الألوان ليست فقط لأغراض جمالية,ولكن لترسم بروحانية… إحدي العبارات التي قالتها الفنانة مارجريت نخلة(1908-1977) لتصف مشاعرها وهي ترسم…ولأن الفنانة إحدي رائدات حركة الفن المصري المعاصر للقرن العشرين,وتاريخها وأعمالها ثروة للفن المصري خرج هذا الكتاب الذي يحمل عنوانمارجريت نخلة…ميراث للفن المصري المعاصر,صدر في أغسطس 2009 عن متحف مارمرقس القبطي بكندا,وكتبتههيلين موسي-أمينة متطوعة بالمتحف.
صدر الكتاب باللغة الإنجليزية وضم151 صفحة ملونة بالحجم الكبير,وتميز بغني في الصور الأخاذة…إنه قطعة فنية فريدة تناسب فنانة مثل مارجريت نخلة وتناسب فنها الغزير الإنتاج.
وجاء تصميم غلاف الكتاب-لليليان حنا-ليضم مجموعة من الصور الصغيرة لأعمال الفنانة,وكأنها قطعموزايكأو مثلالزجاج المعشق يشع منه النور اصطفت جنبا إلي جنب لتعكس تنوع وثراء الموضوعات التي تناولتها…وينفرد متحف مارمرقس القبطي بكندا بحصوله ضمن مجموعات (مقتنياته) اللوحات الست للفنانة مارجريت نخلة التي تمثل مشاهد كتابية من الكتاب المقدس بأسلوبها الشعبي.
أرادت الكابتة هيلين موسي أن توجه الشكر والعرفان بالجميل لكل من تعاون معها وساهم في جمع هذا الكنز لإنجاح هذا المشروع الذي بدأ التخطيط له منذ عام2004…فهناك من أمدها بقصاصات من الورق(الجرائد أو المجلات) عن فنها وأعمالها,وهناك من ساعدها في الحصول علي نسخ مصورة من لوحاتها,أو شهادات تقدير كانت حصلت عليها…وأبرز هؤلاء الزملاء والأصدقاء للفنانة د.كوكب يوسف,ود.داود أنطون داود.
وجاءت المقدمة بقلم القمص مرقس-كاهن كنيسة القديس مرقس بكندا ومؤسس متحف مارمرقس القبطي بكندا- لتحكي تاريخ إنشاء هذا المتحف القبطي الذي تم تأسيسه في27نوفمبر1996,وفتح أبوابه للجمهور في يوليو1999,ويقول القمص مرقسومنذ ذلك الوقت,تضاعفت المعروضات والمقتنيات لتضم أعمالا قبطية قديمة وحديثة: أيقونات, لوحات, نسيجا, صلبانا, مخطوطات وكتبا وطوابع وعملات,إضافة إلي أعمال خشبية,وأثناء عملية البحث أشار لنا البعض أن هناك فنانة قبطية في مصر باسم مارجريت نخلة التي رسمت ستة من مشاهد كتابية..وساعدنا في البحث عنها أخوها أنطون نخلة الذي كان في ذلك الوقت يقيم بمونتريال-كندا-فأمدنا ببعض الوثائق التي تصف طفولتها المبكرة التي شهدت حبا لفن الرسم,وحياتها كفنانة…كما شجعنا أخوها علي مقابلة الأب(بيير دي بورجيه-رئيس قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر) والذي أعطانا بدوره نسخة مصورة من خطاب(متوفر في أرشيف متحف اللوفر) كان قد كتبه إلي الفنانة بعد أن أطلعته علي اثنين من أعمالها الست لموضوعات بالكتاب المقدس.
ويضيف القمص مرقسبهذه التوصيات,ذهبنا لنقابل الفنانة في بيتها بالإسكندرية عام1974,وشرحنا لها رؤيتنا للمتحف القبطي في كندا,وأبدينا الرغبة في اقتناء لوحة واحدة من لوحاتها الست حيث إننا وقتها لم نستطع أن ندبر المال إلا للحصول علي واحدة-وبالتقسيط علي عدة سنوات- كانت الفنانة في البداية صامتة لتسمعنا,ثم قالت إن تصوير المشاهد الكتابية في الفن بدأ في القرن الثالث الميلادي ولكن لسوء الحظ اندثر حوالي القرن الـ12…
كما أبدت رغبتها في أن تري لوحاتها معروضة في أماكن عامة وليست ضمن مقتنيات شخصية…لأن الفن لن يقدر له البقاء والاستمرار والخلود إلا إذا عرض للعامة لينقل الرسالة التي أراد الفنان أن يوصلها.
وقبل أن يعود القمص مرقس إلي كندا,أجري اتصالا هاتفيا أخيرا بالفنانة ليعرف منها قرارها النهائي…ومن خلال الاتصال,عرف القمص مرقس أن الفنانة مارجريت نخلة بعد أن صلت كثيرا لتأخذ القرار,قررت أن تمنح المتحف القبطي بكندا كل لوحاتها الست-دون مقابل.
ويتضمن الكتاب خمسة فصول,في الفصل الأول أوجزت هيلين موسي الحالة الاجتماعية والسياسية في مصر,وكيف تفاعل معها فنانون من مدارس الفن المصري المختلفة, منهم الفنانة مارجريت نخلة كفنانة رائدة في النصف الأول من القرن العشرين…ولأن الفن بمثابة مقياس للتغير الاجتماعي والسياسي فإنها ليست مصادفة أن تتزامن الحركة الفنية المصرية مع الحركة الوطنية في أوائل القرن العشرين,الذي ظهرت منذ بدايته ثلاثة أجيال من الفنانين أخذوا علي عاتقهم خلق فن مصري شعبي أصيل.
