إن عملية عزل الرئيس محمد مرسى من منصبه كرئيس لجمهورية مصر العربية أثارت جدلا واسعا والعديد من ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية. ويلاحظ المتابع للجدل وردود الأفعال أن ثمة خلط بين سؤالين: الأول هو لماذا تم عزل الرئيس؟ والثانى هو كيف تم عزله؟ السؤال الأول يتعلق بالعوامل التى تسببت فى عزله، أما الثانية فيتعلق بطريقة العزل. ويسعى كلا الفريقين، المؤيد والمعارض، إلى تقديم روايته عن الأسباب والطريقة. وربما يكون من المفيد فى هذا السياق إبراز الفرق بين “كيف؟” و “لماذا؟”.
ولنبدأ بسؤال لماذا؟. كنت قد أشرت بشكل سريع، بأن محمد مرسى بوصفه رئيسا لمصر كان لديه مشكلتين: مشكلة قيادة ومشكلة إدارة. وتتهم جماعة الإخوان أن قوى النظام القديم كانت السبب فى هذه الأزمات، ونقول لهم وأنتم بالأساس. فالكل يعلم أن فوز مرسى فى انتخابات الرئاسة لم يأت نتيجة تحالفات إيجابية، ولكن كنوع من التضامن السلبى، حيث حصد مرسى أصواتا لأناس لا تؤيده بقدر رفضها لخصمه السياسى “محمد شفيق”، ولم يكن الهدف فوز مرسى فى الانتخابات وإنما إقصاء “أحمد شفيق”. وفى ظل هذا الوضع الهش، لم يكن أمام الرئيس المنتخب إلا الإستقواء بجماعته. وعقب الإنتخابات، بدا واضحا، أن الأرضية التى يقف عليها الرئيس ليس الكتلة التصويتية وإنما الجماعة والتى تعاملت مع الموقف بقدر كبير من ضيق الأفق والإنتهازية السياسية. فلم يكن لديها أية رؤية لتوسيع دائرة المؤيدين والحلفاء، وإنما حصد القدر الأكبر من المناصب واستبعاد الخصوم واستخدام الرئيس كأداة لتحقيق هذا الهدف. وهنا تبرز مشكلة إدارة شئون البلاد، فمن يدير ليس الرئيس ولكن الجماعة، فهى التى تدفع فى اتجاهات معينة من أجل اتخاذ قرارات تصب فى صالحها. كما دفعت الجماعة الرئيس إلى اتخاذ قرارات لم يكن فى مقدوره تحصينها فتراجع عنها تحت ضغوط سياسية ومجتمعية. وفيما يتعلق بالأمن والخدمات فقد بدا وضحا عجز السلطة عن إيجاد حلول لكم هائل من المشكلات. وحتى لو افترضنا أن النظام القديم وراء كل هذه المشكلات، فهذا لن يغير من حقيقة الأمر شئ، أى فشل الرئيس فى تحجيم أو احتواء خصومه.
ومع تفاعل أزمتى القيادة والإدارة، تقلصت دائرة شرعية الرئيس، وأصبح سجين جماعته وتوجهاتها. وهكذا بدا المشهد وكأن مؤسسة الرئاسة، التى تعود المصريون على مركزيتها وقوتها، بوصفها كيانا ملحقا بجماعة الاخوان، فلم يكن فى مقدور الرئيس أن يقدم نفسه كقائد ورئيس إلا من خلال خلال خطابات مطولة مليئة بعبارات بلا مضمون، وبالتالى فتقلصت صورته كرئيس، وتفاقمت صورة تبعيته للجماعة. فالبنسبة لكثير من المصريين أن من تم عزله رجل الجماعة فى مؤسسة الرئاسة، وليس رئيس جمهورية مصر العربية.
أما فيما يتعلق “بكيف تم عزله؟” فلا يمكن إنكار أن الجيش وغيره من مؤسسات الدولة لعبت الدور الرئيسى فى عزله، وهو ما يوحى بأن الأمر يشكل انقلابا. ولكن من شارك فى أو شاهد مظاهرات 30 يونيو لا يمكنه أن ينكر، أن الجيش لم يكن فى مقدوره القيام بهذه الخطوة بدون تأييد شعبى واسع ومتنوع..وأركز هنا على التنوع لأن فشل الرئيس فى القيادة والإدارة، حركت مشاعر الغضب والاحباط لدى القطاع الأوسع من الشعب المصرى، فهناك من يرفض حكم الجماعة التى بدا واضحا أن هدفها امتلاك مفاصل السلطة، وهناك من تضرر بشكل بالغ من سوء الإدارة وتردى الأوضاع الأمنية والاجتماعية، فضلا عن أولئك الذين لم تروقهم كل التحولات التى حدثت منذ يناير 2011. وربما هذه الوضعية هى التى أربكت الموقف، هل هو ثورة ثانية؟ أم انقلاب؟ أم ببساطة مجرد سقوط حكم لم تتوافر لديه القدرة على إدارة البلاد.
والآن، فإن جماعة الإخوان المسلمين تنسى أو تتناسى أو لا ترى أصلا الأسباب الهيكلية التى أدت لعزل الرئيس، وتركز على طريقة عزله باسم أشياء تنكروا لها فكرا وممارسة أى الديمقراطية والدستور. ونقول لهم، يمكن أن نوافقكم، بشرط أن تحاكموا أنفسكم، فرئيس الدولة كان ضحيتكم مثلما كان ضحية قوى أخرى.. وفى كل الأحوا فإن الشعب لا يريد “ضحية” ولكن يريد “رئيسا”.