قابل الكثيرون من دعاة الدولة المدنية أختيار المستشار طارق البشري لرئاسة لجنة التعديلات الدستورية بكثير من الخوف والارتياب,ليس شكا في كفاءة أو نزاهة المستشار البشري ولكن شكا في حياده, فاللجنة لا تتمتع بتوافق وطني حسب تعبير المستشارة القاضية تهاني الجبالي ,كما أن المستشار طارق البشري هو أحد المنظرين الكبار في كتاباته المتعددة للدولة الدينية في مصر, وهو يعادي صراحة الدولة المدنية لدرجة رفضه لشعار ## الدين لله والوطن للجميع## الذي صاغته ثورة 1919 العظيمة ومن ثم لمفهوم الجماعة الوطنية الذي انبثق عن هذه الثورة.
ولكن خفف من مخاوفنا بعض الشئ أن التكليفات تخص 6 مواد محددة لا تتناول العلاقة بين الدين والدولة في الدستور, وكنا نأمل ألا تكون هناك مفاجآت في هذه التعديلات لكن للأسف جاءت التعديلات مشوهة ولا تعكس رؤية شباب الثورة, وتجاوزت اللجنة الصلاحيات المكلفة بها.
جاءت الصدمة الأولي بالمادة 75 ##التي تتعلق بالشروط التي يجب أن تتوافر في المرشح لرئاسة الجمهورية, والتي توجب بأن يكون مصري الجنسية ومن أبويين مصريين, أضيف إليها ##ألا يكون هو أو أحد والديه حاصلا علي جنسية أجنبية, وألا يكون متزوجا من أجنبية, وألا يقل سنه عن 40 سنة## .
ومما يؤسف له أن هذه الإضافة منقولة من مادة معيبة في قانون السلك الدبلوماسي فرضتها الجهات الأمنية, وهي مادة مطعون في دستوريتها وتتنافي مع مفهوم المواطنة الحديث ومع المواثيق الدولية الداعمة لهذا المفهوم, كما أن هذه المادة تشكك في ولاء مئات الآلاف من المصريين النابغين في مصر والخارج والمتزوجين من غير مصريات, وتحرم شخصيات مرموقة من الترشيح للرئاسة.
يضاف إلي ذلك أن الشروط المانعة لمزدوجي الجنسية هي معيبة وتنطلق من أفق وخيال وطني محدود في وقت يزيد فيه مزدوجي الجنسية في العالم عن 200 مليون شخص ويقدر بأنها سترتفع إلي 400 مليون شخص في عام 2050 حسب تقديرات الأمم المتحدة. وهناك أكثر من اربعة ملايين مصري يحملون الجنسيات المزدوجة, وهم من أفضل العناصر المصرية, والتضييق عليهم بهذا الشكل اتجاه غير وطني.
التعديلات ترتب أن تكون الانتخابات التشريعية قبل الأنتخابات الرئاسية, وهذا عكس ما يطالب به جموع المثقفين وما أثير من مجموعة من الشخصيات المصرية في لقائها مع المجلس العسكري, فالكل يعلم أن الأحزاب السياسية والمستقلين لم يسمح لهم بممارسة السياسة بالمعني الحقيقي أو الاتصال بالجماهير طوال عهد مبارك, ولم يكن هذا متاحا سوي للحزب الوطني فوق الأرض وللاخوان المسلمين تحت الأرض, فالمجلس النيابي من المفترض أنه يعكس صورة حقيقية لرغبات الشعب ولو تم الإستعجال في الانتخابات النيابية بدون فترة كافية لا تقل عن سنة لممارسة العمل السياسي تحت قانون أحزاب يختلف عن القانون البائس الحالي, وفي جو من الحريات الإعلامية والحياد من قبل الإعلام الرسمي فسيكون المجلس مفتقرا إلي التمثيل المتوازن.
هذا المجلس هو بدوره الذي سينتخب لجنة كتابة الدستور القادم , وسيصدر أخطر القوانيين في تاريخ مصر الحديث وعدم الذهاب إلي التصويت معناه تمريرها بأصوات الأقلية… لكل هذا أدعو جميع المصريين وثوار 25 يناير ونساء مصر وأقباطها للذهاب يوم 19 مارس وبالتصويت بلا كبيرة علي هذه التعديلات المشوهة حتي تسقط ويعاد كتابتها بشكل يعبر عن روح الثورة وعن مصر الجديدة القادمة.
[email protected]