مع تزايد حوادث العنف الطائفي واستمرار الحكومة في تبرير حدوث هذه الجرائم وإلقاء أصابع الاتهام علي أطراف خارجية أو تحميلها لمختلين عقليا ساد التوتر والشحن الطائفي في المجتمع وعم الغضب لفئات عديدة, وهو ما حذر منه خبراء علم الاجتماع والسياسة والعمل الأهلي واعتبروا أن الحكومة هي المسئول الأول عن تردي الأوضاع الحالية.
وحرصت وطني علي التعرف علي كيفية الخروج من المأزق الذي يعاني منه المجتمع, في ظل تباطؤ الحكومة في الحل, وترك الأمور تنفلت وتتضاعف وهو الأمر الذي أصبح يهدد النسيج الاجتماعي ويعرض الوطن لخطر التفكك!
أوضح الدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن المجتمع المصري يعاني حاليا من ضغوط داخلية تتعلق بالاحتقان الطائفي وغياب الحريات والقيود الأمنية علي حرية التنظيم, بالإضافة إلي ضغوط خارجية تتعلق بمطالبات أوربية لتوفير الأمن للمسيحيين, وهو ما أدي إلي زيادة الاحتقان في المجتمع, خاصة أن خطورة ما يحدث في مصدر حاليا تنبع من أن المجتمعات تنهار حينما تتصارع الجماعات المختلفة بها, وفي ظل مشكلات بين المسيحيين والمسلمين, يتم تصنيف هذا الأمر تحت بند زعزعة استقرار النسيج الاجتماعي لمصر, وبالتالي تهديد كيان الدولة.
قال د. ليلة إن الحكومة عليها أن تدرك خطورة المشكلة وأن تعيد النظر في الحلول التقليدية التي تتبعها, وأن تتوقف عن إلقاء الاتهامات علي العوامل الخارجية أو المختلين عقليا لأن هذا يضعف هيبة الحكومة والدولة في الداخل والخارج.
شدد الدكتور ليلة علي ضرورة أن تنتهج الحكومة سياسة جديدة لتنمية المجتمع, والحفاظ علي التماسك الاجتماعي, والاهتمام بتأكيد قوة الدولة والقوانين علي أرض الواقع, لأن البلطجة وتغييب القانون أصبح آفة في المجتمع, وانشغال الأمن بالأمور السياسية علي حساب الأمور الجنائية له دلالات سلبية.
حذر د. ليلة من استمرار الأوضاع الحالية لأن النتيجة المترتبة علي ذلك هي تآكل الدولة وتعرضها لمزيد من التفكك, والتوترات الإقليمية وما يحدث في العراق والسودان سوف يؤثر علي المجتمع المصري بالرغم من وجود العوامل المهمة التي تجعل مصر آمنة من هذه المخططات والتوترات, ولكن للتباطؤ في حل المشكلات تقدم الحكومة الدولة المصرية علي طبق من ذهب لمن يريدون العبث بها.
جرائم طائفية تثير الدهشة!
وفي هذا الإطار أكد الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن أحداث التوتر الطائفي مستمرة ما لم تعترف الحكومة بوجود مشكلات بين المسلمين والمسيحيين, وليس من المقبول أن يتم اتهام أطراف خارجية أو المختلين عقليا في الجرائم التي لها أبعاد طائفية, خاصة إن استهداف المسيحيين في أكثر من مرة وبطرق مختلفة يقابله ضعف أمني لم يوفر الحماية لهؤلاء المواطنين أو مناقشة جادة وصريحة لبحث تكرار هذه الجرائم أمر يثير الدهشة والريبة!
ودعا د. الشوبكي إلي استعادة دولة القانون ومحاسبة الخطاب الديني التحريضي, والبدء فورا في علاج المشكلة الطائفية بدلا من تردي الأوضاع وتفاقهما.
طالب د. الشوبكي بتدخل الرئيس مبارك وبشكل عاجل لمواجهة الاحتقان الطائفي, خاصة إن هذا الملف يتعلق بمستقبل المجتمع ويختلف تماما عن حل مشكلات البطالة أو الإسكان, فالوضع مقلق والمجتمع مشحون, والمشكلات معروفة وكذلك الحلول, وبالتالي لابد من تشكيل لجنة مدنية تتمتع بصلاحيات ودعم رئاسي كي تقوم بحل جذور الاحتقان الطائفي, وربما فيما بعد يتم علاج التمييز الديني في مناهج التعليم وسياسات التوظيف, ولكن المهم هو الإرادة السياسية وإرسال رسائل واضحة بتعقب كل من يلعب علي وتر الطائفية والعبث باستقرار المجتمع, والكف عن الأساليب التقليدية التي عملت علي مضاعفة المشكلات وزيادة الاحتقان, وترك الجناة يعبثون بالوطن.
مختل عقليا.. يثير الاحتقان الطائفي!
