يوما بعد يوم تثبت حركة السينما ”المستقلة ” أنها جديرة بهذه التسمية ففي مصر أخذ هذا اللون من السينما يتبلور ـ ويتعدد ـ بفضل المئات من الشباب السينمائي إلي ما يمكن أن نطلق عليه ”حركة السينما المستقلة” أو سينما الديجيتال الجديدة .
حمل هذا اللون الصاعد من سينما الديجيتال معه آفاقا جديدة لتمكين قطاعات من الشباب الحالم من التعبير عن قضاياهم وطرق رؤيتهم للعالم من خلال لغة السينما التي باتت أكثر سهولة وأقل تكلفة بشكل لا يمكن مقارنته بالسينما التقليدية (سينما ال35 مللي) التي طالما خضعت لقواعد وقوانين السوق بكل تشوهاتها الضاغطة .
وانطلقت العديد من مبادرات المجتمع المدني ومؤسساته المعنية بالثقافة بشكل عام لتشجيع التيار الصاعد علي إنتاج السينما الديجيتال منخفضة التكلفة ذات الطابع الفردي المستقل البعيد كل البعد عن آليات السوق ومؤسساته .
ولما كانت فكرة السينما المستقلة ( الديجيتال في أغلب الأحوال ) تقوم أساسا علي الفردية والبعد عن المؤسسية التي عادة ما تقتل الفكر المستقل الحر أصبح لزاما علي مبادرات المجتمع المدني تلك أن تحمل في طياتها طابعا خاصا ـ بعيد عن مفاهيم المؤسسات التقليدية ـ لكي تتمكن من تبني لون من أكثر ألوان الفنون استقلالية وتفردا.
من هذا المنطلق بدأت السنة الثانية من مدرسة السينما المستقلة بجمعية النهضة العلمية والثقافية بالفجالة (المركز الثقافي لجيزويت القاهرة) والتي اختتمت نشاطها ”السينمائي ـ التنموي ”العام الماضي بإنتاج 17 فيلما قصيرا (روائيا وتسجيليا) جميعها بتقنية سينما الديجيتال منخفضة التكلفة .
الفن كتنمية
يقول عادل نظمي المدير التنفيذي للجمعية : تنطلق جمعية النهضة العلمية والثقافية بالفجالة من دور ثقافة الصورة في تنمية الإنسان من خلال دعم الرغبة و القدرة علي التعبير بحرية,وتنمية ملكات الإبداع الإنساني علي مختلف تنويعاتها كذلك إتاحة بيئة ثقافية و مادية مواتية لمساعدة الفئات المستهدفة لامتلاك القدرة علي تحقيق إبداعاتهم ” .
ويضيف : ”وإلي جانب ذلك عرفت جمعية النهضة أن عليها مسئولية أخري موازية هي استمرار الرسالة التاريخية للمكان الذي نشأت فيه و هو أستوديو ناصبيان الذي تأسس عام 1937 وضم بلاتوما واحدا وصالة تسجيل ومعملا بخلاف المونتاج و ذلك بعد عامين فقط من أنشاء أستوديو مصر علي يد طلعت حرب و شهد استوديو ناصبيان إنتاج 145فيلما سينمائيا سرعان ما احتل الكثير منها مكانة بين عيون إنتاج السينما المصرية وربما العالمية في ذلك الوقت”.
وعلي الرغم من أن إشهار جمعية النهضة رسميا تم في عام 1998إلا أن حركة مؤسسيها في مجال السينما قد بدأت قبل ذلك في الخمسينيات من القرن العشرين حيث كان الأب بول ورن اليسوعي مدرسا في معهد السينما في الستينيات.
سينما جديدة
يقول كريم حنفي المدير الفني لمشروع مدرسة السينما : ” تعتمد مدرسة السينما علي نظام الورشة المفتوحة حيث يتم التدريب وبناء القدرات من خلال الحوار والتفاعل الجماعي بين المتدربين والمدرب. وهي في ذلك تعتمد نظاما حرا في التعلم للحفاظ علي استقلالية الفكر والتعبير فيها.
وتسعي مدرسة السينما من خلال مدربين من أبرز النشطاء في مجال السينما المستقلة إلي تكوين شباب سينمائي قادر علي التعبير بلغة سينما الديجيتال منخفضة التكلفة التي لا تهدف للربح نذكر منهم المخرج إبراهيم البطوط و المونتيرة مني ربيع والمخرجين أحمد رشوان و تامر محسن.
وفي سبيل ذلك يتلقي المتدربين 280 ساعة عمل علي الأقل يحصلون خلالها علي تدريبات مختلفة ومتعددة تؤهلهم لصناعة الأفلام الديجيتال منخفضة التكلفة الروائية والتسجيلية مثل : حرفيات الإخراج وحرفيات كتابة السيناريو وبرنامج التصوير وبرنامج المونتاج وغيرها. ”
إنتاج سينمائي جديد
ومن إنتاج الجمعية خلال العام الماضي نتوقف أمام ثلاثة أعمال تمت في إطار أحد أبرز الفعاليات الثقافية للجمعية وهو ” البرنامج الثقافي الثالث : القاهرة أم العجايب ”
أولها الفيلم التسجيلي ”أبيض وأسود ” , فكرة : رؤوف الشتوي و ديانا كالفو ويحكي الفيلم عن: اكتشاف مجموعة من أطفال الجمعية للحي من وجهة نظر جديدة , فمن منظور الكاميرا التي يصور بها الأطفال حيهم يتعرفون علي أنفسهم وعلي دورهم تجاه الحياة من حولهم . الفيلم من إخراج : مينا نبيل , مدة الفيلم 12 دقيقة.
ومن” أبيض وأسود ” ننتقل لنري القاهرة مدينة العجائب التي تجتمع فيها كل المتناقضات ومن خلال رحلة يوم واحد مع إحدي ساكنات مصر الجديدة وأحد سكان ”صفط اللبن” يمكن أن نري مدي تناقض هذه المدينة…عبر رؤية تناقض المارة بعرباتهم الفاخرة فوق الطريق الدائري والتجمعات العشوائية الممتدة أسفلها, كما يحكيها الفيلم التسجيلي ” مدينة وبنعشها ” لمخرجه يعقوب لاندفورس , مدة الفيلم 18 دقيقة .
ومنهما إلي الفيلم التسجيلي ”القاهرة أول اليوم ” الذي يرصد حارات حي الظاهر القديمة والفجالة وباب البحر من المستوقد إلي النحاسين إلي حمام الملاطيلي, إلي شارع الاستوديو (استوديو ناصبيان) في محاولة لتسجيل عالم ضغط عليه العصر حتي كاد أن يختنق. إخرج الفيلم حسام جمال ومدته تسع دقائق.