المصالح الحكومية التي تستقبل الجمهور يوميا هي مرآة لرؤية الحكومة للشعب الذي تخدمه وعن مدي نظرتها الآدمية له.. وكم من الشباب كرهوا الحكومة من أول احتكاك بينهما عند استخراج الرقم القومي فيمتد مطون بين مكاتب السجل المدني في بيروقراطية عقيمة.
الحقيقة أن الصورة الذهنية التي انطبعت داخلي عن المكاتب والمصالح الحكومية هي تلك الحجرات الكئيبة المدهونة باللون الأصفر الكئيب شديد الاتساخ والإضاءة الضعيفة الأقرب إلي الظلمة منها إلي النور.. مكاتب تزاحم بعضها البعض يجلس عليها موظفون كثيرون تعلوهم تكشيرة مزمنة ينظرون إلي الناس المصطفين أمامهم ##بقرف## ولا يردون علي أحد إلا بطلوع الروح.. ويشيرون بأيديهم لتوجيه البني آدم إلي أي مكتب آخر وكأنه كارثة يزيحونها عنهم والسلام.
الشكل التقليدي الذي يشعرك بأنهم خارج الزمن هو أكوام الملفات والأوراق التي تعلو مكاتبهم وكأن اختراع الكمبيوتر لم يصلهم بعد.. ومن تبعات ذلك أنه عليك أن تلف بين المكاتب كعب داير أو تظل صاعدا وهابطا بين الأدوار لتستكمل أوراقك المطلوبة.. فإذا كنت محظوظا كانت حركة تنقلاتك داخل المبني نفسه وإن لم تكن ستجدهم يطالبونك بأوراق وأشياء تستدعي اللف في الشوارع !! إيمانا بأن الحركة بركة… ولا يمكن أن تجد الأوراق المطلوبة منك مطبوعة ومعلقة في مكان واضح يوفر عليك الأسئلة الكثيرة ويوفر عليهم النطق بالإجابات المضئية!!
وإن كنت تفهم سياسة الدرج المفتوح ستوفر علي نفسك الجهود واللف والدوران . أما إذا كنت لست لماحا لماذا يبدأ بعضهم الحوار معك بابتسامة لحظية ثم تنقلب وجوههم إلي النقيض فاعرف أنك لم تلتقط استعدادهم لتمشية أمورك إذا مشيتها أنت معاهم!!!
ولنكون منصفين فلا تحمل هؤلاء الموظفين كل الوزر ولنتذكر عادل إمام في فيلم مرجان أحمد مرجان عندما قال إن الحكومة تعرف جيدا أن موظفيها مرتشون لأن ما تدفعه لهم من رواتب لا يكفي أن يأكلوا العيش الحاف.
إن تغيير الأداء في المصالح الحكومية التي تتعامل مع الجمهور بعد الثورة يستدعي في المقدمة تحسين الأجور وتوفير بيئة عمل مناسبة حتي يصبح الموظف راضيا عن عيشته فتتغير نظريته للحياة ويحب عمله وعملاءه.. أما ذوو النفوس الضعيفة فيحاسبون بقوانين تحارب الفساد والتراخي والرشوة.
[email protected]