هذا الذي لم تلد النساء أعظم منه, وهو الذي سجد للمسيح وهو بعد في بطن أمه.
الله الذي وعد من خلال الملاك يفي بوعده لزكريا واليصابات وللبشرية أيضا. فالبشارة بحبل اليصابات اكتملت اليوم بولادة يوحنا, والفرح الذي غمر قلبها عم قلوب الأقارب والجيران, لأنهم اكتشفوا حنان الله لهما من خلال الطفل يوحنا وهذا الحنان ربما لم يعرفوه من قبل, من هنا معني الاسم وهو يعني ##الله تحنن##.
ولم يتحنن الله علي اليصابات و زكريا فقط, بل تحنن علي الجماعة التي طال انتظارها فأعطي هذا الطفل أهمية ودورا في التهيئة لمجيء المخلص. فهذا الطفل سيكون الإصبع الذي سيدل علي المسيح, وسيكون الصوت الصارخ في البرية: ##… أعدوا طريق الرب##.
دون اتفاق سابق, اتفق زكريا واليصابات علي اسم يوحنا لوليدهما وكان هذا من الروح القدس الذي قاد كليهما. ولأن زكريا كان تقوده الروح القدس انفتح فمه وتكلم لسانه, بل وتنبأ عن المسيح وعن ابنه يوحنا.وهنا نري انه بقيادة الروح القدس صار لزكريا ولزوجته فكر واحد. ويمكننا أيضا أن نقول حين يتسلم روح الرب قيادة حياتنا تنسجم فينا اليصابات مع زكريا في الفكر والعمل, أي ينسجم الجسد (اليصابات) مع النفس (زكريا) ليعملا معا بفكر واحد مقدس. وهكذا نمتلئ من الروح القدس يكون لنا جميعا الفكر الواحد, ويمتلئ فمنا تسبيحا وفرحا.فحينما ننعم بحنان الله ينفتح فمنا الداخلي, وينطق لساننا بتهليل, نبارك الرب لا بكلمات بشرية إنما بقوة الله و بهبة منه.والمؤمن الحقيقي خلال تلامسه مع الله يحمل فرحا وبهجة, وتتحول حياته كلها إلي فم داخلي مسبح ,هذا التسبيح يهز السمائيين طربا ويحطم عدو الخير, وكأن قوة الله تتجلي فيه.
تتبين شخصية يوحنا ورسالته من اسمه وألقابه: هو يوحنا السابق, والمعمدان, وإيليا الجديد, والأكثر من نبي.
يوحنا اسمه, كما أعلنه الملاك لزكريا وأراده أبوه وأمه. بالعبرية يهو- حنان, أي الله رحوم. تجلت رحمة الله عبر الوعود وتحقيقها و استمراريتها. وتعني أمرين متلازمين, حسب اللفظتين العبريتين في الكتاب المقدس: الأول, أمانة الله لذاته (حسد) أي إن محبة الله لشعبه وللإنسان شديدة خارقة تتغلب علي الخطيئة والخيانة; الثانية, محبة الله الفريدة المجانية (رحاميم). هذه اللفظة تعني في الأصل محبة الأم (الرحم أو حشي الأم ) الناشئة عن الرباط الوثيق الأصيل الذي يشد الأم إلي طفلها. إنها مشاعر الطيبة والحنان وطول الأناة والشفقة.
وهو السابق, للدلالة أن يوحنا يسبق المسيح, مخلص العالم, فيعد له الطريق في القلوب والعقول: بالكرازة عن اقتراب الملكوت, داعيا إلي التوبة والارتداد إلي الله بتغيير الذهن, وداعيا إلي انتظار شخص آخر أقوي منه. وهو السابق ليسوع بشهادة الدم وقطع الرأس دفاعا عن الحقيقة.
وهو المعمدان, وقد أعلن يوحنا عن نفسه أنه يعمد بالماء للتوبة. أما الذي يأتي بعده, وهو أقوي, فيعمد بالروح القدس والنار (متي 11/3). معمودية يوحنا بالماء هي علامة رمزية فقط. أما معمودية يسوع بالروح القدس فهي علامة تفعل التقديس بالنعمة الإلهية. بهذه الممارسة كان يوحنا يهيئ القلوب بالتوبة لقبول نعمة الروح القدس التي تقدس وتبدل وتشفي, وقد أفاضها المسيح من موته وقيامته.
دعوتنا اليوم عزيزي القارئ هي أن نختبر حب الله في الصمت, ونتوقف في حياتنا عند العلامات التي تسعفنا في مسيرتنا لنتحرر من كل العوائق ونثبت في خدمتنا, طالبين من الله سيد الحياة أن يحررنا من أخطائنا ولتبقي يده دوما معنا . آمين.