باتت مواجهة قضية التغيرات المناخية مطلبا ملحا علي كافة الأصعدة الدولية والوطنية, في ظل التأثيرات المحتملة لارتفاع درجة حرارة الأرض من 1.8 إلي 4 درجات مئوية بنهاية القرن الحالي, وما يستتبع ذلك من آثار خطيرة – كارتفاع مستوي سطح البحر وتذبذب أحزمة الأمطار, وتأثر الإنتاج الزراعي والموارد المائية والتنوع الحيوي, وزيادة حدة موجات الجفاف والفيضانات وانتشار الأمراض – لتصبح واقعا يهدد مستقبل ومصير سكان كوكب الأرض سواء علي المدي القريب أو البعيد.
ومن منطلق الحرص علي تحقيق بيئة آمنة, عقدت وزارة الدولة لشئون البيئة للعام الثالث علي التوالي منتداها العلمي للاحتفال بيوم البيئة العالمي, الذي تتصدر فيه قضية التغيرات المناخية محور الاهتمام حيث جاء في عام 2007 بعنوان تغير المناخ.. قضية الساعة ثم فلنكسر العادة! نحو اقتصاد أقل اعتمادا علي الكربون في عام 2008 والآن حينما وصل الأمر لاستغاثة الأرض من تأثيرات التغيرات المناخية المقلقة جاء هذا العام تحت شعار كوكبنا يستغيث بنا.. فلنكن أمما متحدة في مكافحة تغير المناخ ليؤكد للمرة الثالثة بأن حل القضية لن يأتي بصورة فردية وإنما يستوجب اتحاد الدول جميعها لمواجهة الظاهرة أو الحد من آثارها.
للوقوف علي التأثيرات المناخية علي القطاعات المختلفة وكيفية الوصول لحلول مثلي.. كانت لنا هذه المتابعة…
في البداية تحدث الدكتور السيد صبري – المشرف علي وحدة التغيرات المناخية بوزارة البيئة عن الجديد نحو موقف عادل ومتوازن بالمفاوضات الجارية لتغير المناخ بقوله إن القضية لم تكن حديثة وإنما جرت مفاوضات بشأنها منذ عام 1987, أسفرت عن العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الملزمة للدول بخفض حجم انبعاثاتها للتخفيف من آثار الظاهرة, ومازالت المفاوضات مستمرة بين الدول للوصول لاتفاق شامل بشأن الالتزامات المستقبلية للخفض لدي جميع الدول, وإن كانت ضرورة مراعاة الالتزام من قبل الدول المتقدمة بخفض انبعاثاتها قبل حلول عام 2012 أكثر أهمية بالقياس بالدول النامية, لكونها تقوم بأعمال خفض اختيارية وفقا لإمكانياتها وقدراتها المحدودة في إطار الدعم المخصص لها من قبل الجهات المانحة حتي يتسني لها مشاركة المجتمع الدولي في خفض هذه الظاهرة.
واستطرد د. صبري بأن هناك مخططا لتخصيص هيكل نقدي دولي يحدد حجم الميزانيات المخصصة لكل دولة للقيام بدورها تجاه الظاهرة مع إيجاد آلية لمحاسبة الدول المتقدمة غير الملتزمة ومتابعة أوضاع الدول النامية.
وانتقل الدكتور بهاء منصور – مدير مشروع البلاغ الوطني الثاني لمصر لتقديم عرض شامل عن المشروع المطبق بمصر كهدف استراتيجي لمواجهة الخطر, حيث ذكر أن المشروع معني بإعداد تقرير يفي بحالة تغير المناخ داخل حدود الدولة المطبق فيها المشروع, وبالنسبة لمصر تم إنشاء وحدة لإدارة المشروع بتمويل من مرفق البيئة العالمي لتمكين مصر من إعداد بلاغها الوطني وتقديمه لمؤتمر الأطراف التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وتعد المكونات الرئيسية للمشروع قائمة جرد لحجم الغازات المنبعثة والمسببة للاحتباس الحراري داخل مصر مع تقديم تحليل للإجراءات الممكنة للحد من زيادة الانبعاثات, ومن ثم تقييم للآثار المحتملة نتيجة التغير المناخي وإجراءات التكيف. وهذا من شأنه وضع مصر في الحسبان أثناء عملية وضع السياسات عند التخطيط المحلي.
