[email protected]
انتابت البلاد خلال الفترة الماضية حالة من الاضطربات والفوضي روعت أمن المواطنين علي كافة طوائفهم. عانت جموع المواطنين من حالة الترويع التي صاحبت فتح السجون وانتشار البلطجة وسطوة الخارجين علي القانون.
كنا نتوقع عودة قوات الشرطة سريعا إلي الشارع المصري مع مؤازرة من القوات المسلحة لإعادة الانضباط, لكن خابت الآمال.. بدأت الأحداث تأخذ منعطفا غير مفهوم وغير مبرر. الهجوم علي مركز للشرطة في رفح, والاعتداء علي بعض أفراد القوات النظامية علي الحدود, ثم الهجوم علي كنيسة مارجرجس وتدميرها في شمال سيناء. لتتوالي الأحداث ويتم الهجوم علي دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون, حيث استعملت القوات المسلحة لأول مرة الذخيرة الحية منذ بدء الأحداث, ويستمر الهجوم علي مراكز الشرطة وعلي أفرادها لتأخذ الأحداث منحدرا آخر أشد خطورة ودلالة حيث كان الهجوم المنظم والمتزامن علي مراكز ومنشآت ومباني جهاز أمن الدولة واقتحامها في وجود قوات من الجيش والمطالبة بحل الجهاز ومحاكمة أفراده – والذي أعلن عن حله فعلا في 15مارس.
وفي هذا الخضم الهائل من الأحداث المؤسفة أتي الهجوم السافر غير المبرر علي كنيسة الشهيدين بقرية صول مركز أطفيح بمحافظة حلوان وحرقها وتدميرها, في وجود قوات الجيش التي استمرت في ممارسة أقصي درجات ضبط النفس! واستمر الهجوم ليشمل بعض منازل الأقباط والاعتداء عليهم والمطالبة بتهجيرهم خارج القرية. كانت هناك بعض المطالبات بإعادة بناء الكنيسة في موقع آخر! إن هذا المطلب أو حتي مجرد التفكير فيه له مخاطره الاجتماعية والطائفية والأمنية والوطنية الخطيرة لما يتضمنه من فكر متطرف مرفوض وتصنيف عرقي غير مقبول. إن المحرضين علي جريمة قرية صول ومرتكبيها يأملون في الإفلات من العقاب – كما حدث مع أقرانهم في حوادث طائفية إجرامية مماثلة علي مدي السنوات الأربعين الماضية أفلتوا فيها من العقاب بمساعدة بعض أجهزة الدولة والمسؤلين – متناسين أننا الآن في عصر جديد اندلعت بعد هذه الأحداث تجمعات واعتصامات من بعض المسيحيين ومعهم المسلمون المتعاطفون مع مطالبهم الشرعية أمام مبني التليفزيون ليطالبوا برفع المظالم المزمنة وعودة بعض الحقوق المهدرة.
وعلي صعيد هذه الأحداث ومع تاريخ طويل من الإهمال الحكومي والتعنت والظلم والجبروت للدولة ضد سكان منشأة ناصر كانت ليلة الأربعاء 9 مارس الدامية التي سقط فيها عشرات الجرحي والقتلي نتيجة اشتباكات بين المواطنين ومحاولة الجيش السيطرة علي الموقف المتردي. لم تنل هذه الأحداث التغطية الإعلامية المناسبة من بعض القنوات الفضائية, لكن أوجه تحية إلي التليفزيون المصري في توجهه الجديد والتغطية المحايدة المكثفة للأحداث.
ليتذكر المطالبون ببناء الكنائس المعتدي عليها في غير مواقعها القائمة أو بترهيب المواطنين لإجبارهم علي الرحيل أن الكنيسة ليست كنيسة الأقباط فقط ولا المسجد مسجد المسلمين فقط. إنما المساجد والكنائس ملك لله ولنا جميعا وبيوت عبادة للمصريين وملاذ لنا في وقت الشدة وأن مسؤلية حمايتها هي مسؤلية الدولة والمواطنين جميعا.
خشينا وحذرنا منذ اندلاع الثورة من المخاوف من خطورة الانجراف في المطالب الثورية أو الانزلاق في فتنة بين طوائف الشعب. إن علينا ألا نتناسي أن هناك من الجماعات والأفراد والمنظمات والهيئات والأحزاب من يتربص بها ويتآمر عليها ويخطط للاستيلاء علي المكاسب التي حققتها ليجنوا هم ثمارها لأغراضهم وأطماعهم الشخصية ضاربين بأمل الوطن والمواطنين عرض الحائط. فهل تم فعلا الاستيلاء علي الثورة؟ قامت الثورة ولستمرت أسابيع بدون تواجد أمني, تكاتف خلالها كل أفراد الشعب لإنجاحها ولم يحدث خلالها أي اعتداء طائفي من أي نوع, واستبشرنا خيرا. ولكن الأحداث المتتالية في الأيام الماضية وضعتنا في موقف المندهش المتسائل: هل هناك من عاد ليعبث بهذا الملف الحساس لمصلحة بعض القوي السياسية الداخلية أو الخارجية؟ ما هذه التغطية الإعلامية المكثفة لبعض المفرج عنهم حديثا والمدانين في قضايا جنائية والتي أثارت تصريحاتهم كثيرا من القلق؟ وهل إذا استفحلت الأمور أكثر من هذا, وازداد الانفلات الأمني والترهيب الفكري هل سيستدعي هذا تدخلا عنيفا للسلطة العسكرية وتنفيذا فعالا للأحكام العرفية المعلنة فعلا وما يستتبع ذلك من إجراءات؟
ونحن في انتظار ما ستسفر عنه نتيجة الاستفتاء علي تعديل بعض مواد الدستور لابد أن نقر بأن القرارات الحاسمة والإجراءات الرادعة في الأسبوع الماضي كانت بادرة أمل للجميع تبشر بأن علي رأس أولويات المجلس الأعلي للقوات المسلحة والحكومة السعي الجاد لعودة الأمن والأمان والاستقرار إلي الشارع. ليوفق الله جميع القوي المصرية السياسية الوطنية المخلصة للاتحاد معا لبناء وطن مدني يقوم علي أساس المواطنة. لنلحق بركب المجتمع العالمي الذي تأخرنا عنه كثيرا.