جاء إعلان يوم الأحد الحادي والعشرين من أبريل – الذي كان متوقعا وإن كان لا يزال مفاجئا – حول قرار شركة الغاز التي تديرها الدولة في مصر بإلغاء عقدها لتوريد الغاز الطبيعي إلي إسرائيل, ليمثل مصدر قلق فوري لواشنطن ليس فقط لأنه قد يؤثر علي معاهدة السلام بين البلدين, لكن أيضا لأنه قد يزيد من احتمالية وقوع نزاعات مزعجة في تطوير احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط.
إن توريد مصر للنفط في البداية, ثم الغاز الطبيعي لاحقا إلي إسرائيل كان ينظر إليه باعتباره أحد ركائز اتفاقيات كامب ديفيد لعام .1979 ورغم أن توريد الغاز يتم بموجب عقد تجاري, إلا أنه يستند إلي مذكرة تفاهم تم التوقيع عليها بين الحكومتين في عام 2005 وتنص علي أن ترتيبات التوريد – المقرر لها أن تستمر علي مدار فترة أولية تبلغ خمسة عشر عاما – ##ستساهم في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط##. وبموجب شروط المذكرة, تضمن القاهرة ##التوريد المستمر وغير المنقطع## للغاز. لكن طالما لاقي هذا الاتفاق جدلا في مصر بين الليبراليين والإسلاميين علي حد سواء – وهو من بين التهم التي يواجه فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك ادعاءات بالفساد في التعاقد. إن إلغاء الاتفاق – والذي تذكر التقارير أنه تم علي أساس عدم سداد إسرائيل لثمن التوريدات – لاقي ترحيبا عبر مختلف الأطياف السياسية المصرية.
ومن المتوقع أن يتقرر مصير هذا العقد عن طريق التحكيم, القانوني أو السياسي. وبسبب الكميات المنخفضة والتخريب المتكرر لخط الأنابيب الذي ألقي فيه باللائمة علي تنظيم القاعدة والبدو غير الخاضعين لحكم القانون في سيناء, فإن الإحراج الفوري الذي مثله ذلك الإلغاء لإسرائيل يعد محدودا. وفي ظل الظروف الطبيعية كان العقد ينص علي توريد نحو أربعة ملايين متر مكعب من الغاز سنويا, لكن منذ عام 2009, اكتشفت إسرائيل احتياطيات جديدة قبالة سواحلها بإجمالي يزيد عن 750 مليار متر مكعب – أي ما يعادل واردات 200 عام مما كان يأتي من مصر.
ويتمثل التحدي الماثل أمام إسرائيل في أن أول هذه الاحتياطيات – حقل ##تمار## – لن يدخل حيز الإنتاج إلا بعد اثنا عشر شهرا. وحتي ذلك الوقت, فإن محطات الطاقة التي كانت تستخدم في السابق إمدادات الغاز من مصر سيتعين عليها حرق زيت الوقود الباهظ الثمن وغير النظيف نسبيا, وهو ما تعين علي الكثير منها فعله علي مدار أشهر في ضوء انخفاض الكميات ومشاكل التخريب. ومن المحتمل أن يكون هناك عجز في توليد الكهرباء أثناء موسم الذروة الصيفي رغم المحاولات الطارئة لتشغيل حقل بحري صغير كان يعد في السابق غير صالح للإنتاج من الناحية التجارية. وبالإضافة إلي ذلك, تضع إسرائيل خططا لبناء سفينة متخصصة لتحويل الغاز المسال إلي الطور الغازي في البحر تتيح الاستيراد المؤقت للغاز الطبيعي المسال حتي يدخل حقل ##تمار## طور التشغيل الكامل.
وفي غضون ذلك, من المرجح أن يؤدي القرار المصري – علي الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قلل من أهميته – إلي شحذ عزيمة إسرائيل لتحرير نفسها من القيود الثنائية التي قد تعيق استغلال وتصدير الغاز من اكتشافها الرئيسي الآخر مؤخرا, الذي تم تسميته بصورة مناسبة حقل ##لفيتان## ,التنين Leviathan]. وهذا مصدر إزعاج إضافي للسياسة الأمريكية لأن مشاريع تطوير الغاز في شرق البحر المتوسط قد أثارت خلال العامين الماضيين توقعات واشنطن بأن تكون التوترات الإقليمية أكثر ميلا للحل. بيد أن اكتشافات الغاز لم تعمل حتي الآن علي تغيير قواعد اللعبة. ورغم أن تعاون إسرائيل مع قبرص آخذ في التقدم, إلا أنه فاقم من التوترات بين تركيا وقبرص. ولا تزال أفكار تسوية النزاع علي الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان تعد ضربا من الخيال. كما أن الأردن – التي تضررت بشكل كبير جراء عدم انتظام واردات الغاز المصري – تتجاهل الخيار المنطقي المتمثل في شراء الغاز من إسرائيل وتتحدث مع قطر بدلا من ذلك.
وتكافح واشنطن من أجل الاحتفاظ بنفوذها في الصراع السياسي الداخلي في مصر مع الحفاظ في الوقت ذاته علي هيكل معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل, التي طالما كانت عنصرا أساسيا في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. ورغم ذلك, وفي حين أن سياسة واشنطن تجاه مصر تحصل علي عناية مركزة, إلا أن سياسة الولايات المتحدة حول تطوير احتياطيات الغاز شرقي البحر المتوسط تمثل مجموعة مختلفة من التحديات, ويجب عدم الخلط بين الأمرين. وقرار مصر المحبط كلية يوفر فرصة للفصل بين الأمرين.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في المعهد.
نشرة معهد واشنطن