التجربة الدستورية الانتقالية في جنوب إفريقيا نشات من اجل القضاء على النظام العنصري والقيام بإعداد دستور جديد عام 1993 بناء على قو اعد ومبادئ دستورية مسبقة و حاكمه يتعين على السلطة التأسيسية أن تتوخاها في وضع الدستور. وذلك كله قد تم تحت نظر المحكمة الدستورية التي راقبت بالفعل تطابق نص المشروع الدستوري الجديد المقترح من السلطة التأسيسية مع المبادئ ألمسماه جوازا بالمبادئ فوق الدستورية وهي في الواقع مبادئ سابقة على وضع الدستور وتهدف توجيه عمل السلطة التأسيسية في الاتجاه الذي توخاه الشعب من خلال ثورته. و هنا يكمن الاختلاف الكلى عن تجربتنا نحن التى ادت بنا الد دستور خلافى و غير توافقى و يتضمن احكاما غير موجوده فى دستور دوله ديمقراطيه متحضره فى العالم ( مثل الفقره الثالثه من الماده ٨١ كاف للدلاله)
و قضي القاضى الدستورى فى جنوب افريقيا بالفعل بعدم مطابقة مشروع الدستور المعد من الجمعيه التاسيسيه للوثيقة الدستورية التى سبقته و التى كان يجب ان تتضمن بعض المبادئ الديمقراطيه الهامه المتفق عليها سلفا بين القوى السياسيه . و من ثم قضت المحكمة الدستورية بهدوء و بلا ادنى صراع بعدم دستورية المشروع المعد و الخالى من هذه المبادىء دون ان يتوجه الى المحكمة الدستوريه اى نقد و لم تحاصر و لم تنعت بانها فلول النظام العنصرى القديم
و عندما ادرجت الجمعيه التاسيسية هذه المبادئ فى المشروع قضت المحكمة بعد ذلك بموافقة المشروع لوثيقة المبادىء الموجهه للدستور . لعلنا هنا فى نقطة الاتصال بين السياسة و القانون او بين الواقع من ناحية و الواجب الملزم من ناحية اخرى.
على ان التجربة الإفريقية ليست الوحيدة من نوعها. ففي تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة مثل اخر يحتذي.
فقد نشا الدستور الفرنسى الصادر سنة 1958 من خلال عملية دستورية دقيقة تستدعى الانتباه. حيث كانت فرنسا محكومة بدستور الجمهورية الرابعة الصادر سنة 1946 والذي لا يسمح بتعديل دستوري إلا من خلال البرلمان وبموافقته حسب نص المادة 90 منه. ولما كان البرلمان هو السبب الرئيسي في الأزمة السياسية الحادة التي تعرضت لها فرنسا عقب حرب الجرائر عام 1954 وعامل من عوامل ضعف النظام السياسي وعدم استقرار الحكومة بسبب سحب الثقة من جميع الحكومات المتعاقبة فقد اشترط ديجول للعودة إلى السلطة في منصب الوزير الأول بدعوة من الرئيس رينيه كوتي، أن يقوم بتغيير مؤسسات الجمهورية الرابعة الضعيفة وعمل دستور جديد للبلاد لإعطائها المزيد من الاستقرار الدستوري والسياسي والتغلب على الأزمة التي تهيمن على البلاد.
وعلى ذلك شرع ديجول في تعديل المادة التي تفرض اشتراك البرلمان في إعداد مشروع الدستور الجديد بحيث تتم إجراءات وضع الدستور الجديد عن طريق الحكومة التي تقترح المشروع بعد دراسته فى وزارة العدل وفى داخل الإدارات الوزارية المتخصصة فنيا ثم تعرضه الحكومة على جمعية استشارية تأسيسية مكونة من خبراء معينين من خارج البرلمان. منهم قضاه بمجلس الدولة وخبراء في القانون.
وأسفر عمل اللجنة الاستشارية التأسيسية المشكلة من خبراء عن مشروع متكامل تمت الموافقة علية في مجلس الوزراء في 3 سبتمبر 1958 ووافق عليه الشعب في استفتاء دستوري بتاريخ 28 سبتمبر 1958. وتم العمل بالدستور الجديد وإصداره بتاريخ 4 أكتوبر 1958 و هو من احطث دساتير العالم على وجه الاطلاق نظرا لقدرته على التاقلم و حداثة الفكر الدستورى الذى انطوى عليه. صنعوه خبراء و ليس جهلاء. هذا هو الفرق الوحيد الذى يفسر جودة المنتج النهائى