خلال الشهور القليلة الماضية, والتي عكف فيها أوباما وفريقه للأمن القومي علي التخطيط الدقيق للغارة الجريئة والخطرة في آن, التي وضعت نهاية لحياة بن لادن زعيم تنظيم ##القاعدة## في مدينة أبوت آباد في باكستان يوم الأول من مايو الحالي… كانت لخصومه الجمهوريين أولويات أخري, عندما انشغلوا في الحديث بصوت عال عما إذا كان الرئيس قد ولد في الولايات المتحدة أم لا. وذهب الجمهوريون للقول إنه إذا ثبت أن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة فإنه يصبح في هذه الحالة غير لائق لأن يصبح رئيسا بموجب نصوص الدستور الأمريكي نفسه. ونشر الجمهوريون إشاعات منها واحدة تقول إن إحدي زوجات جد أوباما التي تعيش في كينيا -البلد الذي ينحدر منه والده- تعتقد أنه (أوباما) قد ولد في كينيا وليس في الولايات المتحدة. ووصلت هذه الحملة الجمهورية التي أطلق عليها ##حملة بيرثر## إلي ذروتها عندما أعلن الملياردير ##دونالد ترامب##, المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة القادمة, أن لديه فريقا يحقق في هذا الموضوع, وأنه سيعلن عما قريب عن معلومات مثيرة توصل إليها.
ولوضع حد للنقاش العام الذي أدت إليه هذه الحملة, قام أوباما بنشر صورة من شهادة ميلاده الأصلية في 27 أبريل معلنا أنه قد ولد في هاواي, موقفا بذلك, جميع المحرضين -باستثناء الأكثر تعصبا منهم- عن استخدام هذا الموضوع ضده مرة أخري. لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للبعض من خصوم أوباما الجمهوريين مثل##ترامب## الذي طلب من أوباما إبراز شهادته الجامعية وشهادة استكماله للدراسة الثانوية والدرجات التي حصل عليها في المرحلتين, لأن هناك افتراضا مؤداه أن تلك الدرجات لم تكن مرتفعة إلي الحد الذي يسمح له بالالتحاق بكلية الحقوق في جامعة مرموقة تعد من جامعات النخبة في الولايات المتحدة مثل ##هارفارد##. وترامب يريد من خلال هذا الطلب التلميح إلي أن أوباما قد تلقي معاملة خاصة بسبب أصله العرقي وأنه من دون ذلك لم يكن ليستطيع الالتحاق بهارفارد.
بعد الجدل الذي أثارته هذه الحملة, جاء موضوع قتل بن لادن من خلال عملية جريئة ومباغتة في باكستان, وسيل الدعم الذي انهمر علي الرئيس, الذي ارتفعت معدلات شعبيته بين ليلة وضحاها, مما أدي إلي دفن السخافات التي ارتكبها الجناح اليميني من الجمهوريين بحقه, في الوقت الراهن علي أقل تقدير. لكن توقعي أنه بعد مرور بعض الوقت, سوف تعود الحملة الرامية لشيطنة أوباما قريبا لسابق عهدها, مع تكثيف الجمهوريين لجهودهم الرامية لاختيار مرشح قادر علي تحدي أوباما في الانتخابات الرئاسية القادمة عام .2012
ومع ذلك, لاشك أن مهمة القضاء علي بن لادن قد حققت شيئين في غاية الأهمية للرئيس: الأول, أنها بددت الفكرة القائلة بأنه لا يصلح ##كرئيس حقيقي لزمن الحرب##. فحقيقة أنه كان علي استعداد لتحمل مخاطر هائلة, من خلال التفويض بتنفيذ العملية, أكسبه من دون شك الثناء من بعض أشد خصومه عداوة, ومنهم علي سبيل المثال نائب الرئيس السابق ديك تشيني الذي أدلي بتصريح قال فيه إن ##أوباما يستحق التقدير## علي ما قام به. الثاني, أن العملية قد عززت من السمعة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية كقوة عسكرية كبري. فعلي الرغم من الانتقادات التي تعرضت لها من جانب بعض الدول حول أن قتل بن لادن كان عملا غير قانوني, بما في ذلك, كما هو متوقع, بعض الشكوي والأنين من جانب الانتلجنسيا اليسارية في أوروبا, إلا أن الغالبية العظمي من الأمريكيين أيدت العملية تأييدا كاسحا. كان هناك مرة أخري ذلك الإحساس بالفخر بسبب الاحترافية العالية التي أظهرتها الوحدة الأمريكية التي قامت بتنفيذ العملية, وهي احترافية نسبت للقوات المسلحة الأمريكية بأسرها بطبيعة الحال.
والمفارقة الساخرة في هذا السياق, هي أن تلك العملية يمكن أن تؤدي للتعجيل بتنفيذ خطط انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان, وهي التي كانت قد دخلت هذا البلد من أجل القضاء علي تنظيم ##القاعدة## وحكومة ##طالبان## التي كانت توفر له الملاذ. وأي تخفيض لعدد القوات الأمريكية في أفغانستان سوف يساعد بدوره علي تخفيف حدة التوتر الذي اشتد في الفترة الأخيرة بين الولايات المتحدة وباكستان التي تشعر بالغضب الشديد لقيام واشنطن بتنفيذ العملية دون إخطارها مسبقا بذلك وهو ما تراه انتهاكا صارخا لسيادتها علي أراضيها.
وعلي الرغم من أن الاقتصاد هو الذي سيحسم فرص إعادة انتخاب أوباما في الانتخابات الرئاسية القادمة, إلا أن الشيء الملاحظ هو أن الأمريكيين باتوا ينظرون إلي أوباما علي أنه رجل جدير بلقب القائد الأعلي للقوات المسلحة الأمريكية. وبالنسبة لرئيس لا يزال حزبه مسكونا حتي الآن بإرث السيناتور السابق ##جورج ماكجفرن## الذي خاض سباق الرئاسة ضد ريتشارد نيكسون, وتعرض لخسارة فادحة بسبب موضوع فيتنام, ولا يزال كذلك مسكونا بالأداء الضعيف لإدارة جيمي كارتر خلال السنوات من 1976 إلي1980, فإن ذلك النظر إلي أوباما علي أنه قائد أعلي جدير للقوات المسلحة, يعد تطورا مهما للغاية.
إن الديمقراطيين مطالبون دوما عندما يتعلق الأمر بموضوع الأمن القومي, بإظهار أنهم لا يقلون خشونة عن الجمهوريين. في بعض الحالات تكون تلك المحاولة من جانب الديموقراطيين خطرة. فمع أن الشيء الذي لا شك فيه هو أن أوباما قد قامر بمستقبله السياسي عندما قدم, في أجندته الخاصة بالسياسة الخارجية, الحرب علي الإرهاب علي الحرب في العراق, إلا أن تلك المقامرة تلوح الآن كمقامرة تستحق من الرئيس أن يقوم بها.
نيويورك تايمز