وشكل الجيل الأول مجموعة من أوائل خريجي مدرسة الفنون الجميلة-التي تأسست عام1908 علي يد الأمير يوسف كامل-وهم المثال محمود مختار(1891-1934),وأحمد صبري(1889-1955) ومحمود سعيد(1897-1964),وراغب عياد(1892-1982)…هؤلاء الفنانون آمنوا أن الفن-أيا كانت طريقة تعبيرهم-يجب أن يهتم بالحياة لاجتماعية والتاريخية للمجتمع المصري,كما أنهم تأثروا كثيرا بالفن المصري القديم,وأبرز مثال علي ذلك تمثالنهضة مصرللمثال محمود مختار.
أما الجيل الثاني كان من عام1930 وحتي 1952,وقتها لم يعد فنانو ذلك الجيل متأثرين بالحركة الوطنية,بل استجابوا لتغيرات الحرب في أوربا وتأثروا بالثقافات الغربية وحركة الفن الدولية…بينما فنانو الجيل الثالث(من1952 وحتي الوقت الحاضر)يصفهم بعض النقاد بتعبير فنانو الشعب الذين لم يهتموا بالمناقشات والمجادلات الأيديولوجية التي اهتم بها الجيلان السابقان…بل آمنوا أن الفن الوطني الحديث يتحقق فقط إذا طوعوا التراث الوطني والتاريخي للظروف الحالية.
أما الفصل الثاني فيناقش شغف مارجريت نخلة منذ الطفولة بفن الرسم,تعليمها ومستقبلها المهني كفنانة.في سن السادسة كانت تزخرف خطاباتها لأصدقائها بالورود وموتيفات من ابتكارها,وفي سن الرابعة عشرة,راحت ترسم مناظر طبيعية للريف علي أي خامة تصادفها,وكانت مولعة برسم بورتريهات لأصدقائها.. وطوال فترات دراستها,كانت تحصل علي الكثير من الجوائز المدرسية.
تخرجت في كلية الفنون الجميلة عام1934 بالقاهرة….وعلي عكس كل التقاليد والأعراف أصرت علي أن تستكمل دراستها بباريس حيث حصلت علي منحة دراسية من عام1934 حتي عام1939 لدراسة الفن الأكاديمي تحت إشراف ساباتيه..وجاءت أعمالها الأولي موقعة برسمنخلة إشارة إلي لقبها.
وفي بداية الأربعينيات,كانت نخلة واحدة من أساتذة المعهد العالي للفنون الأكاديمية للمرأة بالقاهرة…وكانت من تلميذاتها بدور لطيف,وصوفي حبيب,وصوفي ويصا واصف.
ويتميز هذا الفصل بتنوع وغني صوره,التي تدل علي غزارة إنتاج نخلة التي أبدعت في المناظر الطبيعية الريفية في مصر,وفي أوربا وخاصة فرنسا المناظر الدينية وبورتريهات وطبيعة صامتة وحتي تصوير الحيوانات.
والمشاهد الكتابية في لوحاتها الست تناقش بالتفصيل في الفصل الثالث الذي اهتمت الكاتبة في بدايته أن توضح أن هذه المجموعة تصنف لوحات وليست أيقونات لعدة أسباب أهمها أنها لا تتبع القواعد المعروفة لرسم الأيقونة مثل تصور القديسين أو السيد المسيح بهالة حول رؤوسهم,والسب الآخر لأن هذه المجموعة غير مدشنة كما تدشن الأيقونات بالكنائس.
كما أن اللوحات الدينية ليست بالضرورة أن تنقل نقلا نصيا لقصص الكتاب المقدس وإنما تهتم بإضافة الطابع الشعبي,مع إبراز التفاصيل المتعلقة بالتقاليد,وتصور هذه اللوحات معجزة الصيد العظيم,والعشاء الأخير,ويهوذا,ويسوع وسط المعلمين بالهيكل,والعذاري الحكيمات والجاهلات,ومعمودية المسيح.
النساء في حياة السيد المسيحهو عنوان الاثنتي عشرة أيقونة الموجودة بكنيسة السيدة العذراء بالزمالك والتي أبدعتها نخلة,وهي مأخوذة من الكتاب المقدس والسنكسار مرتبة بترتيب الأحداث الكتابية بدءا منتقديم العذراء مريم إلي الهيكل,مرورا بـالبشارة,والعذراء تزور إليصابات,وتقديم يسوع إلي الهيكل,وعرس قانا الجليل,ويسوع مع السامرية,وابن الأرملة,والمرأة نازفة الدم,والمرأة ذات الطيب,والصلب,وتنتهي بأيقونةظهور المسيح للنسوة.
كما ارتبطت لوحات نخلة بالترانيم القبطية الشعبية,هذا ما أوضحته كاتبة هذا الفصل كارولين رمزيباحثة وحاصلة علي ماجستير عندور التراتيل القبطية الشعبيةوأبرز هذه الأمثلة لوحةحصاد البلح التي لها علاقة وثيقة بالترنيمةيا بلح لونك أحمر زي دم الشهداء والتي تقال في احتفالات عيدالنيروز-أو رأس السنة القبطية 11سبتمبر من كل عام.
وفي نهاية الكتاب لخصت هيلين موسي مشوار فن مارجريت نخلة في إيجاز مع قائمة بكل أعمالها المصورة والمنسوخة والتي لا تخطئها أي عين وخاصة لمسات فرشاتها وألوانها.. إن أعمالها تلهم المشاهد أن يدخل في حوار مع هذه الأعمال…بل ومع الفنانة نفسها.