أعدت وزارة الصحة مشروعا جديدا للصحة النفسية,وتم تقديمه للبرلمان,ومن المنتظر إقراره في الدورة الحالية,بعد أن وافق عليه مجلس الشعب من حيث المبدأ,ويري متخصصون في الصحة النفسية أن مشروع القانون مقارنة بالقانون الحالي يتضمن دون شك مزايا عديدة,ويحتوي بالفعل علي العديد من النصوص التي تسعي إلي مراعاة المعايير الحديثة في التعامل مع المرضي النفسيين ومع قضايا الصحة النفسية من منظور حقوقي,وفي تلافي المشكلات التي واجهت القانون الحالي.
في حين شكك آخرون في نوايا الحكومة من تعديلات قانون الصحة النفسية الجديد,وأكدوا علي رغبة الحكومة في تمرير القانون لأنه يخدم مصالح خاصة غير مصلحة المرضي,مؤكدين صعوبة تطبيق القانون علي أرض الواقع.
وطني حاولت التعرف علي آراء المتخصصين في هذا الشأن للتعرف علي إيجابيات وسلبيات القانون المنتظر إقراره من خلال هذا التحقيق.
الحقوق…والنوايا
أكد د.حاتم الجبلي وزير الصحة أنه بعد الانتهاء من إقرار قانون الصحة النفسية الجديد,سيتحقق ضمان حصول المريض النفسي والطبيب والمجتمع علي حقوقهم,وأنه من مميزات القانون الجديد,تدعيم اللامركزية بواسطة إنشاء مجالس إقليمية للصحة النفسية,وتسهيل إجراءات دخول وخروج المرضي النفسيين لتحقيق أقصي استفادة ممكنة من الإمكانيات المتاحة,كذلك اعتماد حقوق الإنسان بوجه عام,وحقوق المريض النفسي بوجه خاص,كمرجع أساسي في صياغة كل أحكام القانون.
أشار د.الجبلي إلي أن إنشاء صندوق للصحة النفسية,يوفر الدعم المادي لتنفيذ القانون,ويحصل علي معظم موارده من المستشفيات الخاصة دعما للعدالة الاجتماعية,فضلا عن الالتزام بالمعايير الطبية العلمية بها عالميا في شأن مدد إدخال المرضي وطرق علاجهم.
المهم تطبيق القانون!
من جانبه أكد د.ناصر لوزا أمين عام الصحة النفسية بالوزارة أن الغرض من القانون أن يمتد إلي جميع المستشفيات النفسية,بما يضمن التأكد من تطبيق الإجراءات القانونية الصحيحة حول دخول المرضي طوعا أو ضد إرادتهم,وذلك بتغيير الوضع الحالي,الذي يفرض سلطة القانون علي عدد محدود من المستشفيات,وهو الأمر الذي سمح بإدخال المرضي لا إراديا دون التقيد بالقانون,مما أدي إلي وجود وضع أصبحت فيه كل حالات الدخول اللا إرادي تسجل تحت مسمي الدخول الإرادي دون مراقبة أو محاسبة,مؤكدا أنه سيتم تشكيل مجالس للصحة النفسية بالمحافظات مما يدعم اللامركزية في العلاج,بالإضافة للاهتمام بالأقاليم لتواجد المستشفيات الخاصة بالصحة النفسية في القاهرة والإسكندرية,وأكد أن القانون سينتج عنه مجلس قومي للصحة النفسية لضمان حقوق المرضي النفسيين بصورة عامة,وبالأخص عند إدخالهم المستشفيات أو علاجهم ضد إرادتهم,وهو علي عكس الموجود حاليا.
كما أن القانون أدخل نظاما جديدا سمي بنظام الأوامر العلاجية,وهو النظام الذي يسمح بعلاج المرضي إلزاميا في المجتمع بعد خروجهم من المستشفي,والذي من شأنه التقليل من انتكاسة المريض,وبالتالي عدم عودته للمستشفي مرة أخري,وهو ما يضمن سلامة المجتمع دون الضغط علي الطاقة الاستيعابية للمستشفيات النفسية.
تقييد حرية المريض
من ناحية أخري قالت عايدة سيف الدولة أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس إن القانون معني بالمرضي النفسيين في المستشفيات الحكومية وما تعانيه هذه الفئة من معاملة قاسية في المستشفيات الحكومية,وأشادت بالباب الثاني في القانون الذي يتضمن ضرورة أن ينشأ مجلس قومي للصحة النفسية بالإضافة إلي إنشاء مجالس إقليمية للصحة النفسية,بالمحافظات تخضع لإشراف المجلس القومي للصحة النفسية,بالإضافة لضمان حقوق المريض ومنها تلقي العناية الواجبة,حظر تقييد حرية المريض,عدم إجراء التجارب العلاجية علي المريض,حماية سرية المعلومات التي تتعلق بالمريض.
