في الثالث من أغسطس الحالي, قام جنود ##القوات المسلحة اللبنانية## بإطلاق النار علي وحدة تابعة لـ ##جيش الدفاع الإسرائيلي## كانت تقوم بقطع شجرة بالقرب من سور الأمن الحدودي. وقد أدي القتال الناجم عن تلك الحادثة إلي مقتل مسئول كبير في ##جيش الدفاع الإسرائيلي## وجنديين لبنانيين وصحفي لبناني, مما يجعل هذا التصادم – الاشتباك العسكري الأكثر حدة وكثافة في شمال إسرائيل منذ حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله.
يتزامن تصاعد التوتر علي الحدود مع زيادة المخاوف بشأن عودة لبنان المحتملة إلي العنف الطائفي. وعلي خلفية التقارير التي تفيد بأن المحكمة الدولية التي تقوم بالتحقيق في جريمة قتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005 سوف تتهم مسئولي حزب الله في وقت قريب بمسئولية الاغتيال, أدت تلك المخاوف إلي قيام العاهل السعودي الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد بزيارة مشتركة غير مسبوقة إلي بيروت في نهاية الشهر الماضي. وقد أشاد نجل رفيق الحريري ورئيس الوزراء الحالي سعد الحريري بالزيارة قائلا إنها ##تجلب استقرارا كبيرا للبلاد##.
وعلي الرغم من هذا الإعلان المتفائل, لا تزال التوترات مرتفعة بسبب تسخين الموقف علي الحدود واتهامات الاغتيال المعلقة. كما أن إيران — الداعم الرئيسي لـ حزب الله وحليف سوريا والمنافس الإقليمي للمملكة العربية السعودية – تقبع في الخلفية.
الروايات بشأن الاشتباك
ظهرت تقارير متضاربة بشأن المناوشات علي الحدود. فإسرائيل قالت إنها أخطرت ##قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان## (##اليونيفيل##) بنيتها في إزالة الشجرة. وتقع تلك الشجرة خارج السياج الأمني لإسرائيل بالقرب من قرية ميسجاف عام, ومع ذلك, كانت الشجرة علي الجانب الإسرائيلي من ##الخط الأزرق## المعترف به دوليا, والذي يمثل الحدود بين إسرائيل ولبنان. وعندما بدأت إسرائيل بإزالة الشجرة بعد عدة ساعات من تقديم الطلب, دعت القوات اللبنانية القوات الإسرائيلية إلي الانسحاب. وعندما رفضت هذه الأخيرة ذلك الطلب, قام القناصون اللبنانيون بإطلاق النيران, مما أسفر عن مقتل قائد الكتيبة المقدم دوف هراري, الذي كان يقف علي بعد 200 ياردة داخل الأراضي الإسرائيلية. وقد ردت إسرائيل علي الحادث بإطلاق نيران من أسلحة خفيفة أعقبها هجوم بمروحية علي مركز قيادة الكتيبة في الطيبة, مما أدي إلي مقتل جنديين لبنانيين وصحفي من جريدة ##الخبر## المؤيدة لـ حزب الله.
وتزعم لبنان أنها طلبت من إسرائيل تأخير عملية الإزالة لمدة أربع وعشرين ساعة. ووفقا لبيروت, عندما بدأ المسئولون الإسرائيليون إزالة الشجرة بعد ثلاث ساعات, صرخت القوات اللبنانية عليهم لكي يتوقفوا وقامت بإطلاق طلقات تحذيرية, وردت عليها القوات الإسرائيلية بإطلاق نيران الأسلحة الخفيفة والمدفعية.
وتقوم ##اليونيفيل## وقوات ##جيش الدفاع الإسرائيلي## حاليا بالتحقيق في الحادث. وأكد التحقيق الرسمي حتي الآن, بأن إسرائيل نسقت عملية إزالة الشجرة مسبقا مع مسئولي ##اليونيفيل##, الذين قاموا بتمرير تلك المعلومات إلي ##القوات المسلحة اللبنانية##. كما أكدت ##اليونيفيل## أن الحادث وقع علي أراض إسرائيلية داخل الخط الأزرق. وفي غضون ذلك, حثت الولايات المتحدة كلا الجانبين علي ممارسة ##أقصي درجات ضبط النفس لتجنب التصعيد والالتزام بوقف إطلاق النار الساري المفعول حاليا##.