إهدار الكهرباء تستنفد أموال الدولة
وعن تحسين كفاءة الطاقة ودورها في خفض الانبعاثات أشار الدكتور إبراهيم ياسين – مدير مشروع تحسين كفاءة الطاقة إلي مشكلة استهلاك الطاقة بشكل كبير لدي القطاع التجاري والمنزلي بنسبة 42% من الاستهلاك الكلي, أما من حيث حجم استهلاك الكهرباء فيتراوح ما بين 35% إلي 40% الأمر الذي يستوجب تحسين معامل القدرة. فلك أن تتخيل مدي استهلاك المباني الحكومية للكهرباء هباء. لاسيما استخدامها في فترة الصباح علي سبيل المثال أو ترك المدارس مضاءة ليلا وغيرها – وما تتكلفه الدولة من أعباء مالية ضخمة تصل إلي مليار جنيه سنويا أي بنسبة 6% من الاستهلاك الكلي كذلك الحال بالنسبة لوضع لمبات الشوارع التي تكلف الدولة مليارا و350 مليون جنيه في العام أي بنسبة 8.6% من الاستهلاك الكلي لذا علينا الاتجاه لاستخدام اللمبات الموفرة للطاقة كالنيون أما حلزوني أو علي حرف u خاصة أنها ساهمت في توفير 7 ملايين جنيه خلال فترة استخدامها في عام 2008 فقط. وتجري الآن دراسة لمجلس الوزراء بشأن المباني الحكومية لتوفير استهلاك الطاقة يتم تنفيذها علي ثلاث مراحل من إحلال وتجديد اللمبات المستهلكة بأخري موفرة عند الإصلاح أو الصيانة داخل المباني الحكومية, وإعداد بطاقة كفاءة الطاقة للأجهزة المنزلية. هذا إلي جانب طرح مناقصة في القريب العاجل داخل الأسواق بعدد 6 ملايين لمبة موفرة للطاقة لترشيد الاستهلاك بشكل أفضل.
ويستكمل د. ياسين حديثه بأنه لايزال تحسين كفاءة الطاقة في مجالات الصناعة والنقل والكهرباء والمباني والبترول يواجه العديد من التحديات علي الصعيد المحلي – نظرا للإمكانات المحدودة – رغم أن إتاحة تكنولوجيات كفاءة الطاقة في مثل هذه المجالات سيدعم بلاشك الجهود الرامية إلي تحقيق أنماط مستدامة من الإنتاج والاستهلاك. وهذا لا يدعنا ننكر بأنه تم البدء في تنفيذ مشروعات استرشادية للترويج لإقامة مشروعات آلية التنمية النظيفة في مجال الطاقة المتجددة مثل مشروع تعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية بالمنتجعات السياحية ومناطق الاستصلاح الجديدة, وكذلك الإعداد لمشروعات أخري مثل مشروع الوقود الحيوي. أيضا تنفيذ مشروعات نظيفة بالتعاون مع العديد من الدول المتقدمة منها في مجال توليد الكهرباء من طاقة الرياح اليابان, الدانمرك, ألمانيا, إسبانيا وتوليد الكهرباء من المساقط ألمانيا وخفض انبعاثات أكسيد النيتروز من صناعات الأسمدة النمسا, إنجلترا وتحويل مصانع الأسمنت للعمل بالغاز الطبيعي بدلا من الوقود إيطاليا ومشروعات كفاءة الطاقة إنجلترا وفي مجال تجميع وحرق غاز الميثان المتولد بيولوجيا من مدافن المخلفات بالإسكندرية فرنسا, إضافة إلي موافقة المجلس المصري لآلية التنمية النظيفة علي تنفيذ 52 مشروعا في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والمخلفات والتشجير بتكلفة 1.3 مليار دولار بما يعادل خفض 8.1 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون, كذلك إدخال مشروع تكنولوجيا السيارات الكهربائية والمهجنة في مصر التي تساهم بشكل كبير في الحد من ملوثات الهواء مع استبدال سيارات التاكسي القديمة بأخري حديثة.
اختلال الموارد المائية
وأفادتنا المهندسة مها توفيق – أستاذة الموارد المائية بالمركز القومي لبحوث المياه عند وضع تغير المناخ والموارد المائية موضحة أنه بالطبع سيحدث تأثيرات بشأن نقص موارد مياه النيل في السنوات المقبلة بدرجة قد تصل إلي الخطورة الشديدة نتيجة اختلال توزيع أحزمة المطر خاصة أن الدراسات تشير إلي احتمالية نقص تدفق المياه لنهر النيل بمعدل قد يصل إلي 60%. أيضا التوقع بحدوث تغير في كميات وأماكن سقوط الأمطار ومواسمها, وحدوث تباعد في فترات سقوط الأمطار مع زيادة معدل الهطول مما يؤدي لزيادة احتمالات أكبر للفيضانات وفترات الجفاف.
