ليست المعجزة هي عذراء تحبل وتلد وهي لم تعرف بشرا بل بالروح القدس صار هذا الحبل بلا دنس. أما المعجزة الحقيقية فقد لخصها الرسول يوحنا في البشارة الرابعة, والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا. والكلمة كما يشرح لنا يوحنا هو منذ البدء في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله, والتجسد ليس فقط معجزة ولكنه يبدو متناقضا, فالله الذي منه وبه الكل يأتي علي أرضنا مولودا من امرأة تحت الناموس مثلنا. والذي هو روح الله لأن الله روح والساجدون لله فالبروح والحق ينبغي أن يسجدوا. فكيف للروح أن يصبح جسدا ولحما ودما حتي يحول الإنسان من جسد ودم إلي روح. الله روح والساجدون لله فالبروح والحق ينبغي أن يسجدوا والمسيح الذي لم يعرف خطية يصير بإرادته حاملا خطايا حتي ما نصبح نحن بلا خطية قدامه. والأزلي الأبدي أخذ جسم بشريتنا حتي ما يصبح الجسدانيون لهم الحياة الأبدية. وهو الكائن مع الآب يحتمل آلام الترك حتي أن أولئك المفصولين ينالوا اتحادا مع الله. وهكذا جاء الكلمة إلي عالمنا ليولد في اللحم والدم من عذراء في مذود للبقر مولودا ليس كسائر الناس.
هذه هي عظمة الميلاد الذي نحتفل به اليوم مع أفراح كل المؤمنين بمولد مخلص لهذا العالم الضائع.
ماذا يعني الميلاد؟
ما معني الميلاد لمريض لا يجد تكاليف العلاج وحياته مهددة بالموت لارتفاع تكاليف الدواء أو مقابل زرع عضو من الأعضاء أو حتي تكاليف الجراحة. وما معني الميلاد لشاب لا يجد فرصة عمل وقد أصبح عبئا ثقيلا علي عائلة كبيرة ومواردها محدودة فضلا عن عجزه عن الوفاء بوعده للزواج بزميلة تعاهدا وتواعدا علي الارتباط بالزواج. وما معني الميلاد لأم مسنة ترقد في بيت المسنين ولا تجد ابنا أو حفيدا يزورها في العيد وهي تعرف ظروف أبنائها وعجزهم عن الاحتفال معها. ما معني الميلاد لشاب مريض بأمراض خطيرة لا علاج لها وهو يري حوله زوجة بلا دخل وأطفالا صغارا في حاجة إلي أب يرعاهم. ما معني الميلاد لأسرة فقدت الابن الأكبر في حادث انقلاب أتوبيس بينما يرقد الابن الثاني مصابا بالشلل من جراء ذات الحادث والأب المسن الذي كان يبني آماله علي ابنيه يجلس بجوار المصاب بعد أن واري الابن الآخر تحت التراب. ماذا يعني الميلاد في غزة والصواريخ تنزل علي رؤوس أطفال ونساء بلا وازع من ضمير حتي سقط المئات من ضحايا الصلف والعناد وآلة الدمار التي لا ترحم. لكن مع كل هذا نجد في الميلاد أكثر من هدية أو جرعات أدوية أو حتي هدنة حربية.
فالميلاد يعلن:
أولا: الله محبة
للمريض بلا رعاية والمسن بلا صديق والجريح بلا رحمة والفقير المحتاج يقول الميلاد. إن الله من السماء نظر إلي مذلة الإنسان وهلاكه المنتظر نتيجة الخطية والمعصية لذا يقول لنا إنه في ملء الزمان أرسل الله المسيح الكلمة مولودا من عذراء لكي ما يحمل حملنا ويخلصنا من أجرة الخطية وهي الموت. يقول لنا أجمعين إنه يرانا في ظروفنا, يسمع أنيننا وهو يعرف آلامنا لأنه اختبر الآلام واختبر الترك والإنكار من تلاميذه حتي سلمه واحد منهم والآخر أنكره والباقون تفرقوا. إنه يتكلم إلينا في ظروفنا المختلفة للأطفال الذين تركهم الآباء سعيا وراء المال في بلد أخري أو نتيجة التفكك الأسري والانحلال العائلي. يقول لهؤلاء وأولئك لا أترككم ولا أتخلي عنكم. لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. إذ رأي الله مصير الإنسان وحالته البائسة ومحاولاته اليائسة فجاء المسيح ليترجم محبة الله للخطاة والتائهين والغافلين والذين لا يدرون مصيرهم الأبدي.
ثانيا: الميلاد يعني أن للحياة قيمة ومعني
الميلاد هو رسالة رجاء. الحياة لها قيمة ولها معني. معني الحياة أنت وأنا خلقنا لهدف وهذا الهدف هو الشركة مع الله. يقول بولس الرسول أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم. إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو. نحن مكان سكني روح الله. فهل يسكن الله في بيت نجس أو في حياة فاسدة؟ ومن يفسد هذا المسكن يفسده الله أي يهلك الشخص. أنت كمسكن الله لك قيمة وقيمة المسكن في من يسكنه. الله يعرفنا بأسمائنا. نحن لنا ثمن غال جدا. لا القيمة في شخصي بل في ما دفع في من ثمن. لحياتك قيمة لأنه يوجد من يحبك ويهتم بك ذاك الذي ولد لأجلك يحبك. يهتم بك, ذاك الذي ولد لأجلك يحبك, يهتم بلك بل يهتم بزهور الحقل وعصافير الشجر وكل مخلوقاته فكم يكون اهتمامه بنا. إننا نناديه أبا لأنه يهتم بنا إن أبي وأمي تركاني والرب يضمني.