واشنطن: وجهت مجموعة من الباحثين والمهتمين بشئون الديموقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي, وهم شخصيات من الولايات المتحدة والعالم, ومن مختلف الانتماءات السياسية, رسالة مفتوحة إلي الرئيس باراك أوباما حثوه فيها علي منح مسألة الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان في الشرق الأوسط مكانة عالية في حوارات حكومته مع العالم العربي والإسلامي.
تم نشر الرسالة يوم (10 مارس 2009) بعد مؤتمر صحفي عقده في واشنطن عدد من الموقعين علي الرسالة.
وقال موقعو هذه الرسالة المفتوحة إن هناك الآن فرصة ##غير مسبوقة سانحة لتوجيه رسالة واضحة إلي الدول العربية وإلي العالم الإسلامي مفادها أن الولايات المتحدة ستدعم جميع أولئك الذين يسعون جاهدين من أجل الحرية, والديموقراطية وحقوق الإنسان.##
ومن بين الموقعين علي الرسالة والذين زاد عددهم عن الثمانين بين أفراد ومؤسسات: سعد الدين إبراهيم من مركز ابن خلدون في مصر, أنور إبراهيم من حزب العدالة الشعبية في ماليزيا, إيفون حداد وجون إسبوسيتو من جامعة جورج تاون, عماد الدين أحمد من معهد منارة الحرية في واشنطن, مني أبو سليمان سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة, داليا زيادة من المؤتمر الإسلامي في القاهرة, رضوان المصمودي من مركز دراسات الإسلام والديموقراطية في واشنطن, مورتون هالبرين المسئول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية, وروبرت كيجان من معهد كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن.
وجاء في الرسالة التي وجهت للرئيس أوباما أنه حتي يتسني إعادة بناء علاقات من الاحترام المتبادل, فإن من الأهمية الحاسمة بمكان ##أن تقف الولايات المتحدة في الجانب الصائب من التاريخ بشأن الحقوق الإنسانية والمدنية كما والحقوق السياسية لشعوب الشرق الأوسط.## وأضافت أن ##شعوب الشرق الأوسط تواقة إلي مزيد من الحرية والديموقراطية; حيث إنها برهنت علي استعدادها للكفاح من أجلها.## وقالت الرسالة إن ما تريده هذه الشعوب ##من حكومتكم هو الالتزام بتشجيع الإصلاح السياسي ليس من خلال الحروب والتهديدات أو الإكراه, ولكن عن طريق السياسات السلمية التي تكافئ الحكومات التي تتخذ خطوات ملموسة نحو إجراء إصلاحات ديموقراطية حقيقية.##
وفي ما يلي نص الرسالة:
الرئيس باراك حسين أوباما
البيت الأبيض
1600 شارع بنسلفانيا, واشنطن العاصمة,
عزيزنا سيادة الرئيس:
أولا, تهانينا لكم علي النصر الذي تحقق لكم في انتخابات نوفمبر. وإننا كغيرنا من الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم نجد أنفسنا نشعر بالتفاؤل والإلهام. إن انتخابكم يمثل برهانا علي وعد أمريكا المتواصل بأنها أرض الفرص, والمساواة, والحرية. إن رئاستكم توفر فرصة تاريخية لرسم مسار جديد في السياسة الخارجية, ولاسيما ما يتعلق منها بالعلاقات المضطربة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.
إننا متشجعون بالوعد الذي قطعتموه علي أنفسكم بأن تصغوا من أجل تفهم آمال وتطلعات العرب والمسلمين. وستلهم حكومتكم, بإغلاقها مركز الاعتقال في خليج جوانتانامو وحظر التعذيب, مزيدا من الثقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي. وقد استمع الملايين من العرب, في الشهر الماضي, في أول مقابلة رئيسية تجري معكم, إلي دعوتكم إلي الاحترام المتبادل عبر واحدة من أكثر القنوات التليفزيونية مشاهدة في الشرق الأوسط. وهم شعروا بالتشجيع لتبينهم أنكم تعتبرون حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني أولوية ملحة, والدليل علي ذلك تعيينكم السيناتور جورج ميتشيل مبعوثا لكم. إن تواصلكم مع شعوب المنطقة في وقت مبكر من ولايتكم يمثل خطوة ليست بالقليلة. ولكنها خطوة يجب أن تعقبها تغييرات سياسية ملموسة.
