سيرافق شبح الانتخابات النصفية الأمريكية الرئيس باراك أوباما عندما يمضي حوالي خمسة أيام في نيويورك الأسبوع المقبل ليتناول القضايا الدولية الشائكة والعلاقات الثنائية المهمة مع قادة الدول المشاركين في قمة الأهداف الإنمائية للألفية في الأمم المتحدة. سيتداخل بعض الملفات الإقليمية مع الانتخابات النصفية لجهة التأثير في حال الرئيس الأمريكي في الانطباع العالمي وعلي صعيد وضعه الداخلي ومستقبله في البيت الأبيض. بين هذه الملفات الشائكة ملف السودان الذي تزداد المخاوف نحوه بعدما بدأ العد العكسي إلي مئة يوم لموعد إجراء استفتاء علي تقرير مصير الجنوب واحتمال انفصاله. فالإدارة الأمريكية صعدت في آن واحد ديبلوماسية الإغراء والتوعدات بعقوبات وربما بتدخل إذا تدهور الوضع في الجنوب أو إذا تملصت الحكومة السودانية من التزامها بالاستفتاء.
سيشارك باراك أوباما في لقاء دعا إليه الأمين العام بان كي مون علي مستوي الرؤساء لأعضاء مجلس الأمن والدول المجاورة لتناول ملف السودان. بالتأكيد, هو واع لمراقبة المنظمات الأمريكية الإنسانية واليمين المسيحي لمحاسبته علي أية خطوة وهذا مهم له في فترة الانتخابات. هناك, بالطبع, ملف استئناف المفاوضات الفلسطينية _ الإسرائيلية. هذه المفاوضات فائقة الأهمية للرئيس الأمريكي الذي أوفد وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون مع مبعوثه الخاص السناتور جورج ميتشل للمشاركة فيها لإنجاز تفاهمات حول مسألتي الحدود والأمن كمفتاح لإنهاء الاستيطان وقيام الدولة الفلسطينية إلي جانب دولة إسرائيل.
مردود نجاح هذه المفاوضات واضح. أما فشلها فإنه مكلف للجميع, بما في ذلك ربما للرئيس الأمريكي الذي يراهن علي هذه المفاوضات ضمن استراتيجية إعادة رسم منطقة الشرق الأوسط. وهنا يأتي ملف إيران وأهميته البالغة, أما في حال فشل دبلوماسية الترغيب الأوبامية وانتهائها بالاضطرار للمواجهة بأكثر من العقوبات, أو في حال نجاحها وانتهائها بـ الصفقة الكبري المجهولة الفحوي والمقايضات فستكون إيران حاضرة الأسبوع المقبل في نيويورك, ليس فقط في المحادثات الثنائية والجماعية للدول الكبري في مجلس الأمن وانما أيضا عبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومفاجآته المرتقبة. العراق سيكون الحاضر الغائب. لبنان سيكون محط التساؤلات والمخاوف علي مستقبله نتيجة الحروب بالنيابة علي أراضيه من جهة, ومن جهة أخري, في حال أخذت العدالة مجراها في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة الضالعين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه وما تلي تلك الجريمة من اغتيالات سياسية ذات علاقة باغتيال الحريري. في الملفات الثلاثة _ إيران والعراق ولبنان _ يبقي باراك أوباما في الصلب لأن السياسة الأمريكية في الامتحان وتحت مجهر المراقبة. إلا أنه ليس وحده تحت الرقابة.
إيران بالذات تبقي في طليعة اهتمامات قادة الدول الكبري وقادة منطقة الشرق الأوسط, والملف الإيراني سيكون حاضرا في اللقاءات الثنائية لقادة الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا علي أعلي المستويات لا سيما بعدما أفاد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم تعاون إيران كاملا. وأشار إلي تصميمها علي المضي نحو امتلاك القدرات النووية المسلحة.
