يأتي الصراع التي تتكشف أحداثه تباعا في قطاع غزة في ظل خلفية إقليمية مختلفة كل الاختلاف عن الجولة الأخيرة من القتال الذي وقع في أواخر 2008 وأوائل .2009 فقد أطيح بالنظام الإقليمي القديم الذي كان قائما خلال الحرب
يأتي الصراع التي تتكشف أحداثه تباعا في قطاع غزة في ظل خلفية إقليمية مختلفة كل الاختلاف عن الجولة الأخيرة من القتال الذي وقع في أواخر 2008 وأوائل .2009 فقد أطيح بالنظام الإقليمي القديم الذي كان قائما خلال الحرب السابقة, وتم استبداله بنظام جديد غير مؤكد ولم يختبر بعد. وستمثل الأزمة التي تتكشف فصولها حاليا أول اختبار من ذلك القبيل, وسوف تظهر مدي تأثير الانتفاضات في السنوات الأخيرة علي الفاعلين الإقليميين الرئيسيين والعلاقات بينهم.
لقد كان النظام القديم في الشرق الأوسط قائما علي المصالح المتبادلة ويشبه تحالفا بين المحور والفروع حيث كانت الولايات المتحدة تمثل المحور, بينما شاركها حلفاؤها في المنطقة – فوق كل الاعتبارات والعوامل الأخري – في المصلحة علي حفظ الاستقرار والازدهار الاقتصادي, رغم أن لكل من هؤلاء الحلفاء تعريفه المختلف للاستقرار. وبالنسبة لواشنطن, يتطلب الاستقرار إصلاحا سياسيا واقتصاديا; أما بالنسبة لحلفائها, فإنه كان يعني في الغالب الحفاظ علي الوضع الراهن والضعيف علي نحو متزايد.
لقد كانت إسرائيل طرفا رئيسيا في هذا التحالف, كما أنها تعاونت علنا مع بعض الدول الإقليمية, وضمنا مع الآخرين, من خلال المساعي الطيبة للولايات المتحدة. أما إسرائيل وحلفاء واشنطن العرب فقد شاركوا إلي حد كبير في الرغبة في مواجهة وردع إيران ووكلائها ومكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة. وقد أشاد عديدون سرا أو علنا بقيام إسرائيل بتوجيه ضربة إلي حزب الله في الأيام الأولي من حرب لبنان عام 2006 أو بتدميرها مفاعل سورية النووي في عام .2007
أما النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط فهو مختلف, لكن درجة اختلافه أو مداه غير واضحة. بيد أن هناك أمرين علي وجه الخصوص غير مؤكدين. أولا, كيف ينظر الآن القادة في المنطقة – وخاصة القادة الجدد مثل الرئيس المصري مرسي – إلي مصالحهم الوطنية؟ فهذه المصالح لم تتغير بشكل جوهري مع اندلاع الانتفاضات العربية; علي سبيل المثال تمتلك المليشيات المسلحة في سيناء نفس الدرجة من البراعة في استهداف الجنود المصريين والإسرائيليين علي حد سواء, كما أن تصورات عدم الاستقرار أو المشاعر المتطرفة التي تجتاح المنطقة سوف تعيق الاستثمارات والسياحة التي هناك حاجة ماسة إليها من أجل إنعاش الاقتصاد المصري.
ومن ناحية أخري, إن حسابات الرئيس مرسي السياسية وأيديولوجية فصيله في جماعة الإخوان المسلمين تتعارض حتي مع التعاون الضمني مع إسرائيل. صحيح أن مرسي وحكومته قد ظهروا بأنهم يميلون إلي اتباع نهج واقعي حتي الآن, لكن الغرض من إرساله رئيس وزرائه هشام قنديل إلي غزة – علي غرار قيام تركيا بإرسال أسطول إلي غزة في عام 2010 – هو لجذب الانتباه ولا يعكس استراتيجية دائمة. وسوف تختبر أزمة غزة فيما إذا كان مرسي, جنبا إلي جنب مع غيره من القادة في المنطقة, سيضع الإيديولوجية فوق المصالح.
أما السؤال الثاني الخاص بالنظام الإقليمي الجديد فيتعلق بوضع الولايات المتحدة في ذلك النظام. إن تردد واشنطن في وجه الاضطراب في الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين, إلي جانب ##توجهها## نحو آسيا أعطي انطباعا بأن الولايات المتحدة غير مستعدة لمواصلة دورها كوسيط في المنطقة. وهذا مناسب تماما لبعض القادة الإقليميين; فزعماء مصر وإيران يختلفون حول أشياء كثيرة, لكنهم يشاركون في الرغبة في رؤية تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. ومع هذا, فبالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة, يثير ذلك سؤالا مقلقا عما إذا كان بالإمكان الاعتماد علي واشنطن من أجل التحرك بحزم لتعزيز مصالح الولايات المتحدة المتبادلة مع هؤلاء الحلفاء.
لقد أدت حالة عدم اليقين إلي حدوث تدهور في نظام ##المحور والفروع##, الذي تم استبداله – علي نحو تقديري – بتحالفات إقليمية أصغر تعمل بشكل مستقل (علي سبيل المثال, تدخل دول ##مجلس التعاون الخليجي## في البحرين) وبتبادل الأدوار من أجل الظهور والتفوق. ويتضح ذلك جليا في حالة تركيا, التي بدلا من أن تتوجه نحو الغرب أو الشرق سعت إلي الزعامة الإقليمية, وهو ما يعني التبرؤ من تحالفها السابق مع إسرائيل.
وفي حين أن المؤشرات الأولي لهذا التحول الاستراتيجي في المنطقة واضحة للعيان, فليس من الحتمي أن تستمر علي ما هي عليه. يجب علي واشنطن صياغة ردها علي أزمة غزة لتعزيز مكانتها وتحالفاتها في المنطقة.
? أولا, يتعين علي الولايات المتحدة إظهار دعمها القوي لاسرائيل. لقد اتخذت إدارة أوباما خطوة أولي يرحب بها في هذا الاتجاه من خلال إصدارها بيانات تؤكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ووضع المسئولية علي حماس عن اندلاع الأعمال القتالية ومعاناة الفلسطينيين تحت سوء حكمهم.
? ثانيا, يجب علي واشنطن ممارسة بعض الواقعية السياسية مع مصر وتركيا وحلفاء إقليميين آخرين. إن أي ائتلاف قوي يكون قائما علي المصالح المشتركة. وفي ضوء التغيرات في المنطقة, فلا ينبغي لنا أن نفترض ببساطة أن زعماء المنطقة الجدد يشاركون مفهوم الولايات المتحدة لهذه المصالح المشتركة, ولكن ينبغي أن نحصي لهم بوضوح تصورنا لهذه المصالح, وسيتحقق ذلك من خلال الحوار الاستراتيجي الثنائي.
ثالثا, ينبغي علي الولايات المتحدة توفير نموذج للقيادة الحازمة والفعالة طوال فترة الأزمة لضمان أن تؤدي نهايتها إلي تعزيز مصالح واشنطن وحلفائها.
فورين بوليسي