إن تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط لا ينحصر في مجرد تغيير بعض السياسات هنا وهناك; إذ أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط ظلت ولأمد بعيد سياسة مضللة أساسا. حيث دعمت الولايات المتحدة, علي مدي نصف قرن من الزمن, وبصورة متكررة الأنظمة القمعية التي تنتهك حقوق الإنسان بصورة منتظمة, وتسجن وتعذب أولئك الذين يتجرأون علي انتقادها وتمنع مواطنيها من المشاركة في الأنشطة المدنية والسياسية السلمية. وكان من المفترض أن يخدم دعم الولايات المتحدة للحكام العرب المستبدين المصالح القومية الأمريكية والاستقرار الإقليمي. غير أن ذلك أدي في حقيقة الأمر إلي إيجاد منطقة تعاني بصورة متزايدة من تفشي الفساد, والتطرف, وانعدام الاستقرار. وكان الرئيس بوش قد وعد في خطاب تنصيبه الثاني بأن الولايات المتحدة لن تواصل دعمها للطغاة وبأنها ستقف إلي جانب الناشطين المصلحين الذين يناضلون من أجل التغيير الديموقراطي. غير أن إدارة بوش سرعان ما أدارت ظهرها للديموقراطية في الشرق الأوسط بعد أن أبلت الأحزاب الإسلامية بلاء حسنا في الانتخابات في جميع أنحاء المنطقة. ولم يعمل ذلك علي الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة وجعل الديموقراطيين يشعرون بخيبة الأمل وتشجيع المتطرفين في المنطقة فحسب, بل إنها بعثت رسالة قوية إلي الحكام المستبدين مفادها أن بإمكانهم تأكيد سلطتهم وسحق المعارضة دون عقاب.
وحتي يتسني إعادة بناء علاقات من الاحترام المتبادل, فإن من الأهمية الحاسمة بمكان أن تقف الولايات المتحدة في الجانب الصائب من التاريخ بشأن الحقوق الإنسانية والمدنية كما والحقوق السياسية لشعوب الشرق الأوسط. وما من شك في أن شعوب الشرق الأوسط تواقة إلي مزيد من الحرية والديموقراطية; حيث إنها برهنت علي استعدادها للكفاح من أجلها. إن ما تريده (هذه الشعوب) من حكومتكم هو الالتزام بتشجيع الإصلاح السياسي ليس من خلال الحروب والتهديدات أو الإكراه, ولكن عن طريق السياسات السلمية التي تكافئ الحكومات التي تتخذ خطوات ملموسة نحو إجراء إصلاحات ديموقراطية حقيقية. وعلاوة علي ذلك, فإنه ينبغي علي الولايات المتحدة ألا تتردد في الإعلان عن الشجب والإدانة عندما يسجن نشطاء المعارضة ظلما في مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وتونس, أو في أي مكان آخر. كما ينبغي علي الولايات المتحدة أن تستخدم, عند الضرورة, قدرا كبيرا من النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي لممارسة الضغط علي حلفائها في المنطقة, عندما يخفقون في الالتزام بالمعايير الأساسية لحقوق الإنسان.
