الحديث عن سورية يبدأ متاحا بجملة من المصطلحات التي تبدأ غالبا بكلمات من عينة ينبغي,يتوجب,يلاحظ,ومع ذلك,ولكن,وهذه الكلمات لايمكن بأي حال من الأحوال أن تسعي لتكوين جمل سياسية منتجة في الواقع السياسي السوري الذي يقوده مجموعة من حلفاء النظام السوري داخليا وخارجيا وهم بلا منازع ملاك ناصية المراوغة السياسية في الدول العربية بجدارة,وملاك صناعة الوعي القومي العربي بامتياز,وهم في ذات الوقت من خبراء صناعة الأزمات الوهمية التي تشغل الرأي العام الناطق بلغة الضاد,وسواء كان مفاد هذه الأزمات مبني علي قضايا دينية أو سياسية لها بعد في الواقع التاريخي العروبي أو الديني,وهذان الوتران هما من يعزف عليهما جل أنظمة الاستبداد والطغيان العربي,ووتر القومية العربية دائما تكون معزوفته معزوفة ذات نغمات نشاز,لأن الصراع القومي العروبي مبني علي إدارة الصراع مع الصهيونية العالمية ورائدتها الدولة العبرية,علي زعم أن القضية الفلسطينية هي قضية العروبة المركزية التي لايمكن التخلي عن الدفاع عنها من جميع العرب الناطقين بلغة الضاد,وهم أصحاب الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة والواحدة أيضا,وكذلك بالتوازي مع وتر القومية العروبية يتم العزف علي وتر الأممية الإسلامية,واللذين يمثلان نقيض في الرؤي والمفاهيم والتصورات,ولا يغيب أبدا من العقل السياسي السوري الخلفية الدينية بأبعادها الوظيفية ذات الأفكار المتشابكة والمتشاكسة في آن واحد للتخديم علي النظام الحاكم في سورية.
جميع خيوط اللعبة السياسية تقريبا في يد النظام السوري علي كافة المستويات,وهذا ماتبدي بعد تغييب الدور المصري من القيادة السياسية في المنطقة العربية وبروز الدور السوري,بل ومحاولة توظيف الدور المصري لصالح النظام السوري وهذا مالا يمكن التعبير عنه دبلوماسيا أو سياسيا من خلال أدوار يتم إسنادها وإنما من خلال طغوطات سياسية تأخذ أشكالا من الممارسات التعبوية الجماهيرية مثلما حدث أخيرا من سباب وشتائم في المظاهرات التي حدثت بسورية وتحديدا أمام السفارة المصرية بسورية,ولم يصدر بيان من ماكينة الإعلام المصرية الموجهة فقط ضد أصحاب الرؤي من المصريين,ولكنها تعجز كل العجز عن مواجهة النظام السوري الذي ينسب إليه حشد الجماهير السورية ضد مصر النظام والدولة!!
ولكن هناك من الدلالات التي يتاح استنتاجها من وراء تلك الأفعال الصادرة عن النظام السوري,حال كون بشار الأسد أصبح قاب قوسين أو أدني من مصافحة القادة السياسيين في الدولة العبرية وصولا لاتفاقية سلام شامل مع الدولة العبرية.
وهذا ماتبدي في الأيام الأخيرة الماضية,لتصبح قضية العرب المركزية سياسيا ودينيا محك اختبار رئيس للماضي التاريخي البعيد والقريب ووضع كافة المقولات النظرية التي كان ينادي بها القوميون العروبيون علي أساس أن قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية ,وأن تحرير كامل التراب الفلسطيني واجب قومي عروبي, وأنه لامناص من أن عاصمة فلسطين هي القدس.
وبالرجوع للتاريخ القريب منذ توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وتكونت جبهة الصمود والتحدي المعارضة بقوة الميكروفونات والأصوات العالية الجهورة بالعداء لإسرائيل ومن تم وصفهم بالخونة والعملاء من التطبيعيين مع الدولة العبرية والذين خذلوا الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
والسؤال الذي يتبادر إلي الذهن الآن,مفاده ينطق,بأن الرئيس السوري بشار الأسد هل سيقوم بنفس الدور الذي قام به الرئيس المصري الراحل أنور السادات؟وهل سيتم اتهامه بالخيانة والعمالة لدولة إسرائيل أو حسبما يحلو ويسهل الوصف بالدولة العبرية في مواجهة الدول العربية؟
وهل كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات خائنا وعميلا ومفرطا في حق القضية الفلسطينية وخارجا عن الإرادة العربية,حال كون الرئيس السوري بشار الأسد لم يقم بمشاورة أو مداولة مع أية دولة عربية من دول الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة,وهل تساءل الرئيس السوري عن القضية الفلسطينية وفلسطين وعن عاصمتها القدس,باعتبارها قضية العرب المركزية؟!