وتشير المهندسة مها إلي أنه لم تتوفر معلومات حتي الآن عن وضع الأمطار بمنطقة حوض النيل سواء ما كان أخذ في الزيادة أم النقصان بنسبة 30%, أما عن وضع الأمطار علي السواحل الشمالية فهناك توقع بتغييرها كذلك تغيير الاحتياجات الزراعية, والمناسيب للملاحة النهرية تبعا لزيادة الفيضان أو انخفضه. فضلا عن أن التصرفات خلف السد العالي جاري تأثرها بالتغير في إيراد النهر وحجم التخزين وعملية البخر من سطح البحيرة, إضافة إلي تملح الخزانات الجوفية الساحلية نتيجة لزيادة تداخل مياه البحر.
غرق الدلتا.. تهديد قائم
كما ألقي الدكتور محمد الراعي – أستاذ علوم البحار جامعة الإسكندرية الضوء علي علاقة تغير وإدارة المناطق الساحلية, موضحا بأنه علي الرغم من أن انبعاثات مصر من غازات الاحتباس الحراري لا تمثل سوي 0.6% من إجمالي انبعاثات العالم, إلا أنها من أكثر دول العالم تضررا من آثار التغيرات خاصة أن دراسات الهيئة الحكومة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية أثبتت أن الارتفاع المستمر في المتوسط العالمي لدرجة الحرارة بنحو 1.8 إلي 4 درجات مئوية بنهاية القرن الحالي سوف يؤدي إلي العديد من المشكلات الخطيرة كارتفاع مستوي سطح البحر بنحو 180 إلي 590سم مهددا بغرق بعض المناطق في العالم منها غرق الدلتا وفقدان أراضيها الزراعية الخصبة المأهولة بالسكان وبعض المناطق الساحلية الأخري ومنها قناة السويس علي سبيل المثال. أيضا زيادة معدلات نحر الشواطئ وتغلغل المياه المالحة في التربة وتداخل مياه البحر مع المياه الجوفية ونقص الإنتاجية الزراعية. كذلك تأثر الإنتاج السمكي نتيجة تغير الأنظمة الأيكولوجية في المناطق الساحلية وارتفاع حرارة مياه البحر حيث يشير التقييم إلي تناقص الإنتاج البحري من الأسماك من 82 ألف طن عام 1999 إلي 47 ألف طن عام 2006 في البحر الأحمر ومن 89 ألف طن عام 1999 إلي 72 ألف طن عام 2006 في البحر المتوسط. وكذلك الحال لضع البحيرات الشمالية خاصة بحيرة المنزلة التي انخفض إنتاجها إلي ما يقرب من النصف حيث وصل إلي 41 ألف طن عام 2007 مقارنة بنحو 78 ألف طن عام 1998 وأيضا بحيرة البرلس التي يتذبذب إنتاجها السمكي بين 50 و60 ألف طن سنويا. وفي بحيرة ناصر يتناقص الإنتاج من 53 ألف طن عام 1997 إلي 26 ألف طن عام 2007.
