شاهدتها في قلق وانزعاج شديدين فسألتها عن السبب فقالت لي: أنعم الله علي بابن يتمتع بأخلاق جيدة وبصفات طيبة وبحب يغمره من كافة المحيطين به. ولكن يزعجني بشدة طيبته الزائدة وحنانه الفياض. فله أصدقاء كثيرين يحبوه جدا ولكن إذا تعرض للضرب من أحدهم فلا يقوم برد هذا الاعتداء. وظللت كثيرا أدفعه لرد الاعتداء بمثله ولكنه يرفض تماما بل وإذا قمت بانتهار صديقه الذي اعتدي عليه وبدأ صديقه في البكاء فهو يسرع إليه لمصالحته وإيقافه عن البكاء. وأنا منزعجة بشدة من طيبته وأخشي من تعبئته نفسيا بضرورة رد الاعتداء وهو رافض لذلك, فهل أحثه علي التسامح أم أضغط عليه أم أحثه علي رد الاعتداء؟وهل الطيبة والأخلاق المهذبة ولي زمنها وانتهي؟!
عرضنا هذه المشكلة علي الدكتورة مني جاد عميدة كلية رياض الأطفال سابقا وقالت: لابد أن يتعلم الطفل أن يأخذ موقفا, كما أن الطفل الذي قام بالاعتداء عليه لن يفهم رقي التسامح وسيقوم بضرب صديقه مرارا, لذا لابد أن يعترض الطفل المعتدي, عليه ويشكو ما حدث للأشخاص الأكبر منه والمسئولين عنه حتي يتم معاقبة الطفل الآخر ليحد من عدوانه, ومن المهم جدا معاقبة الطفل المعتدي لأن ذلك يمثل القوانين التي تضبط سلوكيات الأفراد. كذلك يمكن أن يتحدث المسئولين عن الطفل الذي تم الاعتداء عليه إلي والدة الطفل الآخر لتوعيتها بأن ابنها ذو سلوك عدواني وإن لم يتم تعديل سلوكه سوف يتم إبعاد الأطفال الآخرين عنه ومع الوقت سيصبح منبوذا ومعزولا.
أيضا في بداية مواقف الضرب لا يجب أن نحفز الطفل الذي تم ضربه ضد الآخر أو دفعه لرد الاعتداء حتي لا يصبح المجتمع كله عدوانيا. لكن بشرط أن يقوم الطفل المعتدي بالاعتذار للطفل الآخر, ويعلن له أنه لن يكرر هذه مرة ثانية. وهنا يمكن أن يسامح الطفل في المرة الأولي فقط.
أما إذا استمر الطفل المعتدي في اعتدائه علي صديقه دون أن يتغير سلوكه العدواني مع ملاحظة عدم قيام والديه باتخاذ رد الفعل اللازم تجاه ابنهم, أو إنهم سعداء لأنه أقوي من أقرانه ويقوم بضربهم ويكتفوا فقط بجملةما تعملش كده تاني فيمكن أن نبدأ بتوجيه الطفل الآخر بأن لا يلعب مع هذا الطفل ولا يتحدث معه ويقاطعه تماما.
أكدت الدكتورة مني أن ذلك لا يعني ألا نغرس القيم والأخلاق بأطفالنا أو ألا ننمي الطيبة بداخلهم لكن أن ندعم الطيبة بالجرأة والدفاع عن النفس والحث علي أن يمارس كافة حقوقه وأهمها حقه في الدفاع عن نفسه وألا يعتدي عليه. كذلك لابد من نشر الوعي التربوي بين أولياء الأمور وحثهم علي عدم ضرب أبنائهم, فهم القدوة لأطفالهم ومرآة لسلوكهم.
اتفقت مع الرأي السابق الدكتورة منال عبد الفتاح رئيسة قسم تربية الطفل بكلية البنات, وأكدت علي أن جميع الأطفال يتمتعون بالطيبة ولكن ليس لدرجة أن يهدر حقهم. والطفل الذي يعتدي عليه لابد أن توعيه والدته بأنه يجب أن يدافع عن نفسه وأن يسامح الطفل الذي اعتدي عليه مرة واحدة فقط, وأن تمدح به حسن أخلاقه وتحثه علي أنه لا يجب أن نتهك حقوقه من قبل أقرانه. أما الطفل المعتدي فيجب أن تفهمه والدته أنه مذنب وتحاول تعديل سلوكه وتعاقبه عن طريق حرمانه من مكافأة ما أو من شراء اللعبة الأسبوعية ومنعه من سلوك أو نشاط يحبه أو تجاهله والاهتمام بإخوته حتي يشعر بفعلته. وبذلك يتعلم الطفل أنه مثل أقرانه ولا يتميز عنهم بأن يفعل التصرفات الخاطئة كيفما يحلو له. بل أن الطفل المتميز هو ذو الأخلاق المهذبة.