وهل هذه المفاوضات التي يراد لها أن تتم بصفة مباشرة مع الدولة العبرية وسورية بشار الأسد,وسوف يكون للقضية الفلسطينية محور من محاور المفاوضات فيها,وفي القلب منها القدس؟
أعتقد أن الأمر أبعد من مسألة الجولان التي لم يتم توجيه فوهة بندقية سورية أو مدفع سوري تجاه الجولان المحتل حتي تاريخ كتابة هذه السطور,لأن النظام السوري ليس بالجهالة التي يتحدث فيها عن الجولان منفصلا عن دور أكبر وأعظم في المنطقة الشرق أوسطية,فدور سورية مقابل السلام الدافيء الذي سيتم بالفعل مع إسرائيل سوف يجعل سورية أبعد ماتكون عن القضية الفلسطينية,وعن عاصمتها القدس حسب الزعم القومي العروبي القديم,لأن سيل تدفقات المصالح السورية المندفعة من البرجوازية السورية تجاه البحث عن مصالحها سواء مع إسرائيل أو حتي مع الشيطان سيجعل هذا الشعب يقوم بتفعيل السلام الحقيقي مع إسرائيل,مع تناسي الدور السوري صاحب البعد الإيراني بامتداده داخل سورية النظام ولبنان المجتمع ,وحماس القبيلة, وفلسطين المجتمع في غزة والضفة ,حيث يتم التعامل مع القضية الفلسطينية من خلال جناحيها في الضفة ,وغزة فقط,وتناسي الدولة الفلسطينية لأنها فقط وحصرا موجودة في الضفة وغزة ,أما عن تحرير كامل التراب الفلسطيني فسيظل محض أوهام أو خيالات كانت تداعب وتدغدغ به القيادات العربية ومنها سورية ومصر وباقي أنظمة الطغاة العرب.
الدور السوري في القريب العاجل سيكون من أخطر الأدوار علي مر التاريخ القومي العروبي,لأنه سيجعل باستخراج شهادة بوفاة فكرة القومية العربية ومع اقتراب نهاية هذه الفكرة ستنهار معظم الأيديولوجيات ذات البناء القومي,وتبقي أدوار تمثل بؤرا خطورة في بعض البلاد العربية للجماعات الراديكالية الأصولية المتشددة,والتي لن يتقلص دورها تدريجيا مع تناقص دور القوميين العرب بمجرد بدء مفاوضات سلام مباشر مع الدولة العبرية,لأن الدور القومي كان يفرز نقيضه الديني في غالبية الصراعات سواء الصراعات التاريخية أو المعاصرة.
وبدخول سورية بشار الأسد حلبة السلام مع الدولة العبرية سيكون تأثيره علي المعادلات السياسية بمثابة انقلاب في السياسة بأبعادها الجغرافية والعسكرية,إذ أن موازين القوي في المنطقة سيحدث فيها خلل تكون نتيجته تعاظم دور الدولة العبرية في المنطقة التي ستتحول من العربية إلي الشرق أوسطية بتوافق سوري إسرائيلي براجماتي,وهذا علي حساب قضايا كانت متوهمة في العقل العربي,أو العقل الإيراني علي حد سواء,لأن الخط السوري سيأخذ مسارا في التعرج والالتفاف حول المصالح السورية عبر إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية,ودول الاتحاد الأوربي.
وهذا ما تنبهت له صحيفة إنترناشونال هيرالد تريبيون في افتتاحيتها في 20 نوفمبر 2006 إذ جاء بها:من المحتمل لسورية منفصلة عن إيران وملتزمة مع الولايات المتحدة أن تساهم في إعادة إحياء المساعي السلمية بين إسرائيل والعرب والحد من الاضطرابات الحاصلة في العراق,إن مصالح سورية القومية في المنطقتين تلتقي علي الأقل جزئيا مع مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن هنا:ماذا سيكون دور حزب الله في لبنان بالبعد الإيراني عبر سورية؟وماذا سيكون دور منظمة حماس في غزة بعد تخلي سورية عن الدور القومي العروبي؟!والأبعاد الدينية والتي تمثلها التظاهرات التي تمت في إيران بالتوازي مع التظاهرات التي تمت في سورية ضد النظام المصري بتحريض وتوجيه من النظامين السوري والإيراني ضد النظام المصري علي خلفية حصار غزة,وغلق المعابر المصرية في وجه الغزاويين؟أعتقد أن القضية الفلسطينية ستظل رهينة بأيدي حماس وبأيدي فتح,وستكون الجغرافيا الفلسطينية محصورة في هذين النطاقين لتتصفي القضية الفلسطينية بضم الضفة للأردن,وغزة لمصر وفي أفضل الأحوال تحييدهما عربيا ودوليا!!