وعلي الرغم من أن الحادث هو أخطر اشتباك وقع بين إسرائيل ولبنان منذ حرب عام 2006, إلا أنه ليس بدون سابقة. ففي عام 2007 قامت ##القوات المسلحة اللبنانية## بإطلاق النار علي جرافة تابعة لـ ##جيش الدفاع الإسرائيلي## كانت قد عبرت السياج الأمني لإزالة حطام جنوب الخط الأزرق. وقد جري التنسيق مسبقا لتلك العملية مع ##اليونيفيل##, لكن ##القوات المسلحة اللبنانية## رفضتها, وقامت بإطلاق طلقات تحذيرية علي الجرافة, وردت إسرائيل بإطلاقها قذيفة واحدة من إحدي الدبابات. ومسبقا, لقي جندي إسرائيلي حتفه علي امتداد نفس الطريق في عام 2003, ويقال إنه قتل علي يد قناص تابع لـ حزب الله.
ويأتي هذا الحادث وسط توترات متصاعدة وحرب كلامية بين إسرائيل وحزب الله ودمشق حول قيام سوريا بنقل صواريخ ##سكود## وصواريخ ##إم ##600 بعيدة المدي إلي حزب الله. كما أن الأحداث في لبنان المتعلقة بمحكمة الحريري والنفوذ المتنامي لـ حزب الله, لم تؤد سوي إلي إشعال حدة هذه التوترات.
المحكمة قد تؤدي إلي إراقة الدماء
في أعقاب اغتيال الحريري في فبراير 2005 أنشأت الأمم المتحدة ##لجنة تحقيق دولية مستقلة##, سرعان ما ورطت سوريا في عملية الاغتيال. إلا أن اللجنة وذراعها الادعائي, ##المحكمة الخاصة للبنان##, وجهتا تركيزهما مؤخرا علي دور حزب الله المزعوم. فقد أكدت تقارير إعلامية عديدة منذ عام 2009 ضلوع المنظمة في الاغتيال, وقيام بعض المصادر بتوريط أحد كبار مسئولي حزب الله مصطفي بدر الدين, سلف القائد الرفيع السابق عماد مغنية. وتؤكد التقارير الأخيرة أنه سيتم توجيه التهمة إلي ما بين اثنين إلي ستة من أعضاء حزب الله هذا العام.
إن احتمال قيام ##المحكمة الخاصة للبنان## باتهام مسلمين شيعة باغتيال زعيم الطائفة السنية في لبنان أدت إلي إثارة مخاوف من عودة العنف الطائفي. وفي الواقع, وبالنظر إلي توقعات توجيه الإتهام, ليس من الصعب تخيل قيام أعمال انتقام من قبل السنة ضد أهداف شيعية علي غرار ما حدث في تفجير مسجد سامراء عام 2006 في العراق, مما أثار موجة من إراقة الدماء. وكما يبدو, أن احتمالية اندلاع مثل هذا القتال — والذي ستكون فيه للشيعة بقيادة حزب الله اليد العليا ضد حلفاء المملكة العربية من السنة في لبنان — قد دفعت الملك عبد الله إلي التدخل.
وعلي الرغم من أن الأسد رافق الملك عبد الله, كانت حسابات سوريا من وراء تلك الزيارة مختلفة بدون شك, حيث تري دمشق أن زيادة التوتر داخل حدود جارتها يعد فرصة لإعادة ترسيخ نفسها كوصي علي استقرار لبنان — وهو وضع يذعن له العديد في المنطقة, إن لم يكن في واشنطن ذاتها. وقد وصف الأسد زيارته بأنها ##ممتازة##; وفي خطاب له في الاحتفالات بعيد الجيش السوري بعد بضعة أيام من انتهاء تلك الزيارة, قال ##إن شبح السلام في المنطقة آخذ في التبدد, كما أن احتمال نشوب حرب آخذ في التزايد##.
ويجب ذكر قطر كجهة فاعلة خارجية أخري محتملة, والتي غالبا ما تبدو بأنها تمارس ألعابا دبلوماسية متعمدة ضد المملكة العربية السعودية. فعلي سبيل المثال, قام الزعيم القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة إلي جنوب لبنان في نهاية الشهر الماضي.
هجوم حزب الله الاستباقي؟
في 22 يوليو عقد الأمين العام لـ حزب الله حسن نصر الله مؤتمرا صحفيا ردا علي شائعات مفادها أن هناك لوائح اتهام معلقة ضد أعضاء من الحزب. ووفقا لما قاله, هناك ##مخطط كبير## كان ##يستهدف المقاومة ولبنان والمنطقة## من خلال ##المحكمة الخاصة للبنان##. فقد زعم أن التحقيقات التي دامت خمس سنوات لم تكن متحيزة سياسيا فحسب, بل إنها ##جلبت شهود زور معها## ولم تنظر قط في احتمال تنفيذ عملية الاغتيال من قبل إسرائيل, التي لديها ##الدافع والإمكانيات والسيطرة والمصلحة## لقتل الحريري.
