بَعْدَ هذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هكَذَا: كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ، وَابْنَا زَبْدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ.
15فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: «يَاسِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟» قَالَ لَهُ:«نَعَمْ يَارَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ارْعَ خِرَافِي». 16قَالَ لَهُ أَيْضًا ثَانِيَةً:«يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» قَالَ لَهُ:«نَعَمْ يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ:«ارْعَ غَنَمِي». 17قَالَ لَهُ ثَالِثَةً:«يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: «يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«ارْعَ غَنَمِي».
على ضفاف بحر طبرية أجرى الرب يسوع أثناء وجوده على الأرض قبل صعوده المعجزة الختامية فمكتوب في يو21: 1 بَعْدَ هذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ وكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ قد قال لمجموعة من التلاميذ :«أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّدَ». قَالُوا لَهُ:«نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكَ». هذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. كما هو مكتوب في يو21: 14 .
ولعل البشير يوحنا كان قد رصد هذه الحادثة ليؤكد على أهم حقيقة في المسيحية وهي قيامة المسيح .
نعم ! فالقيامة حجر الأساس في إيماننا المسيحي وفي قيام الكنيسة
وبعدما ظهر الرب يسوع لبطرس ومجموعة من التلاميذ أعطاهم ان يصطادوا سمكاً كثيراً وكبيراً مئه وثلاثاً وخمسين سمكة بعد ليلة طويلة لم يصطادوا فيها شيئاً ، هذه المعجزة كانت عظة قوية حافلة بالدروس الروحية وزاخرة بالقيم المسيحية أذكر منها الآتي:-
أولاً : بعيداً عن الرب لا يمكن إن نحقق أهدافنا :
في يو 21: 3 ترسم لنا ريشة الوحي المقدس أن بطرس ومن معه دخلوا السفينة وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئاً .
لقد انتقد البعض من المفسرين بطرس لعودته للصيد مرة ثانية ، وعلى تشجيعه للبعض أن يذهبوا معه وقالوا لقد فقد الأمل في رسالته وخدمته ، ورجع إلى عمله القديم ، وكيف يذهب للصيد بعد إن دعاه الرب يسوع ليكون صياداً للناس !! حتى وان كان البعض يفسر ذلك إن بطرس أراد أن يكون مثل جماعة الربيين الذين كان لكل واحد منهم حرفة بجوار عمله الديني ، كما كان بولس يصنع الخيام لكي لايثقل على احد .
ولكن الله في حكمته جعلهم لم يمسكوا في تلك الليلة أي شيء وأشعرهم بالفشل وقطع عليهم الطريق كي لا يرجعوا مرة أخرى لحرفة الصيد ، ولا ينشغلوا بغيره .
نعم بعيداً عن الرب لا شبع ولا ارتواء حتى لو ربحنا العالم كله ، فمياه العالم مالحة وشاربها يزداد عطشاً والعكس صحيح ففي المسيح كل رضى واكتفاء ، فالقصة تقول إن الرب يسوع سأل التلاميذ ألعل عندكم إداماً أجابوا لا ( يو 21: 5) ثم قال لهم القوا الشبكة إلى جانب السفينة الايمن فتجدوا فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك (يو 21 : 6 )
ولما خرجوا على الشاطئ وجدوا يسوع وقد أعد لهم وليمة ثم قال لهم “هلم تغدوا ” ثم جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم و وأخذ السمك وأعطاهم (يو 21: 9، 12، 13 )
نعم هو الرب فيه كفايتنا ، ومعه نترنم ” ومعك لا أريد شيئاً ”
ثانياً الخطية سر العري والعار :
في يو 21: 7 ” لما سمع سمعان بطرس انه الرب أتزر بثوبه لأنه كان عرياناً والقي بنفسه في البحر .