تساقط أشجار المانجو.. إنذار بالخطر
الدكتورة سامية المرصفاوي – رئيس وحدة بحوث الأرصاد الجوية الزراعية بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة رصدت حالة تغير المناخ علي قطاع الزراعة موضحة أنه بسبب الظروف الجوية المتغيرة تعرضت أشجار المانجو بالإسماعيلية في فصل الشتاء من العام الماضي إلي موجات سقيع غير عادية أدت إلي تساقطها مما استدعي حرقها, وهذا يعني أننا علي مشارف خطر أكيد من زيادة معدلات تآكل التربة وحدوث تغير في خريطة التوزيع الجغرافي للمحاصيل الزراعية وفقا لما تشير إليه السيناريوهات إلي احتمال حدوث انخفاض ملحوظ في الناتج القومي لحبوب مصر فمثلا إنتاجية القمح ستقل بنسبة 9% للفدان في حالة زيادة درجة الحرارة بنسبة 2 درجة مئوية, والنسبة بالطبع في تأثر بازدياد درجة الحرارة – كذلك قلة إنتاجية الذرة بنسبة 19% والأرز بنسبة 11% والفول الصويا بنسبة 28% والطماطم بنسبة 14% – تحت ظروف درجة حرارة 1.5 درجة مئوية – والسكر بنسبة 24.5% وعباد الشمس – وما يسببه من أزمة في الزيوت – سيقل بنسبة 21% في الوجه البحري و27% في المناطق الوسطي و38% داخل مصر العليا. أما عن القطن فهو المحصول الوحيد الذي سيزيد إنتاجيته بنسبة 17% ولكن في المقابل سوف يزيد معدل استهلاكه بنسبة 10% وللقضاء علي هذه المشكلة علينا اتباع بعض الاستراتيجيات أما بتغيير ميعاد زراعة المحصول في الفترة الملائمة له لتغطية النقص والحصول علي إنتاجية أفضل فمثلا إذا التزم الفلاح بزراعة القمح من أول نوفمبر حتي يوم 15 من نفس الشهر سوف يزيد الإنتاج بنسبة 15%, أيضا الطماطم في أول مارس المحصول سيزيد بنسبة 4% وعباد الشمس في مايو فيما يزيد بنسبة 20% أيضا اللجوء لاستراتيجية زراعة المحاصيل البديلة التي تتحمل ظروف البيئة المحيطة كالتقليل من المساحة المنزرعة بالأرز إلي مليون فدان بدلا من كوننا نزرع 2 مليون فدان حاليا لتقليل كميات المياه المستهلكة أيضا زراعة بنجر السكر بدلا من قصب السكر.
ابيضاض الشعاب.. وانتشار نجم البحر
وعن تغير المناخ وعلاقته بالتنوع البيولوجي قدم الدكتور مصطفي فودة – رئيس قطاع المحميات الطبيعية بوزارة البيئة عرضا حول اكتشاف ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية لأول مرة عام 2007 علي عمق 20 مترا في إحدي المناطق القريبة من جزر البحر الأحمر وتعرف باسم جزيرة روكي بعدما وصلت درجة حرارة المياه علي هذا العمق إلي 29 درجة مئوية. كذلك ظهور نجم البحر في ظروف غير عادية لتزداد أعداده وتتراكم فوق بعضها إلي أن وصلت إلي 50نجم/م2 الأمر الذي تسبب في حدوث مشاكل كبيرة بتغذيته علي الأنسجة الحية للشعاب المرجانية. فخلال عام 1994 تم رصد الأعداد التراكمية لنجم البحر داخل 13 منطقة وخلال عام 2000 في 37 منطقة برأس محمد ثم انتشاره شمالا إلي دهب وجنوبا إلي الغردقة أكثر من 30 منطقة, مما أدي إلي موت الشعاب لتصل نسبة الفقد أكثر من 40%, ولكن يذكر أنه يتكاتف الجهود عام 2001 تم إزالة 150 ألف نجم وفي عام 2002 بدأ العد التنازلي لتعاود عملية الاتزان لبيئة الشعاب مرة أخري.
ويضيف د. فودة أنه بداخل البيئة البحرية الساحلية العديد من الأنواع المتوطنة والمهددة بالانقراض خاصة الثدييات البحرية 17 نوعا السلاحف البحرية 4 أنواع أسماك القرش أكثر من 20 نوعا – أيضا الطحالب 800 نوع والحشائش البحرية 209 أنواع من الشعاب المرجانية وأكثر من 800 نوع من الرخويات و600 نوع من القشريات. كما وصل الفقد إلي ما يقرب من 70 نوعا من النباتات في كل من جبل علبة وسانت كاترين, لعل أشهرها التهديد بانقراض فراشة سيناء الزرقاء الصغيرة نتيجة قلة أزهار بنات الزعتران بنسبة 40%, هذا وقد تتعرض أشجار الأميت بجبل علبة إلي خطر الاندثار الذي يتمثل في التناقص المستمر في أعدادها حتي وصلت إلي 60% التي أصبحت تتواجد فقط في المناطق المرتفعة نتيجة التغيرات المناخية نظرا لارتفاع درجة الحرارة بنسبة 3 درجات مئوية منذ الستينيات والانخفاض الشديد في مستوي الرطوبة والمطر. أيضا تناقص أشجار العرعر بمنطقة سيناء.
وفي النهاية في ظل عالم متغير سريع وفي ضوء الضغوط الشديدة علي الموارد الطبيعية نتيجة الزيادة المطردة في عدد السكان والتوسع في الأنشطة الصناعية والزراعية والسياحية أصبح للجميع مسئولية مشتركة أفرادا ومؤسسات تجاه حماية البيئة لتحقيق التنمية المستدامة. فهل يصبح الحلم حقيقة أم سرابا؟!