ستكون إيران حاضرة أثناء اللقاءات الثنائية للقادة العرب مع قادة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن, لا سيما الولايات المتحدة, فالعقوبات المفروضة تتطلب تعاونا كبيرا من جيران إيران في منطقة الخليج, لا سيما دولة الإمارات.
السفيرة الأمريكية لدي الأمم المتحدة سوزان رايس تحدثت هذا الأسبوع عن انتهاكات إيرانية لقرارات مجلس الأمن ليس فقط في النطاق النووي وإنما أيضا في تصديرها للسلاح وفي تطويرها للصواريخ الباليستية.
الديبلوماسية الروسية التي توترت علاقاتها مع طهران ما زالت تسعي لترطيب الأجواء واحتواء الاستياء وهي تسير علي حبل مشدود حرصا علي المصالح الروسية في إيران وصيانة للكرامة الروسية في إطار تلك العلاقة. كذلك الصين ماضية في الإجماع بين الدول الخمس الكبري علي قرار بتشديد العقوبات الذي تبناه مجلس الأمن قبل 3 أشهر, لكنها قلقة علي علاقاتها الثنائية لا سيما أن مصالحها النفطية مقننة مع رجال إيران الأقوياء _ رجال الحرس الثوري الآتين من طهران ويتحدثون عن دولة معطلة داخليا, تسيرها أيديولوجية سوفياتية عقيمة, وتديرها مصالح الصناعات العسكرية, مواردها محدودة, علاقاتها مع جيرتها العربية في أسوأ حالاتها, وهي باتت دولة عسكرية وليس ديكتاتورية يديرها رجال الدين كما يقال.
الآتون من طهران يقولون إن المبدأ الذي يسير الطموحات الإقليمية لحكام إيران العسكريين هو العداء لأمريكا إنما هذا بمفرده ليس عنصرا يؤهل للقيادة الإقليمية أو لصياغة النظام الإقليمي مهما حشد لنفسه أدوات تخريبية, لا سيما أمام الوهن الذي يطوق إيران من الداخل والخارج, عبر حركة المعارضة والإصلاحيين أو من خلال العقوبات.
اللافت بين ما يحمله الآتون من إيران قولهم إن معظم أفراد الشعب الإيراني أصبحوا علمانيين بسبب فشل الدولة المبنية علي الدين. يقولون إن الثورة الإيرانية هي التي جعلت الناس يتحولون الي العلمانية. يقولون إن الإيرانيين اليوم هم أكثر علمانية من الأتراك. وربما هذا صحيح نظرا لنتائج الاستفتاء الأخير في تركيا. يقولون إن هناك مؤشرات علي بدء نهاية الجمهورية الإسلامية في إيران.
بعض كبار المخضرمين في المؤسسة السياسية الأمريكية ارتأي منذ فترة أن لا حاجة للولايات المتحدة لتبني استراتيجية نحو إيران لأن التركيبة الإيرانية في عهد الجمهورية الإسلامية قادرة علي تحطيم الذات بسبب نوعية النظام نفسه. قارن هؤلاء بين النظام في كوبا الذي في وسع الولايات المتحدة تحطيمه في غضون 20 دقيقة لو شاءت, لكنها قررت العكس لأن بقاء النظام الكوبي يؤدي تكرارا إلي تحطيم شرعية الشيوعية في أمريكا اللاتينية. وهكذا إيران. إن فائدة استمرار نظامها بلا استراتيجية مواجهة هو انها مفيدة في مسيرة نزع الشرعية عن الإسلام السياسي. فائدتها أنها مفيدة لبيع السلاح الأمريكي بصفقات لا سابقة لها. مفيدة للإسرائيليين لأنها تمكنهم من إشهار إيران كخطر داهم علي مصيرهم, وبالتالي يتمتعون بالمؤازرة والأموال, والعكس بالعكس. و الحرس الثوري حاجة لاستمرار النزاع العربي _ الإسرائيلي كي يتمكن من رعاية الحروب بالوكالة في العراق وفلسطين ولبنان, وكي يتمكن من التجنيد في صفوفه, علي رغم أن الشعب الإيراني يزداد كرها للقضية الفلسطينية بسبب إقحام النظام بها.
