كانت متاعب الحياة والمهنة قد أجهدتني, كما أجهدت الزميل سليمان شفيق..ذهبت إلي الدير في خلوة ألتمس فيها الهدوء والسكنية, أما زميلي العزيز عندما أجهدته متاعب الحياة والمهنة أصابته أزمة قلبية…بعد ساعات قليلة من وصولي إلي الدير جاءني تليفون من الزميلة رقيقة المشاعردينا سيدهم حفيدة الأب والمعلم أنطون سيدهم تخبرني بكلمات غلفتها بدفء الحبسليمان تعرض في الفجر لأزمة قلبية أدركت لحظتها أن مكاني ليس الدير, ونسيت كل متاعبي وعدت مسرعا إلي المستشفي الإيطالي لأجد زميلنا في مهنة البحث راقدا في غرفة الرعاية المركزة تحيطه مجموعة من الأجهزة وعشرات الخراطيم, ولكني رأيته من وسطها مبتسما كالعادة…وقفت من بعيد حتي لا أرهقه, ولكنه لمحني فمد يديه وهو راقد يدعوني إلي حضنه, فلبيت دعوته…إنه دفء الحب الذي يملأ قلوب أسرةوطني حتي وهي عليلة متعبة مرهقة.
التقيت بالدكتور إيهاب داود الذي باشر علاج سليمان منذ لحظة وصوله إلي المستشفي عرفت أن ما حدث معجزة…الطبيب الرقيق تعامل معه بإنسانية متناهية فضلا عن مهاراته ونبوغه وظل إلي جواره ساعات طويلة حتي اجتاز خطورة الأزمة بسلام ولم يكن أمام الطب بعد ذلك إلا عمل قسطرة, ولكن للأسف جاءت النتيجة علي غير ما كنا نتمني, ولم يكن من وسيلة لإنقاذ حياته إلا بعمل جراحة قلب مفتوح…وبينما أنا حائر فيما سنفعل جاءني دفء الحب في صوت المهندس يوسف سيدهم بكلمات محددة وحاسة لنبحث فورا عن أمهر طبيب ونذهب به إلي أكبر مستشفي أحسست بدفء الحب يقدم لزميلنا قلبا جديدا ودما جديدا ويكتب له شهادة ميلاد جديدة.
علي شاشة تليفوني المحمول كان اسم الصديق الوفي الدكتور عادل البنا رئيس معهد القلب…في مكالمة سريعة تم تدبير كل شئ وجاءت سيارة الإسعاف لتنقل الزميل العزيز إليدار الفؤاد…رأيته متماسكا في ثقة وإيمان…رفض أن ينقل علي سرير الإسعاف-النقالة- رغم تحذيرات الأطباء, وحتي الجلوس علي كرسي متحرك إلي سيارة الإسعاف رفضه وأصر أن يمشي إلي جوارنا يستشعر من خطواتنا معه بدفء الحب.
الدكتور عادل البنا قال لي بعد أكثر من ست ساعات في غرفة العملياتالحمد لله نجحنا في توصيل الشرايين التاجية الجديدة..استخرجنا شريانا منالثدي الداخلي وثلاثة من الرجل وزرعناهم في القلب, وأصلحنا الصمام واطمئنينا علي كفاءته…لم أتعجب أن الطبيب النابغة الذي أجري من قبل بنجاح مئات جراحات القلب المفتوح كان يقطع كلماته وهو يحدثني بالشكر إلي الله…فما حدث كان معجزة تحققت بدفء وقوة صلاة كل الزملاء…لن أنسي أبدا تجمع الزملاء حولي كلما دخلتوطني يتسابقون في الاطمئنان…ولن أنسي تسابقهم في توفير أكياس الدم التي أخرت إجراء الجراحة 48ساعة…ولن أنسي أيضا إحساس سليمان بدفء حب الزملاء, فعندما تقرر أن يغادر-أمس- دار الفؤار طلب منه أن يختار مكانا تتوفر فيه الرعاية الكاملة له خلال فترة النقاهة فاختار المستشفي الإيطالي ليكون قريبا من شجرة الحب…شجرة أتمني أن أراها في كل مكان فينتشر دفء الحب.
[email protected]