يتفق معظم خبراء المال والاقتصاد علي أن الاقتصاد المصري تعرض لهزة كبيرة عقب أحداث 25 يناير ولايزال يعاني من تبعاتها. ولعل السؤال الذي يتردد علي ألسنة الكثيرين من عامة الناس يدور حول مستقبل هذا الاقتصاد وما إذا كان في طريقه إلي التحسن أم سيتعرض لمزيد من الصدمات. هذا السؤال وغيره من التساؤلات التي تشغل بال المصريين حول اقتصاد بلدهم تنبهت له عقول المفكرين والخبراء القائمين علي المركز المصري للدراسات الاقتصادية فسارعوا بتنظيم حلقة نقاشية موسعة لتدارس كافة القضايا المتعلقة بالاقتصاد المصري تحت عنوان: آفاق الاقتصاد المصري في الأجلين القريب والمتوسط أدارتها د. ماجدة قنديل المديرة التنفيذية للمركز وتحدث فيها وزير المالية د. سمير رضوان مع نخبة من الخبراء حول أولويات مصر الاقتصادية وكيفية معالجة أوجه الخلل التي يعاني منها الاقتصاد حاليا.
تحدث د. سمير رضوان وزير المالية بما هو معروف عنه من شفافية وصراحة في الحديث عن فرص مصر المستقبلية في الانضمام إلي الاقتصادات الناشئة, مؤكدا أن الأسس الاقتصادية لمصر سليمة رغم كل الأحداث التي مرت بها البلاد في الأوانة الأخيرة, مشيرا إلي ثلاث مشكلات كانت تواجه مصر من خلال التقارير الدولية والخاصة بالتنافسية ألا وهي صعوبة إصدار التراخيص, وعدم وجود تشريع واضح للإفلاس أو الخروج من السوق, كذلك سوء توزيع ثمار التنمية مما فجر الثورة تعبيرا عن اتساع معدلات البطالة وغياب العدالة الاجتماعية, وأضاف قائلا: هناك 20% فقراء و 20% أيضا يقتربون من الفقر, لذلك فإن أفضل وسيلة للنهوض بهؤلاء وللحفاظ علي معدلات النمو التي سبق وأن تحققت من قبل هو خلق وظائف والحصول علي أكبر قدر من التمويل والمنح سواء من دول مجلس التعاون الخليجي أو صندوق النقد والبنك الدولين, كما أنه لدينا رؤية ترتكن إلي ثلاثة أعمدة تتمثل في الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة مثلما فعلت ماليزيا وبالشكل الذي يتناسب مع أوضاعنا, وكذلك تحسين قدرتنا علي التفاوض الخارجي ومنها مسألة تصدير الغاز بسعر تنافسي لأن ذلك يزيد من مواردنا النقدية, بالإضافة إلي التفكير في إقامة مشروعات وطنية ضخمة كما كان في الماضي مثل المشروعات التي أقامها محمد علي مرورا بمشروع قناةالسويس وغيرها بحيث تعمل علي استيعاب طاقتنا وإمكاناتنا, مشيرا إلي مشروع ممر التنمية والذي يتم الرجوع حاليا إلي الدراسات المهمة بشأنه والتي أعدتها وزارة التنمية الاقتصادية في الماضي.
أكد الوزير رضوان كذلك دور القطاع الخاص في الفترة المقبلة في القيام بعملية التنمية, وعدم منافسة الحكومة للقطاع الخاص, مؤكدا أن رئيس الوزراء د. عصام شرف الدين أكد عدم نية الحكومة المساس بالسياسات الاقتصادية بل والحفاظ علي المكتسبات التي تحققت وتعميق الاقتصاد الحر, وهذا يعني أن الحكومة لن تتوقف عن القيام بالإصلاحات.
أما عن الحد الأدني للأجور فقد أشار د. سمير رضوان إلي أن الوزارة تتحرك بخطوات ثابتة ولديها أفكار محددة وواضحة, مؤكدا أنها تتم في إطار التعاون بين كل من وزارات المالية والتجارة والصناعة والتضامن والتعاون الدولي, بالإضافة إلي التشاور مع اتحادات العمال ورجال الأعمال كممثلين للقطاع الخا ص.
من جهتها أوضحت د. ماجدة قنديل أن مواردنا قد تأثرت بسبب ما حدث لكل القطاعات خاصة السياحة, لذلك علينا أن نحافظ علي ما تبقي من آثار التنمية التي حدثت في الماضي والتي كان ينقصها عدم شعور المواطن العادي بها. فالمديونيات الخارجية تزداد, والدين المحلي يلتهم السيولة في الداخل, وبارتفاع هذا الحجز تتزايد معدلات التضخم, وبالتالي نحتاج لمساعدة السلطات المالية, كما أنه بعد قيام الثورة توقفت الأموال التي كانت تتدفق بسهولة.
وأضافت قنديل: المستثمرون يشعرون الآن بوضع مقلق, خاصة في الأيام التي توقفت فيها البورصة, كما أنهم يرددون منذ قيام الثورة أن الأوضاع غير مستقرة والرؤية غير واضحة, مشيرة إلي ازدياد الإنفاق بشكل يفوق الدخلم العام, وبالتالي زيادة نسبة العجز والتي قدرت بحوالي 36 مليار جنيه, مؤكدة أن الحكومة وحدها لا تستطيع علاج مشكلة البطالة التي تتأرجح بين 15 إلي 20% وبالتالي فإن الحل يكمن في الإصلاح المالي وإعادة النظر في مسألة الضريبة علي إجمالي الدخل فقد تكون الضرائب التصاعدية هي الأنسب. كذلك علينا أن نفكر في الشراكة بين القطاعين العام والخاص حتي لا نترك المؤسسات مريضة دون تدخل, فموارد الحكومة محدودة, وفي نفس الوقت علينا ترشيد الإنفاق ودعم المنشآت الإنتاجية الصغيرة منها والمتوسطة بحيث نعمل علي تفكيك الجمود الهيكلي الذي أدي إلي زيادة البطالة بهذا الشكل, وبالتالي التوصل لأفضل شكل ممكن للعدالة الاجتماعية.
وتمنت د. يمني الحماقي أستاذ الاقتصاد أن تكون للدولة رؤية تنسيقية بين السياسة النقدية والسياسة المالية حيث إن هناك سياسة اقتصادية تتسم بالأيدي المرتعشة في كل القطاعات وبالتالي فإن المسئولين لا يتحركون في اتجاه مواجهة البطالة وازدياد الفقر وغيره من المؤشرات.
وطالب د. محمد تيمور- أحد المستثمرين في القطاع المالي- بتفعيل دور السياحة مرة أخري حيث يري أنها تساهم بحوالي 6 إلي 7% من إجمالي الناتج القومي, مشيرا لأهمية القيام بحملات إعلامية تنشيطية علي المستوي العالمي, وأضاف قائلا: لكي تتحقق العدالة الاجتماعية يجب النهوض بالتعليم علي كافة مستوياته.