تحقيقات… إشراف/ سلوي رفعت
حذر خبراء ومخصصون في الجماعات الإسلامية والإرهاب من وجود خلايا إرهابية صغيرة تسعي لزعزعة استقرار المجتمع, بتطبيق استراتيجية جديدة لمواجهة التطرف, بدلا من الأساليب التقليدية والتي لم تعد مناسبة في ظل شبكة الإنترنت التي أصبحت الوسيلة الأكثر استخداما في الإنفاق علي تنفيذ عمليات إرهابية.
وفي سياق مختلف حذر حقوقيون من استغلال الحكومة لمثل هذه الحوادث لتمديد حالة الطوارئ, في الوقت الذي طالب فيه البعض الآخر بعدم التعجل في إقرار قانون مكافحة الإرهاب, وضرورة مناقشته بشكل تفصيلي قبل إقراره.
تقدم وطني هذا التحقيق للتعرف علي رؤي المتخصصين لمكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف.
الإرهاب العشوائي
قال الدكتور ضياء رشوان الخبير في شئون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن تفجيرات الحسين لا تجزم بوجود أية جماعات إسلامية كبيرة تعتنق أفكار العنف السياسي في مصر, خاصة أن الجماعات الإسلامية توقفت عن العنف, وأعلنت مبادرة الجماعة الإسلامية 1997 لوقف العنف ووثيقة ترشيد العمل الجهادي لجماعة الجهاد الإسلامية, إضافة إلي أنه لم يثبت تورط أي من الجماعتين في العمليات الإرهابية التي وقعت في السنوات الأخيرة.
وأكد د.رشوان أن منفذي تفجيرات الحسين هم مجموعة صغيرة يمكن أن نطلق عليها الإرهاب العشوائي اعتنقوا أفكار العنف الإسلامي من خلال شبكة الإنترنت, وهذه المجموعات إن كانت قريبة فكريا من تنظيم القاعدة فإنها بعيدة تنظيميا عنه.
وأضاف د.رشوان لا يوجد تطور نوعي في تفجيرات العنف في مصر ذلك إذا قارنا تفجيرات الحسين بالتفجيرات الكبري المنظمة التي وقعت في بعض دول العالم.
وأشار د.رشوان إلي أن هذا الجيل الجديد من الإرهابيين الشباب له عدة سمات, من أبرزها أن هذه المجموعات تضم عددا صغيرا جدا من الأفراد لا يتعدي في أغلب الأحيان ثلاثة أو أربعة, يضعون أهدافهم بشكل عشوائي وغير منظم, إضافة إلي أن هذه المجموعات تنقصها الخبرة الجهادية أو التقنية في تنفيذ عمليات نوعية كبيرة. ويرجع نقص خبرة هؤلاء الشباب إلي أن علاقتهم بالعمل الجهادي تتم فقط من خلال الإنترنت, وليس عبر التنظيمات الإسلامية المنظمة والمعروفة.
وأوضح د.رشوان أنه من خلال مطالعة قصص الشباب المتهمين في تنفيذ التفجيرات خلال السنوات الأخيرة يمكن التأكد من أنهم يعانون ظروفا اجتماعية واقتصادية سيئة دفعتهم إلي اليأس من الواقع وجعلتهم يتجهون إلي اعتناق الفكر الجهادي.
انتهاك الحقوق!
أكد حافظ أبو سعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن هذه التفجيرات تشكل انتهاكا جسيما للحق في الحياة المكفول للمواطنين بمقتضي الدستور والمواثيق الدولية المعنية, وهو الأمر الذي يستلزم من الأجهزة المعنية تعزيز إجراءاتها الأمنية وملاحقة مرتكبي هذه التفجيرات وتقديمهم للعدالة. وقال أبو سعدة إنه لا يجب التوسع في عمليات الاعتقال العشوائي للمواطنين دون توجيه تهم إليهم, أو القيام بتعذيب المشتبه فيهم, لأن مثل هذه الاستراتيجية ستؤدي فقط إلي إدخال البلاد في مواجة من العنف والعنف المضاد.
أشار أبو سعدة إلي أن هذا الحادث سيدفع الحكومة للتعجل في إصدار قانون مكافحة الإرهاب وتقنين حالة الطوارئ, بحيث تصبح حالة الطوارئ الاستثنائية حالة أبدية, ومن ثم لا يجب التعجل في إقرار هذا القانون, خاصة أن القانون رقم 97 لسنة 1992, يختص بمكافحة الإرهاب ويحدد طريقة التعامل مع هذه الجرائم, وبالتالي لا توجد حاجة ملحة لإقرار قانون يحد من الحريات العامة.
