مبارك أعاد المجر وسلوفينيا وكرواتيا لذاكرة الاستثمار في مصر
80 مليار دولار استثمارات المجر الخارجية ونصيب مصرفها 5 ملايين دولار!!
4 ملايين دولار فقط استثمارات سلوفينيا في مصر
تبذل مصر علي كافة مستوياتها جهودا مضنية لجذب الاستثمارات الأجنبية إليها لتنشيط اقتصادها ودفع عجلة التنمية فيها وتوفير فرص عمل لآلاف العاطلين من الشباب وزيادة موارد البلاد من العملات الأجنبية, في هذا السياق جاءت جولة الرئيس مبارك الخارجية لكل من المهر وسلوفينيا وكرواتيا ثم إيطاليا تعبيرا عن رؤية ثاقبة للقيادة السياسية في مصر بأهمية التوجه للقارة الأوربية خاصة دولها الشرقية والتي دخلت مؤخرا تحت لواء الاتحاد الأوربي, لتحريك العلاقات التجارية المشتركة التي لا تعبر بحال من الأحوال عن متانة العلاقات السياسية بين مصر وهذه الدول, وذلك بهدف عرض الفرص الواعدة والجاذبة لرؤوس الأموال في هذه الدول لتخطي مصر بنصيب جيد منها أسوة بدول أخري كثيرة.
الرئيس مبارك ألقي بثقله الشخصي والسياسي لفتح نوافذ أمل جديدة للاقتصاد المصري.. والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا علي الساحة الداخلية هو: هل نستطيع اقتناص هذه الفرصة الذهبية لجذب استثمارات هذه الدول بعيدا عن أي تعضيدات أم نتركها تضيع من بيع أيدينا مثل فرص كثيرة سابقة!.
وطني تابعت الملف الاقتصادي الكامن في جولة الرئيس مبارك الخارجية الأخيرة, في منتصف أكتوبر الماضي, واستخلصت عددا من الملاحظات والمعلومات والأرقام ذات الدلالة, لعل القائمون علي الشئون الاقتصادية في بلادنا يتحركون ويدقون الحديد وهو ساخن.
* خلال حقبة زمنية بدأت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية حتي سقوط حائط برلين في نهايات عام 1999 كان يتسيد العالم قطبان متناقضان في كل شيء بدءا من الأيدلوجيا إلي السياسة ومرورا بالاقتصاد وانتهاء بمستوي وأسلوب معيشة المجتمعات المنطوية تحت لواء هذين القطبين وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي.
* كانت كل من المجر وسلوفينيا وكرواتيا من الدول الأعضاء في الكتلة الشيوعية التي تحكمها وتديرها موسكو بالحديد والنار.
* العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول وأي دولة أخري في العالم كان يحكمها في المقام الأول والأخير مدي رضا قادة الكرملين أو غضبهم. وأغلب الظن أن اقتصادات هذه الدول أساسا كانت تعمل لخدمة مصالح حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفييتي قبل تفككه بالطبع.
* بالرغم من الثروات الهائلة المعدنية, المالية, البشرية التي كانت تنعم بها هذه الدول, إلا أن شعوبها لم تتمتع أبدا بهذا الخير الوفير حيث كانت الرفاهية فقط للقيادات العليا في الأحزاب الشيوعية بينما بقية أفراد الشعب يأكلون ويلبسون ويتحركون في حياتهم اليومية وكأنهم لاجئين تمتلئ جيوبهم بالكوبونات الأموال!!.
* الرغبة الكامنة لدي شعوب الدول المنطوية تحت لواء الاتحاد السوفييتي انفجرت مع سقوط الاتحاد السوفييتي المدوي وتفكك دولة الرئيسية التي كانت تكونه, فكان طبيعيا أن ينفرط عقد حلف وارسو, وتسعي دول مثل المجر وسلوفينيا وكرواتيا للتحرر والانطلاق علي كافة المناحي بل والاتجاه نحو الغرب ورأسماليته وعولمته.
* مما هو جدير بالملاحظة أن مصر الاشتراكية في زمن عبدالناصر, والمفتحة بقوة نحو الغرب في عصري السادات ومبارك لم تستفد اقتصاديا مطلقا من العلاقات الوثيقة التي تربطها بهذه الدول ولعل المؤشرات الاقتصادية للعلاقات التجارية بين مصر وهذه الدول توضح لنا ذلك دون عناء, بل الأدهي أن الميزان التجاري بين مصر وهذه الدول يميل لصالح هذه الدول وليس لصالح مصر. ودعونا ندلل علي ذلك بلغة الأرقام ومن خلال السنوات الأخيرة:
* بالنسبة للمجر فقد بلغ حجم التبادل التجاري مع مصر 185 مليون يورو فقط لاغير وذلك خلال العام المنصرم 2008. وخلال الأعوام الأربعة الماضية ابتداء من 2005 وحتي نهاية 2008 استوردت مصر من المجر بما قيمته 612 مليون دولار, بينما بلغت الصادرات المصرية للمجر خلال هذه السنوات ما قيمته 27 مليون دولار وهو رقم ضئيل جدا يجسد بوضوح اختلال الميزان التجاري لصالح المجر.
