بداية أعترف أنني لست متابعا جيدا للمسلسلات التليفزيونية…وهي ظاهرة صاحبتني في السنوات الأخيرة فلم تعد ساعات النهار تكفي لتأدية مهامي, أو كما يقولونلم يعد في الوقت بركة!! ولكني بقيت حريصا علي متابعة بعض الأعمال الدرامية التي تتعرض لعلاقات المسلمين بالمسيحيين, وربما يرجع هذا إلي أنه يدخل ضمن اهتماماتي المهنية, أو يجذبني إلي ذلك انتمائي إلي الأقلية المسيحية, خاصة أننا اعتدنا أن نفاجأ في رمضان من كل عام بمسلسل تليفزيوني يتناول هذه القضية مثل مسلسل أوان الورد وحد السكين ومحمود المصري ويارجال العالم اتحدوا…وكلها كانت موضع إثارة مشاعر المسيحيين إذ غالبا ما تبدأ بقصة حب شاب مسلم لفتاة مسيحية بزواجهما مضحية بديانتها وعقيدتها أمام أحلام الحب الوهمية.
هذا العام كان ضمن قائمة المسلسلات التليفزيونية الرمضانية مسلسل يحمل اسمدوران شبرا ولم أكن في حاجة إلي أن أبحث عمن يدلني لموضوع هذا المسلسل فـالجواب بيبان من عنوانه وانتظرت بدء بثه لمتابعته..وحدث ما توقعته فهو تناول علاقة المسلمين بالمسيحيين, ولكن التناول كان مختلفا عن كل المسلسلات السابقة…فأحداث المسلسل الذي كتبهعمرو الدالي تدور بين مجموعة من الشخصيات التي تسكن حي شبرا ويعيشون فيبناية واحدة تضم أناسا مصريين يمثلون تجسيدا لوطن كامل, ومن خلال حياة هؤلاء الشخصيات يبرز المسلسل مدي التسامح بين سكان شبرا من مسلمين وأقباط في أعمار مختلفة وأنماط متنوعة, القاسم المشترك بينهم أنهم يتعرضون لضغوط حياة واحدة لاتفرق بين أسرة مسيحية وأسرة مسلمة, وبهذا المفهوم والإحساس نجح الكاتب في أن يقترب بالفعل من روح القضية من خلال الأحداث الحياتية لجارتين تسكنان شقتين متلاصقتين في أحد البيوت القديمة, الأوليلولا المسيحية(دلال عبد العزيز) التي توفي زوجها تاركا لها ابنا وحيدا هوأشرف الذي واجه ديون الأب الراحل, والثانية أم سامي أرملة أيضا(عفاف شعيب) التي عاشت لتربي أبناءها الثلاثة…وتتوالي مضايقات الحياة لتقوم كل منهما بتطبيب جراح الأخري في محبة ومودة وتلقائية…واعترف وأنا واحد من سكان شبرا لأكثر من ثلاثين عاما أنني لم أشعر بالاغتراب لحظة واحدة طوال أحداث المسلسل وكثيرا ما كان ينتابني إحساس أنني واحد منهم, خاصة وأن المخرج السينمائيخالد الحجر نجح في أولي تجاربه التليفزيونية بأن يصل بالممثلين إلي درجة الإحساس أنهم فعلا جيراننا في نفس البيت الذي أسكن فيه وليس البيت العتيق الكائن في أحد شوارع دوران شبرا.
الغريب أنه رغم هذه المعالجة الجيدة للجوانب الإنسانية في علاقة المسلمين بالمسيحيين سارع أحد السادة المحامين الأقباط بعد مشاهدته للحلقة الأولي من المسلسل, وكأنه كان يبحث عن ضالته المنشودة إلي الشهرة في أي عمل درامي يتعلق بهذه العلاقة فسارع إلي رفع دعوي قضائية ضد أسرة مسلسلدوران شبرا واتهمهم بالإساءة للأقباط وإظهار فتياتهم في صورة منحلة, وارتكز في دعواه إلي أن الفنانةنيرمين ماهر جسدت في المسلسل شخصية فتاة قبطية ترتدي ملابس خليعة, وأن ارتداء الأقباط للصلبان لايحدث طيلة ساعات يومهم بهذا الشكل علي الإطلاق..وأتعجب من هذا فالمؤكد أنه يعرف كما أعرف أنا أن كثيرا من الأعمال الدرامية أظهرت فتيات مسلمات بملابس خليعة بل أسندت إليهن أدوار عاهرات ومع هذا لم يغضب أو يثر أحد, ويعلم أيضا أن المسيحيات يرتدين الصلبان طوال النهار والليل أيضا فكثيرات منهن لايخلعن الصليب من رقابهن,فالصليب عندهن ليس للزينة والبهرجة ولكنه سبب بركة وموضع افتخار..فلماذا هذا التشنج وهذه الحساسية؟!…علينا أن نعطي كل ذي حق حقه.
[email protected]