إنه لشيء جيد أن يتفق المرشحان الرئاسيان علي شيء ما (ناهيك عن اتفاقهما علي موضوع حدث قبل أكثر من عشرين شهرا.) فأثناء المناظرة التي جرت بينهما في الثاني والعشرين من أكتوبر قال كلا المرشحين إن علي الولايات
إنه لشيء جيد أن يتفق المرشحان الرئاسيان علي شيء ما (ناهيك عن اتفاقهما علي موضوع حدث قبل أكثر من عشرين شهرا.) فأثناء المناظرة التي جرت بينهما في الثاني والعشرين من أكتوبر قال كلا المرشحين إن علي الولايات المتحدة الوقوف بجانب المصريين الشجعان الذين نزلوا إلي ##ميدان التحرير## للمطالبة بخلع مبارك. وفي الواقع, كان ذلك موقف الرأي العام الأمريكي الذي أيد الثورة في مصر بهامش ضخم قدره 82 مقابل .11 تري من سيرغب في خوض الانتخابات باتخاذه مواقف مضادة لما تعكسه هذه الأرقام؟
بيد أن أيا من المرشحين لم يذكر سياسة واضحة المعالم تجاه مصر ما بعد مبارك. (ولعل هذا هو انعكاس لتردد الأمريكيين أنفسهم في اتخاذ مواقف تجاه مصر التي تتمتع بتأييد متوسط بين الجمهور الأمريكي يبلغ 47%). وبدلا من ذلك, اعتنق المرشحان مجموعة متطابقة فعليا من المبادئ التوجيهية – فقد اتفقا بأنه ينبغي علي الحكومة المصرية الجديدة الحفاظ علي حقوق المرأة وحماية الأقليات الدينية والعمل كشريك في جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية – لكنهما لم يوضحا كيف سيتعاملان مع رفض الإسلاميين المصريين لهذه القضايا. وفي هذا السياق, تشرط المسودة الأخيرة من الدستور المصري مساواة المرأة بالتزامها ##بأحكام الشريعة الإسلامية##, كما صرح الإسلاميون بأن هذا قد يضفي صيغة شرعية علي زواج الفتيات القاصرات – ربما في سن التاسعة. فهل سيستخدم أوباما أو رومني المعونة الأمريكية لمصر كوسيلة ضغط لحماية الفتيات المصريات من هذا المستقبل المروع؟
لا يفترض حدوث ذلك بالاستناد علي المناقشة الليلية بينهما. وبالنسبة لرومني فإن المساعدات الاقتصادية تعد وسيلة لمنع تدفق المتطرفين, لأنه بدون التنمية الاقتصادية ##سوف تري تنظيم القاعدة يتقدم بخطي حثيثة كما ستري الجماعات الجهادية الأخري تتصدر المشهد##. وبالنسبة لأوباما فإن الغرض من الدعم الاقتصادي هو مساعدة المصريين علي تحقيق طموحاتهم, ##المشابهة لطموحات الشباب هنا## ألا وهي: الوظائف والإسكان والتعليم. وبمعني آخر, يري كلا المرشحين المساعدات الاقتصادية مكونا مهما في تحقيق مستقبل معتدل سياسيا ومستدام اقتصاديا بالنسبة للمصريين. وكما يقال, إمنح المساعدات الآن وإجني الثمار في وقت لاحق – وربما في وقت لاحق جدا.
بيد أن المشكلة في هذا النهج تكمن في تجاهله لما يفعله قادة مصر الإسلاميين في الوقت الحالي. فبالإضافة إلي الفقرة التقييدية لحقوق المرأة, فإن مسودة الدستور الجديد تنكر الحرية الدينية للشيعة والبهائيين.( في وقت سابق من هذا الشهر أخبرني أحد القادة البرلمانيين في جماعة الإخوان المسلمين بأن ##البهائيين مجموعة منغلقة جدا بعيدة كل البعد عن الإسلام##, بتبريره حرمان البهائيين من الحماية الدستورية). وفي الوقت نفسه لا يزال النظام القضائي المصري ينظر دعاوي التجديف, كما تم مؤخرا الحكم علي مذيع تليفزيوني كان قد انتقد الرئيس المصري محمد مرسي بالسجن لمدة أربعة أشهر. وفي الواقع يرسخ مرسي نفسه باعتباره الحاكم القوي القادم لمصر: فقد استولي علي السلطة التشريعية والدستورية من خلال الإجراءات التي اتخذها في أغسطس, وقد تردد بأنه يفكر بفرض قانون طوارئ جديد ينافس قانون الطوارئ الذي فرضه مبارك.