* بالنسبة لسلوفينيا فقد بلغ حجم التبادل بين مصر وسلوفينيا 75.3 مليون دولار خلال العام الماضي 2008 مقارنة بـ51.8 مليون دولار في عام 2007. وفيما يتعلق بالصادرات فقد صدرت مصر إلي سلوفينيا بـ9.2 مليون دولار بينما استوردت منها بنحو 66.2 مليون دولار وهو تجسيد صارخ آخر للعجز في الميزان التجاري وهي بالطبع أرقام في غير صالح مصر.
* بالنسبة لكرواتيا فقد صدرت مصر لكرواتيا خلال السنة الماضية 2008 بما قيمته 18 مليون دولار بينما استوردت مصر خلال السنة ذاتها بما قيمته 60 مليون دولار وهو رقم يعبر هو الآخر عن اختلال كبير يصب في صالح كرواتيا.
والآن.. وبعد جولة الرئيس مبارك في هذه الدول.. وبعد مباحثات شاقة ومستفيضة استحوذ الجانب الاقتصادي فيها علي مساحة كبيرة, هل تتغير المعادلة وتتحسن فرص صادرات مصر لهذه الدول؟, بل الأهم هل نحن مهيأون لجذب استثمارات كبيرة من هذه الدول لضخها في مشروعات داخل مصر؟, وللإجابة علي هذا السؤال المهم والملح علينا أن نبحث في خريطة الاستثمارات الأجنبية لهذه الدول في الخارج لنتبني أننا بالفعل خارج هذه الخريطة وعلينا أن نتحرك ونستغل جولة الرئيس الناجحة.
* بالنسبة للمجر.. تقدر الاستثمارات الأجنبية في المجر بأكثر من 152 مليار دولار هذا من جهة. ومن جهة أخري – وهو ما يهمنا في متابعتنا هذه – أن استثمارات المجر في مصر لا تتعدي ملايين دولار من جملة استثماراتها خارج الحدود التي تقدر بنحو 80 مليار دولار.
* بالنسبة لسلوفينيا فإن استثماراتها في مصر لا تتعدي 4 ملايين دولار بينما تبلغ استثمارات سلوفينيا خارج حدودها نحو 7.6 مليار دولار.
* بالنسبة لكرواتيا فتقدر استثماراتها في مصر مصر بنحو 9 ملايين دولار فقط لاغير!!.
مما سبق يتبين لنا أن مصر التي نجحت مع إيطاليا بامتياز في علاقات سياسية واقتصادية وثيقة تسعي لإنجاح النموذج الإيطالي مع المجر وسلوفينيا وكرواتيا, وكأن القاهرة تريد أن تقول صراحة للمؤسسات والشركات ورجال الأعمال في كل من بودابست ولوبيانا وزغرب: إن مصر تملك فرصا واعدة لاستثماراتكم. فالمناخ الاستثماري جيد والقوانين المنظمة تضمن لكم الأمان التام لرؤوس أموالكم, بل وستحققون الربحية الوفيرة وتأملوا الاستثمارات الإيطالية في مصر وما حققته من نجاح حيث إيطاليا بلا منازع أحد أكبر الشركاء الأوربيين في التجارة مع مصر وتنافس الولايات المتحدة المتحدة الأمريكية علي مركز الصدارة في الشراكة مع مصر, وتقدر الاستثمارات الإيطالية في مصر حتي نهاية العام الماضي 2008 بما يربوا علي 5 مليارات يورو.
يجمع معظم خبراء المال والاقتصاد وذوي الصلة من منظمات الأعمال المصرية أن الاستثمارات المتوقع قدومها من المجر وسلوفينيا وكرواتيا قادرة علي تحريك المياه الراكدة في العديد من القطاعات الصناعية والاقتصادية مثل النقل والبترول والصناعات الزراعية والهندسية والتحويلية والصناعات الدوائية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلي جانب قطاعات حيوية مثل البنوك والسياحة والتأمين.
لقد تحرك الرئيس مبارك من أجل مصر وشعبها.. فهل تتحرك الحكومة بأجهزتها المعنية؟, هل تتحرك منظمات الأعمال المصرية علي تنوعها لتأخذ زمام المبادرة ونقرأ عن زيارات مكثفة لعواصم هذه الدول ومقابلة ومحاورة رؤساء الشركات والمؤسسات ومنظمات الأعمال هناك؟, نحن جميعا ننتظر هذا التحرك العاجل المسنود بالأدلة والبراهين علي إمكانات النجاح الكبيرة لأي استثمارات أجنبي في بلادنا.