سلطة فاشلة بائسة…انهيارها بات وشيكا
سألني محدثي-وهو من مؤسة الرئاسة-ما العمل في هذا الوضع المتفجر؟كيف يمكن استرضاء الأقباط؟…قلت: لا بديل سوي البحث عن الدولة وإحياء القانون, وإعمال العدالة…بئس الدولة التي تقف متفرجة علي ماحدث… عاجزة عن حماية مواطنيها, وجهازها الأمني الكئيب لا يملك سوي التحجيز المشين بين الجاني والضحية, تاركا الجريمة تأخذ مداها,بدون القبض علي كل المعتدين الأثمة,وتقديمهم للعدالة…فلتثق السلطة أن مخزون الغضب الشعبي بلغ حد الانفجار,وانهيارها بات وشيكا.
سلطة فاشلة بائسة…انهيارها بات وشيكا
سألني محدثي-وهو من مؤسة الرئاسة-ما العمل في هذا الوضع المتفجر؟كيف يمكن استرضاء الأقباط؟…قلت: لا بديل سوي البحث عن الدولة وإحياء القانون, وإعمال العدالة…بئس الدولة التي تقف متفرجة علي ماحدث… عاجزة عن حماية مواطنيها, وجهازها الأمني الكئيب لا يملك سوي التحجيز المشين بين الجاني والضحية, تاركا الجريمة تأخذ مداها,بدون القبض علي كل المعتدين الأثمة,وتقديمهم للعدالة…فلتثق السلطة أن مخزون الغضب الشعبي بلغ حد الانفجار,وانهيارها بات وشيكا.
————–
من الأمور المؤسفة التي أصيبت بها مصر بعد ثورة 25يناير استباحة التعريض بمؤسسة القضاء واجتراء العامة وغير المتخصصين علي مناقشة أحكامها والتعليق عليها-بل واستباق تلك الأحكام بفرض الرؤي السياسية عليها- ثم تباين ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض لكل حكم يصدر عن القضاء تبعا لمدي توافقه مع الرؤي المستبقة…ولا غرابة في ذلك الوضع البائس طالما أن الدولة نفسها اهتزت سيادتها وتنازلت عن دورها الأساسي في احترام الفصل بين السلطات واجترأت علي مؤسسة القضاء وعصفت بها وسمحت للدهماء بمحاصرة معاقل القضاء وتهديد القضاة وإرهابهم.
هذه الأوضاع الكارثية غير المسبوقة سوف يسجلها تاريخ ثورة25يناير ضمن غيرها من ملامح التدهور السياسي والأخلاقي التي صاحبت الثورة…لكن هذا التاريخ سوف يسجل أيضا أن السلطة القضائية المصرية بقيت شامخة أمام تلك الضربات ولم ترهب ولم يهتز ميزان العدالة في يديها, واستمرت تؤدي دورها في الذود عن الدستور والقانون غير عابئة بمن تطوله أو تنال منه أحكامها حتي وإن كان رئيس الجمهورية الجالس علي قمة هرم السلطة التنفيذية….ولعل أبلغ دليل علي ذلك ما يشغل مصر هذه الآونة من صدور حكم القضاء الإداري بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بالإطاحة بالنائب العام السابق المرشح من قبل مجلس القضاء الأعلي وتعيين النائب العام الحالي دون ترشيح مجلس القضاء الأعلي.
هذا الحكم التاريخي للقضاء الإداري ومن قبله أحكام المحكمة الدستورية العليا الساهرة علي الدستور ودستورية القوانين وغيرها من الأحكام التي صدرت وتستمر تصدر في القضايا ذات الطابع السياسي والاقتصادي يعرفها الرأي العام وينقلها في حينها الإعلام ويتعايش مع تداعياتها الكافة…لكن يظل هناك الكثير من القضاياالمسكوت عنهاوالتي ينظرها هذا القضاء الشامخ العادل ويصدر فيها أحكامه التي قد يعرف بها الرأي العام أو قد لايعرف,وتبقي تلك الأحكام والحيثيات التي صدرت بناء عليها علامة مضيئة تشهد علي شموخ وعدالة القضاء المصري لايدركها إلا الفاحص لها….وقد صورت نماذج لهذه الأحكام في الفترة الأخيرة أجدني مبهورا بها ومدفوعا لمشاركة القارئ فيها.