إننا ندرك أن اتخاذ مثل هذه الخطوات سيطرح صعوبات ومعضلات معا. وبناء علي ذلك, فإن من المطلوب اتخاذ إجراءات جريئة اليوم أكثر من أي وقت مضي. فعلي مدي فترة طويلة, ظل الخوف من وصول الأحزاب الإسلامية إلي السلطة يستحوذ علي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. بعض هذه المخاوف مشروع ومفهوم; حيث إن العديد من الإسلاميين يدعون إلي انتهاج سياسات غير ليبرالية. ولهذا فإنه يتعين عليهم بذل المزيد من الجهد لإظهار التزامهم بحقوق المرأة وحقوق الأقليات الدينية, واستعدادهم لتقبل الرأي المعارض. ومع ذلك, فإن معظم الجماعات الإسلامية الرئيسية في المنطقة مسالمة وتحترم العملية الديموقراطية.
* وأدي حق المشاركة في انتخابات مفتوحة وذات مصداقية معقولة, في العديد من البلدان, بما في ذلك تركيا وإندونيسيا والمغرب, إلي اعتدال في مواقف الأحزاب الإسلامية وتعزيز التزامها بالمعايير الديموقراطية. وقد لا نتفق مع ما يقولونه, ولكننا إذا أردنا أن ننادي بالديموقراطية ونمارسها, فإن من المستحيل ببساطة استبعاد أكبر الجماعات المعارضة في المنطقة من العملية الديمقراطية. وفي الوقت ذاته, فإن اختزال مستقبل المنطقة في مجرد المنافسة بين الإسلاميين والأنظمة المستبدة سيكون أمرا خاطئا. فتعزيز الديموقراطية والانفتاح في المنطقة يعطي الأحزاب الليبرالية والعلمانية فرصة لإثبات وجودها والترويج لأفكارها بين عامة الشعب بعد عقود من القمع جعلتها ضعيفة ومهمشة. إن المزيد من المنافسة بين الأحزاب والخلفيات الأيديولوجية المختلفة سوف يخلق بيئة صحية للتطور السياسي في المنطقة.
باختصار, إن لدينا فرصة غير مسبوقة سانحة لتوجيه رسالة واضحة إلي الدول العربية وإلي العالم الإسلامي مفادها: إن الولايات المتحدة ستدعم جميع أولئك الذين يسعون جاهدين من أجل الحرية, والديموقراطية وحقوق الإنسان. وقد وجهتم أنتم يا فخامة الرئيس هذه الرسالة في الآونة الأخيرة, حيث قلتم في خطاب تنصيبكم: ##ولأولئك الذين يتمسكون بالسلطة عن طريق الفساد والخديعة وإسكات الرأي المعارض أقول, إعلموا أنكم في الجانب الخاطئ من التاريخ; ولكننا سنمد أيدينا إليكم إذا كنتم مستعدين لأن ترخوا قبضتكم.##
إننا ندرك تماما أنه مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية واستمرار التحديات في العراق وإيران وباكستان وأفغانستان, فإن الإصلاح السياسي والتقدم نحو الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط يجب أن ينافسا طائفة أخري من الأولويات المطروحة علي جدول أعمالكم. فالسياسة في كثير من الأحيان تتطلب اتخاذ قرارات صعبة. ومع ذلك, فإننا نحثكم علي أن ترفعوا, في الوقت الذي يتم فيه النظر في الأولويات الأخري في الشرق الأوسط, من مكانة الإصلاح الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان الأساسية, لتكون اعتبارات رئيسية في حواراتكم مع الأنظمة العربية والرأي العام العربي علي حد سواء.
وفي الختام, فإننا نتوجه بهذه الرسالة للتعبير عن إيماننا العميق بأن دعم الديموقراطيين والديموقراطية في الشرق الأوسط لا يصب في مصلحة المنطقة فحسب, وإنما يصب أيضا في مصلحة الولايات المتحدة. ولعل الأهم من ذلك, هو أن ما سنختار فعله بالنسبة إلي هذه القضية المهمة سوف يكشف الكثير عن قوة المثل الأمريكية العليا في هذا العهد الجديد, وما إذا كنا سوف نقرر أن نحترمها ونطبقها في الشرق الأوسط أم لا.
يو إس جورنال