الشباب في أي مجتمع ثروة هائلة تحاول كل التيارات الفكرية والقوي المتعددة جذبها, بل وأحيانا امتلاكها لأن هذه الفئة تمثل المستقبل لأية أمة لهذا فهي مبتغي الجميع إلا أنه قد ظهرت في الفترات الأخيرة ما يعرف بعدم الوسطية أو عدم الاعتدال في أفكار الشباب فنجد شرائح كثيرة من الشباب ينقسمون إلي ثلاث فئات فإما أنهم متطرفون دينيا أو منحرفون سلوكيا أو أنهم سلبيون وتظهر الفئة الأخيرة دائما في عدم المشاركة السياسية بشكل واضح.
وعن كيفية السيطرة علي عقول الشباب والتأثير عليهم ومحاولة احتوائهم من قبل هذه التيارات يقول الدكتور إلهامي عبدالعزيز, أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس ومعهد دراسات الطفولة, إن أي تيار فكري يستطيع أن يسيطر علي عقول الشباب من خلال عملية إشباع احتياجاتهم أيا كانت هذه الاحتياجات, أي أن هذه التيارات تخاطب دائما جوانب مرتبطة بشخصية هذا الشاب وذلك لتنفيذ أوامرهم دون تفكير بعد تهيأته نفسيا كما ينتظره من رخاء دنيوي وصولا للجنة ونعيمها.
وحول الأسباب التي تجعل الشباب يستسلم لمثل هذه الأفكار يقول إن بيئة التطرف تنمو مع ازدياد الفقر والبطالة وذلك في إشارة واضحة لأهم أسباب انسياق الشباب خلف هذه الأفكار كما يوضح أن الشاب في هذه المرحلة يضع نفسه في إطار مجموعة من المبردات حتي يقنع ذاته بصحة هذه الأفكار وذلك لكي يحقق لشخصه عملية اتزان نفسي.
وعن كيفية التصدي لعملية السيطرة علي عقول الشباب يقول د. إلهامي: يجب علينا أولا أن نوفر حياة إنسانية كريمة لهؤلاء الشباب وذلك من خلال إدارة جميع المؤسسات المهنية بشكل عملي وعلمي متكامل, فالمؤسسة الدينية مثلا يجب أن تعيد صياغة الخطاب الديني ليتناسب مع الشباب حتي لا ينجذبوا لخطابات دينية متطرفة تمس مشاكلهم ظاهريا ولكنها في الواقع تأسر عقولهم كما يجب علي الأسرة أن تتعامل مع الشاب بأسلوب متحضر يعتمد علي التشجيع ولغة الحوار والتي يجب أن تنمو من خلال المؤسسة التعليمية خاصة في المرحلة الجامعية, أما بالنسبة للمؤسسة الإعلامية فيجب أن تتصدي بشكل جاد وبأسلوب متطور وجذاب لما تقدمه الفضائيات من ثقافتي الجنس والعنف وعن مدي خطورة السيطرة علي عقول الشباب والأفراد التي تسببها يؤكد أننا نعاني من أزمة يجب أن نواجهها في إطار متكامل وبشكل علمي مدروس حيث إن استمرار هذه الأزمة دون التصدي لها يزيد من سلبيات المجتمع ويؤدي إلي انتشار البلطجة والبطالة والفوضي وهو ما يؤثر بدوره علي مستقبل واستقرار هذا البلد.
ويشير الدكتور جمال شحاتة, أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان, إلي ما يعرف بالنظرية المعرفية والتي يفسر بها وسائل التأثير من الناحية الاجتماعية علي عقول الشباب من قبل التيارات الفكرية المتطرفة حيث توضح هذه النظرية أنه عندما يكون هناك معلومة خاطئة تؤدي بالتالي إلي فهم خاطئ يظهر في شكل سلوك خاطئ موضحا أن هذه التيارات تقوم بعملية تسمي مسح المخ للشباب من خلال بث أفكارها بشكل مكثف مع الضغط علي الجوانب العاطفية للشباب.
وحول الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلي استسلام الشباب لهذه الأفكار يقول إن من أهم هذه الأسباب هو وجود ما يعرف بالفراغ الفكري والعاطفي والسياسي والثقافي لدي الشباب وهو ما تستغله هذه القيادات الفكرية المتطرفة بضخ أفكارها في هذا الفراغ.
كما أشار إلي وجود العديد من الأسباب الأخري مثل المشكلات الاقتصادية والتي تجعل الشباب يعجز عن إشباع احتياجاته بالطرق الشرعية هذا بخلاف ضعف الانتماء لدي الشباب وغياب نموذج القدوة في المجتمع.
وعن كيفية التصدي لهذه الظاهرة, أوضح أنه يجب تفعيل دور المؤسسات المغيبة مثل الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والتطوعية ومنظمات العمل المدني وإعادة صياغة أسلوب عمل كل المؤسسات المرتبطة بالشباب حتي تتماشي مع متطلبات العصر بالإضافة إلي ضرورة تفعيل دور الأحزاب السياسية بشكل خاص وذلك لزيادة عملية الحراك السياسي وجذب أكبر قدر من الشباب للمشاركة لكسب المزيد من الانتماء وإكسابهم الشعور بالمسئولية الوطنية والاجتماعية تجاه وطنهم وتجاه أنفسهم وهو الأمر الذي أكد عليه المفكر والكاتب السياسي الفلسطيني عبدالقادر ياسين حيث أوضح أن هذه القضية هي قضية سياسية بالدرجة الأولي قبل أن تكون قضية أخلاقية ومن ثم فهي قضية ومسئولية المنظمات السياسية وفي مقدمتها الأحزاب.