كان تورط إسرائيل المزعوم في عملية الاغتيال محل تركيز ملاحظات نصر الله في الأشهر الأخيرة, حيث سعي إلي التقويض من ##المحكمة الخاصة للبنان## وإبعاد الضغط عن حزب الله. فعلي سبيل المثال, في خطاب ألقاه بتاريخ 16 يوليو, وصف ##المحكمة الخاصة للبنان## علي أنها ##مشروع إسرائيلي## يستهدف المقاومة ويخلق انقسامات داخلية في لبنان من خلال افتعال ارتباط حزب الله بحادث الاغتيال.
ووفقا لمصادر في ##المحكمة الخاصة للبنان##, سوف يشكل تحليل الاتصالات المتقدم للغاية الأساس للوائح الإتهام المستقبلية. ومما لا يدعو للدهشة أن نصر الله بدأ يركز علي مصداقية هذه البيانات, والتي يقول إنه جري التلاعب بها من قبل جواسيس إسرائيليين في نظام الاتصالات اللبناني. وخلال العام الماضي, ألقي القبض علي ما يزيد علي سبعين جاسوسا إسرائيليا مزعوما في لبنان, من بينهم خمسة من كبار المسئولين في شركات اتصالات لبنانية, كان آخرهم فني في شركة ##ألفا##, التي تزود خدمات الهواتف الجوالة.
إن اتهامات نصر الله موجهة لإثارة الشكوك حول بعض الأدلة الفنية الأكثر إقناعا التي تستند عليها ##المحكمة الخاصة للبنان##. ورغم أن مزاعم حزب الله قد لا تثني المحكمة عن المضي قدما في إصدار لوائح الاتهام, إلا أنها تستطيع تقويض الدعم الداخلي للعملية.
المشهد المتوقع
يبدو, علي المدي القصير علي الأقل, أن السلام قد عاد إلي المنطقة. ويعتبر هذا الحادث بأنه قد انتهي, كما أن قوات ##جيش الدفاع الإسرائيلي## قد عادت إلي عملياتها الطبيعية علي الحدود. لكن لن يكون هناك شعور بأن ##الوضع كالمعتاد##; فمن وجهة نظر الجيش الإسرائيلي أثبتت ##القوات المسلحة اللبنانية## أو علي الأقل وحداتها المحلية أنه لا يمكن التنبؤ بأفعالها.
ستكون إسرائيل جاهزة للرد بقوة مفرطة في حالة وقوع أي حوادث إضافية. فعند اتمامها لعملية تطهير الأدغال في الرابع من أغسطس الحالي, قام ##جيش الدفاع الإسرائيلي## بنشر قوات مدرعة وقوات مشاة قوية – لتغطية الإجراء الذي قام به – لكي تعمل كرادع لأي إجراء إضافي من جانب ##القوات المسلحة اللبنانية## وكإشارة عما يمكن أن يحدث في حالة وقوع حادث آخر.
ومن بين التعقيدات المحتملة للولايات المتحدة قيامها بتزويد ##القوات المسلحة اللبنانية## بمعدات أمريكية. ويمكن أن تتعرض الإمدادات المستقبلية للخطر إذا ثبت, علي سبيل المثال, أن ##القوات المسلحة اللبنانية## تعمل بشكل وثيق مع حزب الله.
وعلي أية حال, يثبت التاريخ أن الأحداث تقع بسرعة علي الحدود. فكما في عام 2006, تفاقم نشاط روتيني إلي اشتباك خطير, رغم أن التصعيد في هذه الحالة كان خاضعا للسيطرة. ومع ذلك كان من الممكن أن يتطور الوضع بشكل مختلف جدا لو أن حزب الله شارك بشكل مباشر, أو لو تعرضت قوات ##جيش الدفاع الإسرائيلي## لمزيد من الخسائر, أو لو لم تقم ##القوات المسلحة اللبنانية## بالتراجع.
يجب أيضا وضع هذا الحادث في سياق زيادة التوترات السياسية داخل لبنان والاحتمال المتزايد لنشوب صراع بين حزب الله وإسرائيل. ورغم أن الوضع اتسم بالهدوء النسبي خلال الأربع سنوات الماضية, إلا أن الحدود أصبحت مكانا خطيرا بشكل متزايد.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزجين ومدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن. أندرو جيه. تابلر هو زميل الجيل التالي في معهد واشنطن. جيفري وايت هو زميل للشئون الدفاعية في المعهد.
معهد واشنطن