نحن الآن في مصر الجديدة. ولا أعني مصر الجديدة المكان ولكن أعني مصر الجديدة الزمان. مصر الجديدة الآن التي نأملها ونريدها ونسعي إلي تحقيقها. مصر الجديدة التي انفتحت أعينها وصحت عقولها وشاهدوا بعيونهم كل ما حدث في مصر القديمة. ثورة الشباب وصحوتهم في ميدان التحرير الذي أصبح رمزا للثورة والتغيير. رأينا مشاهد صادمة والأمن ورجال الشرطة ينسحبون من أماكنهم ويجرون تاركين المكان في فوضي عارمة. ورأينا البلد بلا شرطة وبلا أمن وحرق مراكز الشرطة وفتح السجون وإخراج المساجين ليختلطوا بالشعب وينهبون البيوت ويعتدون علي أملاك الدولة وأملاك الأفراد. رأينا كل ذلك ونحن لا نصدق ما نري!!
وكان من الضرورة أن تتوقف هذه الفوضي والسلب والنهب. وسمعنا عن قصص الفساد الكثيرة, والذي لا تستطيع أذن أن تسمعه وتصدقه. وتوالات البلاغات ضد أي فرد يتصور مقدم البلاغ أن هذا الفرد فاسد. وانتهي الأمر بتنحي الرئيس بعد أن أصر الشباب علي مطلبهم. وترك مصر في يد الجيش لحمايتها وتدبير أمورها. ووجدنا أفراد الجيش يتعاملون بود وتهذيب وفروسية مع الشعب ومع ثوار ميدان التحرير وأصبحنا في أوقات عصيبة وفي مفترق طرق. وأمام الجيش مهام ضخمة وكثيرة عليه إنجازها. وتوالات بلاغات الجيش بلاغا وراء آخر. وقال في بلاغ: إنه نظرا لظروف البلاد والأوقات العصيبة التي وضعت مصر وشعبها في وضع عصيب. ولابد من إعادة ترتيب أولويات الدولة علي نحو تحقيق مطالب أبناء الوطن. وإدراكها أن سيادة القانون ليست ضمانا لحرية الفرد فحسب, بل هي الأساس الوحيد لشرعية السلطة. ويعلن المجلس التزامه بكافة ما ورد بالبيانات السابقة وثقة مؤسساتها وشعبها تخطي الظروف. وعلي كافة الجهات الحكومية والقطاع الخاص القيام برسالتهم السامية والوطنية لدفع عملية الاقتصاد إلي الأمام. حمل الجيش الحكومة الحالية حكومة أحمد شفيق بتسيير الأعمال حتي تشكيل حكومة جديدة. ومن أهم ما أدلي به الجيش التطلع لضمان الانتقال السلمي للسلطة في إطار النظام الديموقراطي الحر الذي يسمح بتولي سلطة مدنية منتخبة لحكم البلاد لبناء دولة حرة ديموقراطية. كم نوه بالتزام مصر بكافة الالتزامات والمعاهدات الإقليمية والدولية.
وكان أكبر ما يخشاه بعض الكتاب والمفكرين أن يحكم الجيش حكما عسكريا.
إن ما أعلنه الجيش ببث الثقة والطمأنينة في قلوب الشعب علي اختلاف فئاته. ويحث كل محبي مصر والساعين إلي استقرارها وأمنها أن تتعاون جميع الفئات علي ما فيه حماية البلد من الفوضي والتسيب والانقسام والأنانية. وتخوين البعض لبعضهم.
وقد بدت نبرات متعددة. كل فئة تتقدم بمطالبها وتحسين أحوالها علي أن يتم التحسين فورا. الذين يريدون رفع رواتبهم والذين يطالبون بتثبيتهم. الشرطة وبعض فئات الصحفيين. والمطالبة بتغيير رؤسائهم. وكل هذا مشروع ومطلوب ولكنه لا يحقق الاستقرار المطلوب في ظروف مصر الحالية.
أما شباب الثورة فما زال بعضهم أو معظمهم لا يثقون بكل ما قيل وأعلن ومازال نقص الثقة يحركهم ويرفضون إخلاء ميدان التحرير والعودة إلي منازلهم خوفا من أن يفقدوا مطالبهم المشروعة والتي يسعون إلي تحقيقها. يريدون مزيدا من الثقة والضمانات. ولكن مصر الجديدة مصر التي نأملها في حاجة إلي تحرك فعلي الآن. فهل يتحقق الأمل؟!