تعليقا علي دعوتي لتحذير أبنائنا من الانزلاق في علاقة عاطفية تقودهم في النهاية إلي مأزق الزواج المختلط, وصلتني رسالة من القس محسن منير تقول: طالعت باهتمام وتقدير مقالكم الذي تناول بعمق وحكمة موضوعا شائكا, وهو الزواج المختلط الديانة…فقط لي ملاحظة واحدة, وهي أن التحذير من هذا الزواج لا ينبغي أن ينطلق من إحساس بالتمييز والتعالي علي الدين المختلف…لكن يجب أن ينبع من الإقرار بأن أحد أهم العوامل التي تهدد استقرار الحياة العائلية هو اختلاف الاتجاهات الفكرية, وصراع اختيارات الحياة اليومية طبقا للخلفية الدينية للزوجين. وأنا أري أن بعض الحالات الناجحة من هذا النوع من الزواج تمثل الاستثناء لا القاعدة! وما تنوه عنه هذه الرسالة من حقيقة الدوافع وراء أهمية تحذير الأبناء من زواج مختلط الديانة جدير بالاهتمام. فعندما نواجه أبناءنا بحقيقة أن اختلاط الماء بالزيت مستحيل, حتي ولو ضعا في إناء واحد, لايعني تفضيل دين علي آخر, وإنما يقصد به تبصير الأبناء بما يمكن أن ينطوي عليه هذا الزواج من مخاطرة غير محسوبة العواقب.
أحيانا نظن كوالدين أن بعض ما اجتزنا فيه واختبرناه في بداية حياتنا الزوجية لا يمثل أهمية لأبنائنا اليوم…لكن العكس صحيح, فليس هناك ما يمكن أن يشكل تفكيرهم ويؤثر علي شخصياتهم مثل مشاركة خبراتنا الحياتية معهم سواء كانت فاشلة أو ناجحة. علي سبيل المثال: لابد لأبنائنا من معرفة أن رومانسية ما قبل الزواج ستأخذ حجمها الطبيعي بعده, وأن الطاقة العاطفية التي استخدمت لإقناع المحبوب بالارتباط واستحالة العيش بدونه ستتحول إلي نوع أعمق من مشاعر الحب تحفز الزوجين علي محاولة الاقتراب من بعضهما, وتساعدهما علي تطوير التواصل الإيجابي لفهم وقبول اختلافهما الناتج عن تنوع النشأة الاجتماعية والخلفية الثقافية لكل منهما. في هذه المرحلة من التكيف, والتي تستغرق عادة سنوات تطول أو تقصر بحسب قدرة الزوجين علي عبور مساحات الاختلاف, سيكتشف الحبيبان أن ما ظناه سهلا في الزواج يحتاج في الواقع العملي إلي معرفة واجتهاد متواصل, وأن التوافق بينهما لا يمكن الوصول إليه تلقائيا.
أيضا الانتقال من حياة العزوبية إلي حياة الالتزام الأسري بمتطلباته يمثل أحد التحديات التي تواجه الأسر الجديدة, خاصة لدي الرجال…بناء الثقة المتبادلة مع احترام الخصوصية الشخصية للزوج والزوجة يحتاج لوقت, التدرب علي الاستماع لرأي الآخر, والتنازل عن كل أو جزء مما أفكر فيه يتطلب تضحية وتواضعا أحيانا, التعامل بمنطقالسيد والجارية يحتاج لوقفة مع النفس إذا أراد الزوج أن ينال احترام زوجته, والتمتع بعلاقة رائعة معهايسودها الرقي والتحضر.هذا بعض مما يصف تحديات بناء الأسرة في السنوات الأولي من الزواج. والسؤال الهام هنا: تري إلي أي مدي تزداد الضغوط علي الزواج إذا أضفنا إليه التحديات التي ترجع إلي اختلاف الدين والعقيدة؟!
إذا أردنا أن ندرب أبناءنا علي حكمة الاختيار قبل التورط في زواج مختلط لنناقش معهم التأثير المتوقع لتباين ممارسات العبادة علي حياة الزوجين مختلفي الديانة, وهل يمكن التوفيق بين صراع وجهات النظر الدينية عند صنع قرارات مصيرية للحياة, خاصة إذا تمسك كل واحد بما يؤمن به…من الطرف الذي سيرضخ أو يستسلم؟ وما الشكل الذي ستكون عليه العلاقة بينهما؟!
ربما يظن البعض, أو يخدع بسبب ضغوط عاطفية أو ضغوط من أي نوع آخر, أن بإمكانهم البقاء علي إيمان آبائهم-ولو في قلوبهم بالرغم من ارتباطهم بالزواج بشخص من دين آخر, لكن ما سيفاجأ به هؤلاء أن الواقع العملي سيثبت لهم أن الصراع الخفي والظاهر في حياتهم الأسرية لن ينتهي إلا بتحول طرف ليدخل في دين الآخر, أو عندما يختار الطرفان تجاهل الدين, لأن الحياة بدون علاقة مع الله ستبدو لهما أسهل! وخبرات الكثيرين تحكي أنه في كلتا الحالتين سيتجدد النزاع بين الزوجين مرة أخري بشكل خاص بعد ولادة الأبناء…عندما يتولد داخل الزوجين شعور خاص بالمسئولية لم يختبراه من قبل! عندئذ تعود علاقتهما إلي التوتر, ويشعر الطرف الذي تحول إلي الدين الآخر بالضياع بينما يفكر في مستقبل الأبناء وإلي أي دين سينتمون, وهل ستتاح لهم حرية الاختيار أم لا؟ وأسئلة أخري تمزقه في الداخل لا يجد إجابة عليها.
بالرغم من إيماني بالمبدأ أنه لا يحق لأحد أن يدين غيره فيما يستحسنه, إلا أنني مقتنع تماما أن حالات الزواج المختلط التي تبدو ناجحة, مع أنها استثنائية, هي فقط التي نسمع عنها…أما الذين حطمهم هذا النوع من الزواج فنادرا ما يستطيعون المشاركة بما عانوه من إخفاق مأساوي في تحقيق ما تمنوه لحياتهم, عملا بالقول:إذا بليتم فاستتروا!.
ولماذا نتجنب مناقشة مخاطر الزواج المختلط دينيا علي كل المستويات؟ أليس لكل دين تعاليمه ومحاذيره في هذا الشأن؟ تري هل نقبل هذه المهمة بالرغم من حساسيتها كجزء أصيل من مسئوليتنا عن تربية أبنائنا؟ لنرجع إلي حديث سليمان الحكيم لابنه في سفر الأمثال الأصحاحات من 5إلي 7, ففيه نجد مضمونا رائعا يمكن أن ينطلق منه حوارنا مع أبنائنا عن المقاييس المسيحية لاختيارات الزواج.
كل ابن لا يتبع ميراث إيمان أبيه يشبه ثورا يساق للذبح, وكل ابنة تترك شريعة أمها تكون مثل عصفور يسرع إلي الفخ وهو لايدري أن فيه هلاكه! إنها ساعة الآن لنستيقظ!
me.www.FocusOnTheFamily