متي نعد أبناءنا للزواج؟…هل في مرحلة الجامعة أم بعد التخرج؟…هل موضوع اختيار شريك الحياة وأسس الاختيار السليم قضية تخص الشاب أو الشابة في سن الزواج؟…هل إعداد المخطوبين كاف لتأسيس أسرة مبنية علي الصخر تستطيع الصمود في مواجهة مصاعب الحياة؟…حول هذه التساؤلات دار لقاء بين نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها وسكرتير عام المجلس الأكليريكي للأحوال الشخصية ومجموعة من الأسر والشباب,وكانت إجاباته من واقع ما يعايشه من مشكلات للأحوال الشخصية والتي ترجع جذورها في كثير من الأحيان إلي التربية والتنشئة منذ الصغر.
أكد نيافته أن بناء الشخصية المستقلة في سن مبكرة لأطفالنا يهيئهم لزواج ناجح في المستقبل,وقد تهتم الأسرة بذلك في مرحلة مراهقة الأبناء وتدعوهم للشخصية القوية المستقلة,ولكن الأمر أبعد من ذلك كثيرا ولا نغالي بأنه يبدأ في مرحلة فطام الطفل,ففي هذه السن يبدأ الطفل في المحاولة بالاعتماد علي نفسه في تناول طعامه,فيمسك الملعقة بطريقة خاطئة ويحاول وضعها في فمه فربما يقع معظم ما فيها علي الأرض,ومن الخطأ أن تهتم الأمهات بنظافة بيتها أكثر من بناء شخصية ابنها,إذ تمنعه عن محاولات إطعام نفسه وتقوم هي بإطعامه ووضع الملعقة في فمه,بينما كان عليها أن تتركه يعتمد علي نفسه ولا تبدي إلا مساعدة بسيطة في ذلك.
من الأمور التي تبدو بسيطة في الصغر إلا أنها ترسم ملامح شريك حياة ناجح أن نشرك أطفالنا في إدارة ميزانية الأسرة,وقد يبدأ ذلك بمصروفه الشخصي وقد يكون أسبوعيا أو شهريا يتدرب من خلاله علي توزيع دخله علي احتياجاته ويتعلم كيف يدخر,ومن المفيد أيضا أن يعلم الطفل الصغير الميزانية المخصصة له لشراء ملابس العيد مثلا ويتدرب علي الاختيار في هذه الحدود,ويعلم أن المغالاة في شراء قطعة ملابس معينة سيؤثر علي باقي احتياجاته في ملابس العيد…من الضروري أيضا أن يشارك أبناؤنا في الأعمال المنزلية إذ يخطئ كثير من الآباء عندما يتركون أبناءهم منغلقين في دائرة المذاكرة فقط,ويخلونهم من أية مسئولية أخري,بينما تجديد الذهن في نشاط آخر غير المذاكرة لبعض الوقت خلال اليوم يساعده أكثر علي التحصيل من جهة ويجعله شخصية غير اعتمادية ومشاركة من جهة أخري..وكلها عوامل رغم بساطتها الظاهرة تشكل عوامل جوهرية في إعداد شريك حياة ناجح في المستقبل.
أما تشكيل فكر الشباب نحو الارتباط وأسس الاختيار فيفضل أن يكون مع بداية المرحلة الجامعية,إذ قال نيافته إنه موضوع مهم إدراجه في موضوعات الخدمة في مرحلة الجامعيين وبمعني أدق قبل أن يرتبط فكر الشاب أو الشابة بشخص بعينه حتي نستطيع أن تقدم له حصانة مبكرة تحميه عند الاختيار.
ففي مرحلة الجامعة غالبا ما يركز الشاب علي الجمال ولذلك لابد أن نلفت نظره ألا يركز علي صفة واحدة في شريكة حياته,لأن الجمال سيتعود عليه بعد حين ويصير أمرا عاديا,ولكنه لن يتعود علي كبرياء صاحبته أو سوء تصرفها أو ضعف روحانياتها,فإن كان الجمال هبة من الله ولكن لا يصح أن يبحث الشاب عن هبة واحدة بل يبحث عن متعددة المواهب ومن تتجمل بثمار الروح القدس.
من المهم أن يعرف الشباب الجامعي أنه من النادر أن يؤول الارتباط الجامعي إلي زواج,ومن النادر أن يؤول إلي زواج ناجح لأن مقاييس الاختيار تختلف من فكر الطالب الجامعي الذي قد يجذبه المظهر أو تقوده المشاعر عن مقاييس ما بعد التخرج التي يجب أن تعتمد علي التوافق بين الخطيبين في أمور كثيرة.
أضاف نيافته أن التوافق مطلوب وإن كان هناك جانب للتميز فيفضل أن يكون للرجل,ليس لأفضلية فيه وإنما لأنه يحمي من مشكلات مستقبلية تعود إلي التربية والموروث الثقافي الذي قد يؤدي إلي الغيرة أو الشك أو العنف الدفاعي أحيانا.
فالتوافق السني مهم فلا يكون الزوج أكبر كثيرا فيتعامل مع وزوجته كابنة أو كتلميذة أكثر مما يعاملها كزوجة ولا تشعر هي معه بأنه لا يشاركها مشاعرها أو اهتماماتها,ويجب ألا تكون هي الأكبر سنا منه لئلا تتكدر حياتهما مستقبلا لأسباب فسيولوجية ولا نقصد فرق الشهور القليلة,وقطعا أسلوب التربية يؤثر علي العمر الحقيقي.
وهناك التوافق العلمي ولا يقصد به فقط مستوي التعليم بل أيضا نوعيته لأنه يؤثر علي أسلوب التفكير وطريقة التعامل فالشابة التي تخرجت في شبعة علمية تتسم في الغالب بالتفكير المرتب والمدقق وتحليل الأمور,بينما من درست العلوم الأدبية فقد يكون لها حس مرهف أو شاعرية في التفكير…يضاف لذلك مكان التعليم إذا كان في مدارس خاصة أو أجنبية أو مدارس حكومية,كذلك من درس في قرية صغيرة أو في مدينة كبيرة.
أما التوافق الاجتماعي فلا ينحصر فقط فيما يملكه الطرفان وإنما في مفردات معيشتهم وحياتهم اليومية,فالذي يعمل في السياحة يختلف عمن يعمل في تجارة المواشي أو الغلال حتي وإن امتلكا نفس الدخل…يضاف لذلك توافق الطباع والشخصية والميول.
إعداد المخطوبين رغم اهميته القصوي فإنه يضع اللمسات الأخيرة علي فكر الزواج وإن كان يدخل في تفاصيل أكثر دقة وربما في تفاصيل بسيطة قد ينتج عنها مشكلات كبيرة,فكما أشار الأنبا بولا أنه من الأسئلة البسيطة التي تطرح علي الخطيبين للمناقشة من الذي يحق له اختيار اسم المولود الأول؟وقد تظهر الإجابة مدي التوافق بين الخطيبين أو مدي تسلط طرف علي آخر ومن الأفكار الرائدة التي طبقها نيافة الأنبا بولا في طنطا تخصيصإشبين بمعني مشير أو مقدم مشورة لكل عروسين منذ زفاقهما ليتابعهما في السنة الأولي للزواج التي تشكل حجر الأساس في نجاح الزواج.
[email protected]