أول هذه النماذج التي سأعرضها تباعا كان حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة الصادر في 2013/2/26 في الدعوي رقم 7635 لسنة 60 قضائية والمقامة من الأستاذ م.ب المحامي ضد رئيس الجمهورية بصفته مطالبا بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 291 لسنة2005,وهو القرار الذي أصدره الرئيس السابق حسني مبارك بتفويض المحافظين كل في دائرة اختصاصه في الترخيص للطوائف الدينية المسيحية بهدم كنيسة وبإقامة كنيسة محلها أو إجراء تعديلات أو توسعات في كنيسة قائمة,وحدد القرار المطعون عليه كيفية البت في طلبات الترخيص كما نص علي أن يكون التقديم بموجب إخطار كتابي من مسئول الكنيسة إلي الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم في كل محافظة…وبني الطعن علي أساس أن القرار مخالف للدستور والقانون لأنه لا يستند إلي قانون قائم يعطي رئيس الجمهورية الحق في إصدار قرارات تخص بناء وترميم الكنائس إذ هي منوطة بالجهة الإدارية القائمة علي شئون التنظيم,علاوة علي أن القرار المطعون عليه يقيد حرية بعض المواطنين في ترميم دور عبادتهم بينما لاتوجد مثل هذه القيود علي باقي المواطنين, الأمر الذي يعد إخلالا بمبدأ المساواة ويخالف مبدأ حرية العقيدة.
وقامت المحكمة المشار إليها-محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة-بنظر الدعوي وأصدرت حكمها بقبول الطعن وإلغاء قرار رئيس الجمهورية المطعون عليه والذي وصفه الحكم بأنه…صدر معيبا بالعيوب المشار إليها ويتعين الحكم بإلغائه مع ما يترتب علي ذلك من آثار…لكن كما أشرت سابقا هناك من الحيثيات المهمة ما يستوجب إلقاء الضوء عليه لبيان كيف استقرت عقيدة المحكمة علي هذا الحكم ومنها مايلي:
00دور العبادة لغير المسلمين تخضع لنوعين من التراخيص:الأول الترخيص بالبناء أو التعلية أو الترميم أو التدعيم أو الهدم وإعادة الإنشاء,وهذا النوع من التراخيص المرجع فيه يكون للقوانين التي تنظم البناء وكل ما يتصل به من أعمال….والنوع الثاني الترخيص المتعلق بالنشاط أو الغرض الذي يستغل فيه المبني كدار عبادة تقام فيها الشعائر الدينية,وهذا الترخيص يتعين أن يصدر بقرار من رئيس الدولة وفقا لأحكام الخط الهمايوني الذي لم يصدر أي قانون لاحق له يحل محله.
00حيث إن النوع الأول من التراخيص هو من اختصاص جهة الإدارة المختصة بتنظم أعمال البناء,وحيث إن المشرع لم يسند في هذا الخصوص أي اختصاص لرئيس الجمهورية في الترخيص بهدم المباني وإعادة بنائها أو في تعديلها أو توسيعها فمن ثم فإن رئيس الجمهورية لايكون مختصا بذلك ولايملك تفويض غيره في هذه الأعمال ويكون تفويضه المحافظين في الترخيص بتلك الأعمال قد صدر مخالفا للقانون ولقواعد التفويض في الاختصاصات الإدارية.
00وحيث إن النوع الثاني من التراخيص وهو الخاص بمزاولة النشاط -نشاط العبادة وممارسة الشعائر الدينية في الكنائس-والذي يصدر عن رئيس الجمهورية يتعلق بالكنائس الجديدة فلا حاجة لصدوره مجددا للكنائس القائمة المرخص بها فعلا إذا جرت بها أعمال هدم وإعادة بناء أو تعلية أو توسعات أو ترميم أو تدعيم.
00رئيس الجمهورية بما قرره في المادة الثانية من القرار المطعون عليه من أي يكون تقديم الطلب في حالات ترميم أو تدعيم الكنائس القائمة بموجب إخطار كتابي من مسئول الكنيسة إلي الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم,يكون قد خالف أحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء باستحداث أحكام جديدة,واغتصب سلطة المشرع في هذا الشأن دون سند من الدستور.
000هذا نموذج يشهد علي عدالة وشموخ القضاء المصري وهو يتصدي لتغول سلطة رئيس الجمهورية ويحكم بإلغاء قرار صدر عن الرئيس طالما قيل لنا إنه من أعمال السيادة…وإلي اللقاء حول نموذج آخر في هذا السياق.