحبك وحكمتك. شاكرة لسترك وغفرانك. مبهورة ببحر حياتي أللي بتمكنه ” ينضف منه فيه ” لأنه استقبل غسيل دمك ولإنه جزء من محيط حبك وتفهمك لمحدودية إنسانيتنا.
وحاجة تانية يارب. ساعدني إني زي ما أنت بتعمل معايا، أنا كمان أعمل مع غيري. ساعدني أغفر زيك. ساعدني استُر زيك. ساعدني أحب وأفهم واأقدَّر والتعاطف زيك. ساعدنا أصبر على غيري زيك لحد ما بحر حياتهم ” ينظف منه فيه ” زي ما أنت بتعمل معايا.
“قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ.».” (إشعياء ٢٢:٤٤).
“أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لِأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لَا أَذْكُرُهَا».” (إشعياء ٢٥:٤٣).
“وَلَكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لِأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ ٱلْخَطَايَا.” (١ بطرس ٨:٤).