كان بطرس بملابس الصيد شبه عاري وهذا ما يحصده الإنسان عندما يذهب بعيدا عن الخطة التي رسمها له الرب ، فالخطية تعري الإنسان وتلطخه بالعار فمكتوب ” عار الشعوب الخطية ”
كيف لا ألم يذكر الكتاب أن آدم عندما أخطأ هو وأمنا حواء علما أنهم عريانان وحاولا تغطية عريهما فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر (تك 3: 7) لكن دون جدوى
وكان الحل انه في ملء الزمان الله ظهر في الجسد ، وعلى الصليب صلب الرب يسوع شبه عاري
فمكتوب ” اقتسموا ثيابي بينهم ، وعلى لباسي ألقوا قرعة هذا فعلة العسكر ” ( يو 19: 24 ) .
نعم لقد صلب الرب يسوع شبه عاري على الصليب ، فقد حمل خطايانا التي هي سر العري ، وأخذ ينسج بيه الطاهرة ثوب خلاصنا ، ورداء برنا وصبغهما بدماه الثمينة الذكية لكي يغطى عرينا ويمحو عارنا .
ثالثاً: العالم كله ميدان إرسالية الكنيسة :
يتساءل البعض لماذا يذكر البشير يوحنا إن عدد السمك الذي اصطاده التلاميذ هو ” مائة وثلاثة وخمسين سمكة ” ( يو 21: 11 )
وقال البعض من المفسرين إن من عادة يوحنا تقديم الحقائق الروحية في صورة مادية، فينبغي أن نتوقع شيئا من وراء ذكر هذا الرقم فأصحاب المدرسة الرمزية قالوا إن العدد 153 يحتوي على العدد “المائة” وهو يرمز إلى كمال ملء الأمم في اجتذابهم إلى شبكة النعمة الإلهية ، إلى حظيرة المسيح .
ففي مت 18: 12 حدد عدد الخراف بمائه خروف وفي مثل الزارع مت 13: 28 عن الأرض الخصبة بالقول أنها تعطي مائة ضعف.
والعدد ” خمسون ” يرمز إلى البقية التي تخلص من شعب الله.
والعدد ” ثلاثة ” يرمز إلى الثالوث الأقدس الممجد في خلاص الكل.
أما القديس ايرنيموس فيقول إن مياه البحر تحوي على مائة وثلاثة وخمسون نوعاً من الأسماك ، وعلى ذلك فحصيلة الصيد تضم كل أنواع السمك فالرقم يشير إلى انه لابد إن يأتي الوقت الذي فيه تصبح كل الأمم والممالك للرب ومسيحه ، هذا العدد الوفير ضمته شبكة مطروحة في البحر وجامعة من كل نوع فلما امتلأت أصعدوها على الشاطئ .
فالكنيسة يجب إن تفتح ذراعيها للجميع وتضم إلى أحضانها كل يوم الذين يخلصون من كل أمة وقبيلة وشعب ولسان.
وهذه كانت صلاة الرب يسوع في يو 17: 18 ” كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ، ”
كيف لا ومكتوب “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.”يو 3: 16
وأوصى تلاميذه في وصية الوداع “:«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا “
( مر16: 15 ).
رابعاً علينا إن نبرهن عن محبتنا للرب بخدمتنا له .
فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: «يَاسِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟» قَالَ لَهُ:«نَعَمْ يَارَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ارْعَ خِرَافِي». يو 21: 15
لقد سأل الرب يسوع بطرس هذا السؤال ثلاث مرات وكأنه يريد أن يقول له هل وصلت يا بطرس في محبتك إلى المنسوب الذي أريدك أن تكون عليه ؟!
وربما أراد أن يقول له بطرس عبر وبرهن عن محبتك لي لا بالكلام واللسان بل بالعمل والحق ، برهن عن محبتك بخدمتك … إن كنت تحبني إرع غنمي ، وربما أراد إن يقول له يا بطرس ” إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويصنع وصاياي “
وربما أراد أن يقول له هل تحبني يا بطرس أكثر من هؤلاء أكثر من أدوات الصيد، أكثر من القارب والشباك؟!
ولعل الرب يسألنا اليوم هل يمكن أن نضحي براحتنا واستقرارنا لأجل خدمته .