قالت أمينة النقاش نائبة رئيس حزب التجمع ومديرة تحرير جريدة الأهالي إن قطاعا كبيرا من الرأي العام فقد الثقة في جهات التحقيق التي تنهي القضايا وإلصاقها لشخص مختل عقليا أو مريض نفسيا وهي أزمة ثقة في مؤسسات الدولة سيترتب عليها العديد من المشكلات لو لم يتم التعامل معها بحزم.
أبدت النقاش دهشتها من سرعة التصريح بأن مرتكب جريمة سمالوط مختل عقليا, دون إعطاء جهات التحقيق مهلة كافية للتعرف علي ملابسات القضية, ومثل هذه التصريحات تعمل علي إثارة الاحتقان الطائفي, ولابد من مواجهة المشكلة من الجذور والاعتراف بوجود مشكلة, حتي يتم البدء في الحل, فالحوادث متكررة, والحلول معروفة ولكن السلطة التنفيذية لديها تراخ وتلكؤ في المواجهة, وهو ما يزيد المشكلة تعقيدا.
أوضحت النقاش أن استمرار العثور علي أشلاء جديدة في مناطق متفرقة حول موقع جريمة الإسكندرية معناه قصور وضعف في عمليات البحث والتحري, وبالتالي إطالة المدة المخصصة لجمع المعلومات والأدلة, ويظل الجاني غير معروف, والطريقة التي تم بها التفجير غامضة, وتزداد التكهنات والشائعات في المجتمع.
قصور في عمليات التحري!
من جانبه قال أحمد سميح مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومكافحة العنف إن حوادث العنف الطائفي أصبحت تأخذ اتجاها خطيرا, وجهات التحقيق بدلا من تهدئة الأمور وعقد تحقيق فوري وعاجل مثل هذه الحوادث تتسرع وتصدر مبررات غريبة تزيد من اشتعال الأوضاع, فسرعة اتهام الأطراف الخارجية في جريمة الإسكندرية, واعتبار المتهم في جريمة سمالوط مختلا عقليا أمر لا يمكن قبوله, ويزيد من الاحتقان.
أوضح سميح أن أجهزة الأمن مسئولة عن تصاعد الحوادث الطائفية في مصر, ومع توالي الجرائم وهروب الجناة من العقاب يجد المتطرفون المناخ خصبا للقيام بأفعالهم الدنيئة, والسؤال الذي تكرر كثيرا ولم يقدم أحد إجابة عنه: متي تتم إقالة وزير الداخلية, متي يتحمل أحد أطراف السلطة التنفيذية مسئولية ما يحدث في المجتمع؟
المسئولية علي عاتق الدولة
وفي هذا الإطار قال جمال بركات المدير التنفيذي لمؤسسة عدالة إن مواجهة الاحتقان الطائفي ليست مسئولية الحكومة وحدها, وإنما كل أجهزة الدولة مطالبة بتحمل المسئولية في الوقت الراهن نظرا لمرور المجتمع بفترة حرجة ستضعف من قوة المجتمع الداخلية, والهروب من المشكلة والبحث عن شماعة خطأ كبير.
أوضح بركات أن الحكومة عليها أن تعترف بوجود احتقان طائفي, وأن تسارع بإصدار القوانين التي من شأنها تهدئة هذا الاحتقان, كذلك علي وسائل الإعلام ورجال الفكر والثقافة ومنظمات المجتمع المدني التدخل الفوري ومساعدة الحكومة للخروج من المأزق, وعلي المجتمع البحث عن قيم التعايش المشترك والمواطنة, ومناقشة مستقبل مصر علي أرضية وطنية ودون مطالب طائفية كي يتم تسهيل حل المشكلة, فالمجتمع المصري يعاني من الفساد والبطالة وغياب تكافؤ الفرص, وربما يعاني الأقباط من هذه المشكلات بالإضافة إلي التمييز الديني والقيود المفروضة علي بناء وترميم دور العبادة, وبالتالي هناك حاجة ملحة لضبط النفس والبدء في حل المشكلات من الجذور, والكف عن استخدام الشعارات الرنانة التي أصبحت مصدرا للسخرية أكثر من كونها مصدرا للحل.
أشار بركات إلي أن المشكلة الحقيقية هي غياب ثقافة التنوير وتراجع القيم الأخلاقية والثقافية, وعلي الرغم من التلاحم الشعبي الذي ظهر عقب جريمة الإسكندرية والإدانة الواسعة لها من كافة فئات الشعب, وقيام البعض برفع شعارات الوحدة الوطنية ورفع لافتات الهلال مع الصليب, للأسف ظهر من يدعو لفصل الهلال عن الصليب وهي ظاهرة خطيرة, لأن الشعب المصري رفع الهلال والصليب في مواجهة الاستعمار الأجنبي في ثورة 1919, وبعد مرور 92 عاما يرفض قطاع من المصريين رفع هذا الشعار, وهو ما يؤكد خطورة المناخ السائد, واحتقان المجتمع, والفرز الديني الذي انتشر بشكل كبير, وأصبح الأطفال يشعرون به, وهو أمر في غاية الخطورة لو لم يتم الانتباه إليه.