شدد أبو سعدة علي أن الأمم المتحدة أكدت علي أن مكافحة الإرهاب حق مشروع لكل دولة, إلا أن ممارسة هذا الحق ينبغي أن تجري في إطار احترام حقوق الإنسان, وأن أي حرمان من الحرية يجب أن يظل متوافقا في جميع الظروف مع قواعد القانون الدولي, وعدم انتهاك العهد المدني للحقوق السياسية والاجتماعية وغيرها من المواثيق الدولية.
دعا أبو سعدة إلي قصر جواز إعلان حالة الطوارئ في حالة الحرب الفعلية والكوارث العامة فقط, ولفترة محدودة لا يتم تجديدها إلي بشروط دقيقة وتحت رقابة حقيقية وفعلية للسلطة التشريعية.
التأثير علي المجتمع
أوضح اللواء نشأت الهلالي مدير أكاديمية مبارك للأمن الأسبق أن الأمن المصري نجح في مواجهة الإرهاب بعد معارك شرسة في تسعينيات القرن الماضي,وأن الحوادث الإرهابية التي شهدت المجتمع مؤخرا هي حوادث فردية نتجت من خلال تحركات قام بها أفراد وليس جماعات, مما يسبب مشكلة لأجهزة الأمن, حيث إن التعامل مع الأفراد أصعب من الجماعات, ومع ذلك يقظة الأمن المصري حدت الكثير من الحوادث ذات التأثير الخطير علي المجتمع.
أشار الهلالي إلي أن تسلل بعض الفلسطينيين عقب اقتحام المعابر العام الماضي كان الشغل الشاغل لأجهزة الأمن, لأن هناك معلومات مؤكدة تفيد سعي البعض لزعزعة استقرار المجتمع, وتم القبض علي عدد كبير منهم في عدة محافظات وهم يحملون متفجرات, وتم تأمين سيناء بشكل كبير لأنها مستهدفة بشكل أساسي, وكذلك كافة الأماكن السياحية خضعت لإجراءات تأمين صارمة, ورغم ذلك جاءت حادثة الحسين, ورغم أن تأثيرها محدود, إلا أن أجهزة الأمن لن تهدأ قبل القبض علي الجناة.
أكد الهلالي علي ضرورة تضافر جهود كل المؤسسات بالدولة لمواجهة التطرف للحفاظ علي أمن واستقرار المجتمع, فمكافحة الإرهاب ليست مهمة وزارة الداخلية وحدها, بل مسئولة كل الجهات لمواجهة التطرف والإرهاب فكريا ودينيا وثقافيا واجتماعيا.
أين استراتيجية مواجهة الإرهاب؟
من جانبه أكد صفوت جرجس مدير المركز المصري لحقوق الإنسان أن حادث الحسين يرجع لعدة أسباب منها وجود تراخي أمني في بعض الأماكن السياحية, وعدم وجود استراتيجية كاملة لمواجهة التطرف والإرهاب, خاصة أن المعالجة الأمنية وحدها ليست كافية لمحاصرة الإرهاب.
حذر جرجس من استخدام هذا الحادث لإعادة تمديد حالة الطوارئ, مطالبا بسرعة تقديم قانون مكافحة الإرهاب للبرلمان, مع مراعاة الحقوق والحريات للمواطنين, وعدم استخدام القانون كذريعة لكبت الحريات وملاحقة السياسيين والنشطاء, وإجراء حوار مجتمعي شامل مع كل فئات المجتمع لمواجهة الأفكار المتطرفة.
أشار جرجس إلي أن تطبيق حالة الطوارئ لم يمنع الحوادث الإرهابية, وبالتالي لابد من البحث بجدية عن آلية لمواجهة التطرف بكافة أشكاله, واستغلال وسائل الإعلام في التوعية والحفاظ علي استقرار المجتمع.
ومن جانبه أكد الدكتور فؤاد السيد كبير الباحثين بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن تحليل الحوادث السابقة خاصة التي وقعت في الأزهر والسيدة عائشة وميدان عبد المنعم رياض يدلل علي وجود تشابه في مسألة العنف العشوائي الذي يخلط بين الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وأوضح أن القنابل البدائية التي يمكن تصنيعها بخامات بسيطة لا تحتاج إلي توقيت زمني متقدم, إضافة إلي أنها لا تحتاج من الناحية الاحترافية إلي تحديد أو دقة معينة.