إن اتجاهات سياسة مصر الخارجية هي الأخري تبعث علي القلق. وقد تباطأ الجيش المصري في الرد علي الإرهاب في شبه جزيرة سيناء غير المستقرة, حيث قد يعمل تنظيم القاعدة علي إنشاء موطئ قدم له هناك, وكان قد وقع هجوم هناك في أغسطس أسفر عن مقتل 16 جنديا مصريا. وفي غضون ذلك, وعقب هجوم 11 سبتمبر علي السفارة الأمريكية في القاهرة, انتظر الرئيس مرسي يومين كاملين قبل أن يتحدث, كما أن الأحزاب السلفية, التي تمثل أكبر تحد سياسي لـ جماعة الإخوان المسلمين, قد شجعت الشباب المصري علي الكفاح من أجل ##الجهاد## في سوريا.
وبمعني آخر, تنحدر مصر بالفعل باتجاه ذلك النوع من التطرف الذي يريد الحاكم رومني – وبحق – منعه, وسوف يعمل هذا علي تكبيل الازدهار الاقتصادي الذي يأمله الرئيس أوباما – وبحق – لمصر. ولهذا يجب علي الرئيس القادم أن يعمل علي كسر هذه الاتجاهات بأسرع ما يمكن — قبل أن تتأصل وتزداد صلابة.
إن المساعدات الاقتصادية الأمريكية – التي تقدر حاليا بنحو 250 مليون دولار أمريكي – تعد وسيلة أخري يمكن استخدامها تحقيقا لهذه الغاية, كما أن التأثير الكبير للولايات المتحدة علي المنظمات الاقتصادية الدولية مثل ##صندوق النقد الدولي## – الذي تسعي مصر للحصول علي قرض منه يبلغ 4.8 مليار دولار – هو أداة أخري. وعلي وجه التحديد, يمكن للإدارة الأمريكية القادمة أن تشرط المساعدات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لمصر بتعزيز التسامح في الداخل ودعم العلاقات السلمية في الخارج. إن إرسال الأموال إلي مصر ببساطة بهدف تشجيع التنمية الاقتصادية – وبالتالي الاعتدال السياسي – لن يحقق الغاية المنشودة بطريقة سحرية. بل إن إرسال هذه المساعدات سوف يؤكد للإسلاميين في مصر أنهم لن يواجهوا أية تبعات بسبب تطرفهم, ويمنعهم من اتخاذ القرارات الصعبة التي قد تدفع بهم نحو الاعتدال.
إن استخدام المساعدات كوسيلة ضغط ليس سياسة جيدة فحسب, لكنه منهج سياسي جيد أيضا. ووفقا لاستفتاء أجراه ##معهد جالوب## في يناير 2011, يؤيد 59% من الأمريكيين قطع المساعدات الخارجية, بما في ذلك أغلبية بين صفوف الجمهوريين والديموقراطيين علي حد سواء. فالأمريكيون ليسوا متحمسين لإرسال الأموال إلي الخارج – وسيكونون غير متحمسين علي وجه خاص لإرسال أموال دافعي الضرائب إلي دول تطبق النهج الثيوقراطي بدلا من النهج الديموقراطي.
وبطبيعة الحال يري كلا المرشحين أن المصالح الأمريكية في مصر هي أكثر شمولا من مجرد الحفاظ علي معاهدة السلام مع إسرائيل, تلك المعاهدة التي اعتبرها أوباما خلال المناظرة التي جرت في الثاني والعشرين من أكتوبر بأنها ##خطا أحمر##. (وبالمناسبة فإن هذه هي سياسة جيدة ومنهج سياسي جيد علي حد سواء: فلدي الولايات المتحدة مصلحة في السلام الإقليمي, كما تتمتع إسرائيل بنسبة تأييد قدرها 71%). ولكن بما أن كلا من أوباما ورومني يعتبر المصالح الأمريكية في مصر بأنها أكثر شمولا من مجرد الحفاظ علي المعاهدة, كان بإمكان كلا المرشحين أن يستفيدا من توضيح كيفية تحقيق تلك المصالح.
ذي آتلنتيك