كان الهجوم علي القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي بليبيا تذكيرا صاعقا جعل الجميع يدرك أن العالم لا يزال مكانا خطيرا جدا للعيش. لم تكتمل بعد المعلومات حول حيثيات الهجوم العنيف علي القنصلية الأمريكية الذي نجم عنه موت
كان الهجوم علي القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي بليبيا تذكيرا صاعقا جعل الجميع يدرك أن العالم لا يزال مكانا خطيرا جدا للعيش. لم تكتمل بعد المعلومات حول حيثيات الهجوم العنيف علي القنصلية الأمريكية الذي نجم عنه موت السفير ##كريس ستيفنز## وثلاثة أمريكيين آخرين. وفي نهاية الأسبوع الماضي, رددت ##سوزان رايس##, سفيرة الولايات المتحدة لدي الأمم المتحدة, أن الهجوم كان عفويا, وأنه تمخض عن المظاهرات التي كانت تندد بالفيلم المسيء للإسلام.
لكن تبقي هناك مؤشرات تبين أن الهجوم كان منسقا ومدبرا, ولا أدل علي ذلك من كون خطوط إطلاق النار كانت تطوق المكان بإحكام. ويبدو منذ البداية أن المهاجمين كانت لديهم معلومات عن تصميم مبني القنصلية من الداخل, وعن وجود بيت آمن داخلها. وهذا يعني أن المكان كان يخضع لمراقبة متواصلة سبقت شن الهجوم. ما يطرح علامات استفهام جدية في شتي الاتجاهات حول عمليات الاستخبارات الأمريكية. فالولايات المتحدة الأمريكية تدير 16 وكالة استخبارية مختلفة بميزانية تقدر بأكثر من مائة مليار دولار, علما أن الرقم الحقيقي يبقي طبعا سجين أدراج مكاتب الاستخبارات السرية للغاية.
ومنذ صدور تقرير اللجنة المنتدبة لتقييم هجمات الحادي عشر من سبتمبر, رصدت الحكومة الأمريكية ميزانية ضخمة لتعزيز فاعلية استخباراتها من أجل حماية مصالحها في الداخل والخارج. وتبقي وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي أبرز هذه الوكالات الاستخباراتية. فوكالة المخابرات المركزية تستخدم مواردها البشرية والإلكترونية من أجل المراقبة. ووكالة الأمن القومي تنشط أكثر في الفضاء الإلكتروني لقطع الطريق علي عمليات الاتصال التي من شأنها تهديد الأمن الداخلي. وكلتا الوكالتين توظفان جيوشا من المحللين همهم الوحيد هو غربلة كافة المعلومات والبيانات التي يتم جمعها, ووضعها تحت المجهر للتكهن بمصدر التهديدات المحتملة المقبلة.
وعند توجيه أي انتقاد لهذه الوكالات, فإن أول رد تتلقاه من مسئولي الاستخبارات هو أنه يستحيل التنبؤ بدقة ودوما بكل عملية قد تستهدف المصالح الأمريكية في العالم. كما أنهم سيقولون لك إن الوظيفة الأساسية للاستخبارات تكمن في توفير العناصر العملياتية في كل بيئة, أو ما يصطلحون عليه ##الإدراك الوجودي## أو ##الوعي السياقي##, وذلك حتي يتسني تطبيق الموارد الأمنية المتاحة بفعالية.
ولكن يجدر بنا أن نتساءل والحال هذه عما إذا صدرت إنذارات وإشارات تحذيرية قبل نشوب العنف حول القنصلية, وعن الذي حدث في دولة لا تزال حكومتها تتخبط في اضطراباتها الداخلية, وفي منطقة تعيش ظروفا سياسية غير مستقرة بالمرة, وفي ذكري هجمات الحادي عشر من سبتمبر!
ولا بد من الإشارة أيضا إلي أن ##الربيع العربي## ترك العديد من الحكومات في وضع ضعيف ومترهل جعلها تفقد القدرة علي صد أي هجمة من عمليات ما تبقي من فلول تنظيم ##القاعدة##.
ونحن ندرك جميعا أنه علي الرغم من كون الولايات المتحدة نجحت في استئصال رأس حربة هذا التنظيم, فإن عناصر ##القاعدة## تبحث يائسة عن تحقيق أي نصر ملموس عبر الهجوم علي الولايات المتحدة الأميركية. وفي بيئة كهذه, لا يجب لأميركا أن ترمش ولو طرفة عين!
وقد أصبح حريا بنا بعد ما حصل أن نراجع استراتيجياتنا الدبلوماسية, وننظر ما إذا كنا قد خفضنا عن وعي أو لاوعي من تدابير سلامتنا وقدرات الاستجابة لحراس أمن سفاراتنا. وفي جميع الحالات تقريبا, تعمل الاستخبارات والأمن جنبا إلي جنب, وتنسقان تعاونهما في كل شيء.
صحيح أن حكومات الدول التي تستضيف سفاراتنا تتحمل مسئولية حمايتها, لكن هذا لا يعفينا من التساؤل عما إذا كانت الموارد المسخرة لحماية أمن أي سفارة أو قنصلية كافية, وما إذا كانت تستخدم علي نحو سليم. فنحن مطالبون في الواقع بالقيام بتقييم مستمر لنتبين ما إذا كان إدراكنا للتهديدات الصادرة من دول الشرق الأوسط والمخاطر المحدقة بها تتناسب مع مستوي القدرات الأمنية التي نوفرها لطاقم موظفينا الدبلوماسيين. ونحن مطالبون أيضا أن نفكر بواقعية في طموحاتنا بخصوص عملياتنا الاستخباراتية.
ولعل أكثر شيء نحن مطالبون به هو التزامنا بتسخير الموارد اللازمة من أجل حماية دبلوماسيينا وموظفي تمثيلياتنا الخارجية جميعهم. فتكلفة الدبلوماسية الأمريكية لا ينبغي أن تشمل بأي حال من الأحوال أرواح مواطنينا.
محلل أمريكي متخصص في شؤون الأمن القومي
إم. سي. تي. انترناشونال