في هذه المرحلة الانتقالية, تم إبعاد الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن الملف الفلسطيني _ الإسرائيلي عبر استئناف المفاوضات المباشرة برعاية أمريكية وبالتنسيق التام مع أقطاب اللجنة الرباعية التي تضم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا إلي جانب الولايات المتحدة. إذا انهارت هذه المفاوضات, سيكون خطر ذلك ليس فقط علي الفلسطينيين وانما أيضا علي الأردن بسبب غايات إسرائيلية وعلي لبنان نتيجة تلاقي اللاعبين الأعداء علي استخدامه كساحة للحروب بالوكالة.
عندما يأتي باراك أوباما إلي نيويورك ويجتمع بالقادة العرب, الأرجح انهم لن يتحدثوا, كأولوية, عن مخاوفهم من تحول لبنان إلي ساحة الحروب بالوكالة, ذلك لأن لكل طرف أولوياته المبنية علي مصالحه القومية. ولأن لبنان السياسي منقسم بصورة جذرية, علي الرئيس الأمريكي وطاقمه التنبه لما يعنيه تحويل لبنان إلي ساحة إشعال الحروب بالنيابة وتأثير ذلك ليس فقط علي لبنان الواقع بين إسرائيل وسورية وانما تأثيره علي الانطباع العام حول السياسة الأمريكية في عهد أوباما. عليه ألا يصبح الرئيس الذي ضحي عمدا أو سهوا ببلد الحرية شبه الوحيد في المنطقة العربية لأنه في صدد الصفقات الكبري أو الصغري مع لاعبين لهم مصلحة في خوض حروبهم بالوكالة علي الساحة اللبنانية.
فإذا كان الرئيس الأمريكي عازما علي معالجة القضية الفلسطينية بعدالة وعلي حل النزاع العربي _ الإسرائيلي, وعلي إقناع إيران بالجزرة وبرزمة الترغيب التي تتضمن ضمانات بقاء النظام فيها, وعلي دفع السودان الي الاستفتاء, وعلي التعاون الدولي ضد القرصنة في الصومال, عليه ألا ينسي ما قد يبدو أنه صغير في الاعتبارات الاستراتيجية.
السودان مهم في معادلات الانطباع كما لبنان والعراق. الرأي العام العربي لن يتقبل فكرة انفصال جنوب السودان ولن يتذكر أن الحكومة السودانية برئاسة عمر البشير هي التي وافقت علي استفتاء الانفصال عام 2005 عندما كانت ضعيفة ومهددة, فأبرمت الصفقة من أجل بقائها في السلطة. لذلك, علي إدارة باراك أوباما أن تكون واعية وجاهزة لشرح الوقائع كي لا تلام علي تقسيم السودان فيما الواقع هو أن خطة الاستفتاء علي مستقبل الجنوب أقرت في عهد جورج دبليو بوش وبموافقة الحكومة السودانية.
هناك جاهزية شبه تلقائية لإلقاء اللوم علي الولايات المتحدة بغض النظر عن الإدارة الجالسة في البيت الأبيض. إدارة باراك أوباما تقع تحت الضغوط الكبيرة لأنها أتت إلي الحكم بتوقعات خارقة ولأنها لم تأت حتي الآن بنتائج خارقة. إنها تحت المراقبة والمحاسبة. وهذا أصعب ما يمكن لأية إدارة أن تجد نفسها فيه: الرقابة والمحاسبة, محليا وعالميا.
قمة مراجعة وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية, والدورة الـ 65 للجمعية العامة مناسبة لجرد الحسابات والتنبه للإفرازات. وما يجدر بالقيادات العالمية, بما فيها القيادات الشرق أوسطية, مراعاته هو أخذ وطأة سياساتها في الحساب وتحمل مسئولياتها في مرحلة حاسمة من تاريخ أمريكي أتي برجل غير اعتيادي اسمه باراك حسين أوباما.
* عن الحياة اللندنية