شروط لتنفيذ القانون
في هذا الإطار قال الدكتور عماد حمدي رئيس قسم الطب النفسي بجامعة القاهرة إن هناك صعوبة في تنفيذ القانون علي أرض الواقع ووضع شروطا ثلاثة لضمان فاعلية القانون أولها: ألا يتشدد في العقوبات كي لا يخاف من يقومون بتطبيقه من الأطباء,والأمر الثاني يضمن القانون تسهيلا لحصول المريض علي العلاج ويوفر له حماية كافية,والأمر الأخير أن يركز القانون علي تحسين الصحة النفسية بدلا من الاهتمام الزائد بالأمور الإجرائية وكيفية دخول وخروج المريض من وإلي المستشفيات,مع الاهتمام بإدماج المريض في المجتمع.
وانتقد د.إسماعيل يوسف رئيس قسم الطب النفسي بجامعة قناة السويس رئاسة وزير الصحة للمجلس القومي للصحة النفسية مطالبا بأن توكل رئاسته لأحد نواب محكمة النقض,وأن يتم تعديل القانون إلي قانون العلاج الإلزامي للمرضي النفسيين,وأشار إلي أن نص القانون الحالي يتعامل مع الأطباء علي أنهم السيئون,وأن الحكومة عبارة عن ملائكة,كما أن الأوضاع في مصر سيئة وتزيد من الأمراض النفسية والحكومة تعلل بفكرة حماية حقوق الإنسان لتمرير القانون,وأنها اعتادت استغلال حقوق الإنسان لتنفيذ أغراضها.
نقلة لحماية حقوق الإنسان
من جانبها أكدت الدكتورة راجية الجرزاوي مسئولة ملف الصحة والتمييز بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن مشروع القانون الجديد الذي تقدمت به الحكومة المصرية للصحة النفسية يمثل نقلة نوعية في حماية حقوق الأفراد المصابين باضطرابات نفسية,كما أنه سيمثل في حالة إقراره خطوة إيجابية كبيرة لابد أن تتبعها خطوات أخري من أجل تعزيز وحماية الحق في الصحة النفسية.
وأشارت الدكتورة راجية الجرزاوي,إلي أنه لم يعد من المنطقي أو الإنساني أن يستمر تطبيق القانون الحالي المتعلق بالمرضي النفسيين,والذي تم وضعه منذ أكثر من ستين عاما تغيرت خلالها مفاهيم الصحة النفسية وأساليب العلاج والمعايير المهنية والحقوقية المتصلة بها.
أوضحت د.راجية أن مشروع القانون الجديد يتضمن قائمة بحقوق المريض النفسي داخل المنشآت,وينص علي عقوبات في حالة مخالفتها,كما يستحدث آليات مؤسسية لضمان المساعدة علي تطبيق القانون ومراقبة هذا التطبيق,تتمثل في إنشاء المجلس القومي للصحة النفسية وفروعه بالمحافظات,فضلا عن إنشاء لجان لرعاية مصالح وحقوق المرضي داخل منشآت الصحة النفسية,إلا أنه في الوقت ذاته لابد من وجود شبكة من الخدمات المجتمعية اللازمة لتقديم العلاج والرعاية والدعم للأفراد المصابين باضطرابات نفسية.
ونوهت د.راجية إلي أن الانتقال من أسلوب العزل داخل المصحات إلي أسلوب العلاج والدمج المجتمعي هو أمر حميد أثبت نجاحه في العديد من الدول وتوصي به منظمة الصحة العالمية,ولكن هذا الانتقال لا يجب أن يتم بمجرد إفراغ المصحات من المرضي,وإنما بالتنسيق الجيد والعمل التدريجي وبالتوازي مع إنشاء شبكة محكمة من الخدمات المجتمعية التي لا ينص مشروع القانون حاليا علي مسئولية الدولة عن كفالتها.
إلا أنها انتقدت في الوقت ذاته اقتصار نطاق تطبيق القانون الجديد علي المرضي داخل المنشآت النفسية,وطالبت بمد مظلة الحماية القانونية لتشمل الأفراد المصابين باضطرابات نفسية في أي مكان يمكن أن يتعرضوا فيه لانتهاك حقوقهم الأساسية.
تجاهل قضايا الحجر
علي الجانب الآخر يري جوزيف إبراهيم مدير مركز التنمية وحقوق الإنسان أن القانون الجديد تجاهل قضايا الحجر,وأن المواد الخاصة بالعقوبات لابد من تشديدها لكل من يخالف القانون خاصة الغرامة,فلابد أن يعاد فيها النظر بحيث ترفع قيمتها,بالإضافة إلي أن عملية تسجيل الطبيب النفسي تتطلب ما قيمته عشرة آلاف جنيه وهذا أمر غير معقول ومبالغ فيه.
أشار إبراهيم إلي أن قيام القانون الجديد بتحديد مدة معينة يجب أن يبقي فيها المريض النفسي في المستشفي وهي من ثلاثة أسابيع إلي ستة أشهر أمر خاطئ,لأنه لا يجب أن تحدد فيها مدة الإقامة لاختلاف المرض النفسي من مريض إلي مريض آخر,كذلك يجب أن تكون هناك بيوت تأهيل للمرضي النفسيين قبل خروجهم من المستشفي,وذلك لتأهيلهم ودمجهم في التعامل مع المجتمع مرة أخري,وأن تكون جهة الإشراف علي مراكز العلاج النفسي والمستشفيات النفسية لجان محايدة غير مركزية فلا يعقل أن تراقب وزارة الصحة نفسها بنفسها.