الطلاق كارثة..تزيد مراراتها حرمان أحد الأبوين من رؤية أطفالهما…بل تحصد الجدات والأجداد نصيبهم من طلاق أحد الأبناء مرارة عندما يحرمون أيضا من رؤية الأحفاد.
قانون الرؤية القائم منذ عام1929به العديد من الثغرات التي تكدر الطرف غير الحاضن سواء كان الأب أو الأم.
بدون انحياز للرجل أو المرأة وإعلاء لمصلحة الطفل مع الأخذ في الاعتبار كل من مشاعر الأبوة والأمومة,نطرح المشكلة خاصة أن الصراع علي الأطفال داخل المحاكم يكون مجرد انتقام أعمي وتصفية حسابات بين الوالدين المطلقين.
*يقول المهندس أشرف عبد المسيح:منفصل عن زوجتي منذ خمس سنوات,ولم أر ابني الوحيد إلا برفع قضية رؤية,وللأسف قليلا ما تلتزم الأم بميعاد رؤية الطفل البالغ من العمر8سنوات,فكل ما عليها هو مطالبتي بنفقة شهرية وابتزازي ماديا كمصاريف للولد بمتوسط 650جنيها.
*تستغيث جدة محرومة من رؤية حفيدها منذ ما يقرب من ثلاث سنوات دون ذنب اقترفتة,سوي وجود قانون ينزع منها هذا الحق فتقول الجدة:ماذا أفعل؟!.
*كما يذكر محمود عبداللهإن ما يحدث ما هو إلا انتهاك لحقوق طفلتي وعمرها 11عاما أولا وأخيرا قبل ما يكون انتهاكا لحقوقي,خاصة بعدما حدث في تعديلات قانون الطفل وتحديدا في المادة رقم54 لسنة2008 بإسقاط الولاية التعليمية للطفل عن الطرف غير الحاضن,ومنحها للطرف الحاضن.
وتشير إحدي السيدات الحاضنات (رفضت ذكر اسمها)أن السبب في عدم التزامي بميعاد رؤية طفلتاي لأبيهما هو الخوف من خطفهما والهرب بهما مثلما حدث من قبل,بعدما خطف طفلتي الصغري من المدرسة إلي أن عثرت عليها.
وتعبر(م.ع) طفلة عمرها10سنواتكان نفسي أعيش مع بابا وماما في بيت واحد زي أصحابي في المدرسة والنادي لكن أنا لاقيت نفسي كده عايشة مع ماما وبشوف بابا ساعات,وأنا مش عارفة أرضي مين ولا مين كل واحد فيهم بيحاول يشدني ليه علي حساب التاني!!.
الضمير..أولا وأخيرا
يقول د.غريب عبد السميع-أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان إن المشكلة لم تكن في قانون الرؤية ذاته,وإنما في تنفيذه من قبل الطرفين(آباء وأمهات)خاصة أن لدينا ثقافة عامة بأن العلاقة بين الزوجين بعد الانفصال تصبح متردية للغاية,مليئة بالمشاحنات والمهاترات دون مراعاة لوجود أبناء بينهما,فمن يصدق أنه إذا أراد أب رؤية طفله الذهاب لمدرسته من وراء والدته,أو انتظار أم من بعيد لرؤية طفلها.وهنا يبقي الضمير هو الفاصل الوحيد في هذه المسألة وليس القانون بوضعه الحالي,الذي يشوبه شبهة تحيز للمرأة لكون نسبة الحاضن للطفل تأتي لصالح المرأة.
ويؤكد د.سمير عبد الفتاح-أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس:تأثر الطفل نفسيا لحظة انهيار الأسرة لتبدأ المأساة الحقيقية فيما بعد حينما يصبح شخصا سلبيا,انطوائيا,منعزلا عن مجتمعه نتيجة لفقدانه وحرمانه أحد الطرفين.
وفي الواقع هذه هي مشكلة 7ملايين طفل يخضعون لأحكام قانون الرؤية نظرا لازدياد عدد حالات الطلاق عاما بعد عاما.
تري ما ذنب هؤلاء في قرار الانفصال ليصبحوا حلقة الصراع بين الوالدين؟! وهل من حلول؟.
القضية عمرها80عاما
يذكر د.رشدي شحاتة-أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة حلوان أن القضية عمرها80عاما حينما صدر قانون الرؤية رقم25لسنة1929,ورغم تغير الزمن وتطور شكل الحياة والمشاكل التي طرأت عليها لم يتم تعديل القانون أو حتي الالتفات إليه وسط حزمة التعديلات القانونية والدستورية التي تمت في الآونة الأخيرة رغم الثغرات التي تشوب ذلك القانون,وتحديدا في المادة عشرين دون أن يتحرك أحد,ومنها قصر مدة الرؤية للطرف غير الحاضن سواء للأب أو للأم علي حد سواء لثلاث ساعات أسبوعيا بإجمالي 6 أيام في العام,أي بمعدل 3أشهر خلال 15عاما.
