بعد ثورة 14 يناير في تونس, و25 يناير في مصر, و17 فبراير في ليبيا, وظهور احتجاجات واسعة في اليمن والبحرين والجزائر وحتي سوريا والسعودية, ساد تفاؤل واسع في الاوساط العربية والدولية حول نهاية ## الأستثناء العربي## فيما يتعلق بالديموقراطية علي أعتبار أن الموجة الخامسة للديموقراطية انطلقت من المنطقة العربية وأن ربيع الديموقراطية أينع في المنطقة , بل وصل التفاؤل بالبعض باعتبار أن القرن الثامن عشر كان قرن الثورة الأمريكية والفرنسية, والقرن العشرون قرن الثورة الروسية والصينية أما القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الثورة العربية.
لكن هذا التفاؤل بدأ يتراجع تدريجيا لتحل محله مخاوف مشروعة وهي:
اولا:الخوف من أن يوقف القذافي ربيع الديموقراطية العربية بأستخدامه المفرط للقوة ضد الشعب الليبي.
ثانيا:الخوف من أنهيارالنظام البحريني المعتدل سيعزز النفوذ الإيراني في المنطقة.
ثالثا: الخوف من سيطرة الإسلام الجهادي علي الجزء الشرقي من ليبيا.
رابعا: الخوف من الفوضي والانقسامات في اليمن وأن تتحول إلي صومال أخري وموطن رئيسي للتنظيمات الجهادية.
خامسا: الخوف من سيطرة الأخوان والقوي الإسلامية الأخري علي مصر, لتقود بدورها أسلمة الشرق الأوسط كله.
سادسا: الخوف من أستمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة بما يؤثر بدوره علي الاقتصاد العالمي بالسلب.
النموذج المصري الملهم
في تقديري أن النموذج المصري سيكون حاسما في تحديد شكل الشرق الأوسط الجديد,وكما كان انقلاب يوليو العسكري عام 1952 مؤثرا في دول المنطقة وانتج أنظمة عسكرية مشابهة للنظام المصري سميت ( أخوات يوليو السبعة) وهم ليبيا, واليمن, والسودان, والجزائر, والعراق, وسورية,ومنظمة التحرير الفلسطينية,وجمع معظم العرب حول مفهوم القومية العربية, فإن الشكل الذي سيستقر عليه النظام المصري بعد ثورة 25 يناير سيكون مؤثرا في المنطقة العربية برمتها.
رغم سلمية الثورة المصرية, ورغم ابتعادها عن الشعارات الإسلامية, ورغم أن المخططين والمنفذين لها منذ البداية كانوا من الشباب الواعي والراغب في القضاء علي الفساد والاستبداد وإسقاط النظام وتفكيك مؤسساته لصالح دولة مدنية ديموقراطية تعيد بناء مؤسساتها بشكل صحيح , إلا أن العديد من المؤشرات السلبية بدأت في الظهور:
* الظهور الواسع للتيارات الإسلامية السلفية والجهادية بالإضافة إلي الإخوان المسلمين, والإعلان عن رغبتهم للمشاركة في العملية السياسية علي أرضية الدولة الإسلامية, وتهديدهم القوي لمن يقترب من المادة الثانية من الدستور التي تتعلق بالشريعة.
* الضغوط التي مارستها بعض الدول العربية علي مصر, وعلي رأسها السعودية والكويت لوقف محاكمة مبارك, والتهديد بسحب الاستثمارات العربية وطرد العمالة المصرية لديها إذا تمت محاكمته.
* الخوف من تدخل الدول العربية لعرقلة النموذج المصري للديموقراطية كما حدث في العراق.
* الشكوك في عودة الإخوان المسلمين لقد الصفقات في الخفاء, بعيدا عن الحوار المجتمعي, ولصالح أهداف الإخوان.
* الخوف من حدوث اضطرابات اجتماعية وطائفية في ظل غياب الأمن والتدهور المتسارع في الوضع الاقتصادي.
والسؤال ما هو مستقبل مصر؟
في تقديري أن مصر ستتخبط في السنوات الأولي كما حدث في أغلب الثورات الكبري , ولكن في الأجل المتوسط,أي بعد عدة سنوات من الآن ستسلك إحدي الطريقين, إما طريق النظام الإسلامي الحالي في تركيا وهو يتخذ طريق الأسلمة خطوة خطوة بذكاء شديد محاولا التهام المؤسسات العلمانية بالتدريج, أو ستسلك مصر طريق النموذج الباكستاني, أي تبادل المصالح والأدوار وكراسي السلطة بين العسكريين والإسلاميين. ورغم أن كلا من النموذج التركي الحالي والنموذج الباكستاني يطلق عليه ديموقراطية, إلا أن كليهما أبعد ما يكون عن النموذج الغربي في الديموقراطية والذي يهتم بالحريات قبل صناديق الانتخابات.
نموذج الحكم القادم في مصر سيؤثر بلا شك علي شكل الشرق الأوسط برمته وبالتالي علي العالم كله, ودور الأقباط والعلمانيين سيؤثر علي شكل النظام المصري القادم.. وهذا بدوره يضع المسئولية علي الغرب لتقوية وضع الأقباط والعلمانيين وبناء تحالف بينهم يخدم الدولة المدنية.