هدأت إلي حين بدعةالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شكلها التقليدي وهو مجموعات مدعي الفضيلة التي تجوب الشوارع والطرقات لتراجع أحوال الناس فيها وهل يلتزمون بالملبس المحتشم وبالابتعاد مسافة كافية عن بعضهم
هدأت إلي حين بدعةالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شكلها التقليدي وهو مجموعات مدعي الفضيلة التي تجوب الشوارع والطرقات لتراجع أحوال الناس فيها وهل يلتزمون بالملبس المحتشم وبالابتعاد مسافة كافية عن بعضهم البعض(!!) وإلا تدخلت تلك المجموعات بالنصح والإرشاد أو بالتهديد والوعيد لإعادة الأمور إلي نصابها الصحيح صونا للأخلاق واتقاء للرذيلة…وأقول هدأت إلي حين لأنها إن كانت قد توارت مؤقتا عقب جريمة السويس التي راح ضحيتها الشاب البرئ الذي كان بصحبة خطيبته وثار علي أثرها شعب السويس مطالبا بالقصاص من أولئك المجرمين, إلا أن أوضاع المجتمع هذه الأيام والتي يغلب عليها الانفلات الديني والأمني والقانوني تنذر بأن قوافل الشر والإجرام وإن تراجعت فسوف تعود مجددا.
بدعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست مقصورة علي مراقبة الناس في الطرقات لتهذيبهم وإصلاحهم,فقد عادت تطل علينا في أشكال جديدة علي درجة كبيرة من الانفلات والخطورة يتحتم عدم السكوت عنها لأنها تعكس المدي المرعب الذي يمكن أن يبلغه الضلال عندما يترك ليتوحش ويهدد كيان المجتمع…وقبل أن أتطرق إلي الأشكال الجديدة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أقول إن الخطر كل الخطر يكمن في استمرار النهج المريض لادعاء البعض وصايتهم علي المجتمع وسنهم ضوابط للثواب والعقاب وانطلاقهم معربدين لتطبيق تلك الضوابط وإنزال القصاص طبقا لما يحلو لهم…أليس في ذلك اغتصاب لصولجان السلطة والقانون وإهدار لسيادة الدولة وحقوق الإنسان في المجتمع؟…إن هؤلاء لايجب أن نتسامح معهم ولايجب أن نأخذهم بأية رأفة أو هوادة ولايجب أن يرهبنا مايدعونه من الذود عن الدين لأن الدين برئ منهم ومن أفعالهم.
البدعة الجديدة التي روعت الكثيرين من الأقباط-والمسلمين أيضا- ما وصل بعض المكتبات المسيحية في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية-وقد يكون امتد إلي أماكن أخري عبر مصر المحروسة-من تهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم تمتنع تلك المكتبات عن عرض وبيع الأيقونات والتماثيل المسيحية المقدسة والتي يعتبرها حماة الفضيلة وأتباع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصناما نجسة وعلامات علي الكفر والضلال بعيدا عن صحيح الدين!!!….هكذا تصوروا وقرروا وأخذوا بيدهم تقويم الأمور وإصلاح المعوج!!!
وحسنا فعل كل من وصلتهم تلك التهديدات بأن توجهوا إلي الشرطة وأصروا علي تحرير المحاضر اللازمة لإثبات التهديد ولإخطار السلطة بالخطر المحدق بهم,وأتصور أن السلطة ستأخذ الأمر مأخذ الجد ولن تتهاون في التعامل معه بالتحريات الواجبة وتعقب أصحاب ذلك الإرهاب والترويع لأن مالا يجب أن يخفي علي أحد أن مثل هذه الأمور عادة ما تبدأ باستخدام الأقباط كبالونات اختبار لقياس رد فعل السلطة وماذا هي فاعلة إزاء ما يتعرضون له من هجمات,فإن هي تخاذلت أو تقاعست عن الذود عن حقوق مواطنيها والضرب بيد من حديد علي كل من يهدد أمن واستقرار المجتمع,تترك الأبواب مفتوحة علي مصراعيها لاستقواء ذلك الإرهاب وتوحشه وانفلاته إلي أبعاد قد تخرج عن حدود السيطرة.
أتعرفون مثالا علي خروج الأمور عن حدود السيطرة؟….خذوا مثلا ماحدث في الإسكندرية الأسبوع الماضي عندما فوجئ المارة والسكان بجوار إحدي العمارات بمنطقة ميامي بشاب ملتح يرتدي جلبابا أبيض قصيرا يندفع ليحطم الزجاج الخلفي لسيارة واقفة ويلقي بداخلها عبوة مولوتوف متفجرة أدت لاشتعال السيارة وتدميرها…أتعرفون لماذا كان هذا الاعتداء الأهوج؟..طبعا لم يكن لغرض السرقة,إنما كان للانتقام من صاحب السيارة القبطي لأنه تجرأ ووضع علي زجاجها الخلفي ملصقا مكتوبا عليه عبارة:ربنا موجود…قداسة البابا شنودة…وتسألونني متعجبين:وماذا في عبارةربنا موجود؟…هل هي الأخري ضلال أو كفر أو صنم؟…وأقول لا حاشا,هي ليست ضلالا ولا كفرا ولا صنما,كما أن قائلها هو قداسة البابا شنودة الذي يتمتع بدرجة غير مسبوقة من محبة وإجلال وتقدير الجميع-مسلمين ومسيحيين-لكن ماحدث هو علامة مقلقة جدا وجرس إنذار خطير علي القنابل الموقوتة للتعصب والكراهية والحقد والشر التي أصبحت تتحرك بيننا وتعيث فسادا…والعجيب أنها غير متخفية,فشكلها وملبسها وكلامها واضحين للكافة ومع ذلك هي متروكة ترتع بحرية ضمن كثير من الأمور المسكوت عنها.
لست من المتشائمين ولن أرتعب إزاء مايحدث من تنامي موجات الإرهاب باسم الدين وسأستمر أراهن علي أن مصر قادرة علي أن تعبر هذه المحنة التي تمر بها وتعود كما كانت دوما بلد الإيمان الحق والوسطية والسلام…غنية بتعدد وقائعها التاريخية وتنوع ثقافاتها…مباركة بأديانها وآياتها وأيقوناتها وتماثيلها.