وهذا بالتأكيد ظلم وقهر لطرف علي حساب طرف آخر.فأي عقل يصدق هذا؟!!, أو أي بشر يقبل بأن تختزل علاقته بطفله في 3ساعات أسبوعية فقط,ومن ثم نطالبه بإقامة علاقة متوازنة نفسيا واجتماعيا مع طفله ليجعل منه شخصية سوية.
حرمان الطفل من أهله..جريمة
ويضيف د.شحاتة أن من سلبيات القانون أيضا اقتصار الرؤية للشخص غير الحاضن فقط لا غير دون اصطحاب أحدا من الأقارب أو الأهل,وإذا ما خالف ذلك يعد إخلالا بالقانون,يؤدي إلي حرمانهم من رؤية الجد أو الجدة أو العم أو العمة أو الخال أو الخالة الطفل ,وهذا من شأنه قطع صلة الأرحام ليخلق جيل من الأبناء لا يعلمون شيئا عن أقاربهم,ولو حتي بالشكل,إلا في حالة وفاة الطرف غير الحاضن هنا فقط يسمح للأكبر سنا حق الرؤية وليكن الجد أو الجدة,وذلك في أماكن مغلقة خاضعة لتنفيذ حكم الرؤية,محددة بعينها,وهي إما في نوادي أو حدائق عامة,أو في مراكز شباب أو مراكز رعاية أمومة وطفولة, بحجة أنها أماكن ذات حرس أمني كل ذلك يضع الطفل في ظروف أخري غير ما كان من المفترض أن يعيشها,الأمر الذي يستوجب معه إيجاد قانون عادل ومنصف لمصلحة الطفل نفسيا واجتماعيا من خلال تعديل قانون الرؤية وإحلاله بالاستضافة,أيضا تغيير قرار وزير العدل رقم1087 لسنة2000, الخاص بالرؤية خاصة أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تطبق ذلك القانون مقارنة بباقي الدول العربية والأجنبية رغم إقرار القانون الدولي وفقا لاتفاقية جينيف الصادرة في عام 1989-والموقعة عليها مصر- ونصها بأن: علي الدول الأعضاء الموقعة علي الاتفاقية مراعاة كافة التدابير التشريعية والأدبية التي تراعي مصلحة الطفل,وفي بنود أخري يجب علي الدول الأعضاء أن تحافظ للطفل علي العلاقات المشتركة بين الأبوين,وهذا يعني أن تغيير قانون الرؤية يصبح طلبا ملحا لإقامة علاقات مستمرة مع الأبناء من خلال قانون الاستضافة في المنزل للطرف غير الحاضن مدة يوم كامل أسبوعي-وليكن يوم عطلته الدراسية-وأسبوع كامل في إجازة نصف العام,وشهر بأكملة في إجازة آخر العام مثل باقية الدول المطبقة لهذا القانون من منطلق حقها في الرعاية والإرشاد وإقامة علاقات مستمرة دون توظيف الطفل كأداة تلاعب أو مساومة بين الطرفين.
فليس المقصود بالرؤية هي المشاهدة,وإنما المعايشة الحقيقية. فالمسألة ليست زيارة لنادي أو حديقة وإنما حق الاتصال والتواصل .
مد سن الحضانة..المشكلة الأكبر
ويتفق مع الرأي السابق د.محمد منيب -المحامي والناشط الحقوقي مضيفا أن مد سن الحضانة إلي15عاما بالنسبة للفتاة-وإجازته إلي أن تصل لسن الزواج-و15سنة للفتي-ويمكن مد الفترة إلي21 سنة -هو السبب الرئيسي في ظهور مشكلة الرؤية علي السطح,لكونه تهميش لدور الطرف غير الحاضن في العملية التربوية,والتي كان ينقل الطفل إليه بانتهاء فترة الحضانة.لذا علينا بالتعجيل لتعديل القانون واستبداله بالاستضافة لنشأة الطفل في بيئة صالحة آمنة نفسيا واجتماعيا,فإننا نحرص علي إيجاد قانون يعيد صياغة العلاقة بين الزوجين المنفصلين بأطفالهم في جو ملائم يسوده مودة ورحمة.
وللقضاء علي المخاوف والهواجس من تطبيق قانون الاستضافة حيث خوف الطرف الحاضن من هرب الطرف غير الحاضن بالطفل أو التأخير به أو عدم عودته له يمكن حل هذه المشكلة بوضع ضوابط وشروط,كمن توقع عقوبة جنائية علي الطرف غير الحاضن عند الإخلال بما يقره القانون.