يا بلادي… يا بلادي… أنا بحبك يا بلادي! كلمات حركت مشاعر المصريين في كل بيت بلحنها الشجي. في كل مرة تابعت فيها هذا النشيد مع الكليب الذي يعرض صور الورد المصري الذي تفتح في ميدان التحرير شعرت بالتأثر العميق الممزوج بالفخر… فأخيرا أضاء نموذج تضحية هؤلاء الشباب ظلمة افتقاد أولادنا لبطولة معاصرة تحرك في عروقهم مجددا دماء محبة الأوطان!
لقد أيقظت ثورة 25 يناير الروح الوطنية لدينا جمعيا, وصهرت عناصر الأمة في وحدة تفوق الخيال يمكن أن تأخذنا إلي ازدهار قومي, ومكانة عالمية… فكيف للأسرة أن تسهم في الاحتفاظ بقوة دفع الروح وتنميتها, حتي يستمر شعورنا بالفخر والحب لبلادنا علي مدي الأيام!
حب الوطن لا يتعمق بالانفعال المؤقت, أو بالتأثير بكلمات ولحن… الحماس الوطني الذي أخرج أولادنا لينظفوا شوارع المدينة- مع أهميته المرحلية- قد يفتر مع مرور الوقت, لكن تبقي المواطنة قيمة تتأصل في أولادنا فقط عندماتكون جزءا له موقعه علي خريطة التربية في كل بيت ومدرسة.
أطفالنا الرضع يتعلمون معاني الحب من اللمسات الأولي الرقيقة التي يحيطهم بها الوالدان, وعندما يكبرون يتعلمون كيف يميزون قيمتهم الشخصية كأفراد إذا توافر جو من الاحترام والتقدير المتوازن سواء في البيت أو المدرسة. لكن هذا الحب الأسري والتقدير للذات لابد أن يترجما لشعور بالانتماء إلي وطن يعيشون فيه, ويثقون أن لهم فيه فرصة لحياة كريمة ومستقبلا مشرقا… فمجهودات الآباء والأمهات لتربية أبنائهم ليصبحوا بالغين شرفاء ومحترمين لابد أن تؤسس علي حقيقة أنهم جزء من عائلة أكبر لن تتقدم إذا ظل كل منهم حبيسا داخل ذاته, واحتياجاته, أو أحلامه الشخصية. وهنا يأتي دور الأسرة في تنشئة أبناء يربطون بين مفهوم الانتماء إلي وطن يحبونه ومعايشة تحديات الحياة اليومية في كل مجالات المجتمع, ويدركون أن حب الوطن له تأثير قوي في اختياراتهم للمستقبل, وقرارهم بالتمسك به حتي الاستشهاد, أو تركه بحثا عن وطن جديد!
عند حوارنا كأسرة لاستكشاف المعاني السامية لحب الوطن لنؤكد لأبنائنا أنهم جزء مهم ولا يستهان به من تكوين هذا الوطن… فهم نصف الحاضر وكل المستقبل, وهم قادة هذا البلد القادمون, وكل
القيم الأخلاقية التي تغرس في حياتهم اليوم, وتروي بالحب والعناية والإرشاد, وتنمو بممارستها, وتمتحن بالصعاب التي يواجهونها في حياتهم, هي التي ستشكل أخلاقيات المجتمع في السنوات القادمة.
وما يمكن أن نناقشه مع أولادنا عن مفهوم المواطنة والانتماء لمصرنا كثير جدا, وله تطبيقات عملية ترتبط بما يمكن لكل فرد أن يقدمه لدعم المجتمع والوطن. فأيا كان عمر الابن أو الابنة, دراسته أو عمله, موقعه جغرافيا أو بيئيا, عقيدته وإيمانه, أو انتماؤه السياسي… فالمواطنة تعني أن لكل واحد منا الحق, طبقا لمصريته, أن يعيش في ظل الحريات التي يعلنها دستور البلاد بما في ذلك: حق التعبير عن النفس, حرية الاعتقاد والعبادة, الحق في التعليم, العيش في مجتمع آمن يوفر فرص عمل ورعاية صحية للجميع, بالإضافة إلي العدل والمساواة علي كل المستويات وبدون تفرقة, وغير ذلك من مكونات المجتمعات الحرة المتحضرة. فما لم يعرف أبناؤنا امتيازات المواطنة لن يتسني لهم الاستمتاع بها, أو المطالبة بوجودها إذا لم تتوفر لسبب أو لآخر.
ومثلما نناقش مع أبنائنا امتيازات المواطنة لابد أن نعرفهم بمسئولياتها أيضا. فمصريتنا تتطلب منا أن نلتزم بالقوانين والنظام العام للدولة, والتمسك بكل ما يحقق الديموقراطية, ومقاومة الفسادبكل أنواعه وفي كل موقع, والمشاركة العملية فيما يتاح من مشروعات تنموية تخدم المجتمع, والإحساس بالمسئولية الشخصية تجاه احتياجات الآخرين المعنوية والمادية مما يدعم وحدة الوطن.
إن أردنا كآباء وأمهات أن يكون لأولادنا دور فعال في تشكيل مستقبل هذا الوطن فلنحرص علي بناء شخصياتهم من خلال ربط حياتهم اليومية بالمفاهيم الإيجابية لمعاني الاستقامة, والثبات علي المبدأ, وضبط النفس, والاجتهاد, ومحبة الحكمة, والشجاعة, والتواضع… فلا معني لتعليمهم حب الوطن بدون حياة تترجم علميا مثل هذه الصفات.
www.FocusOn TheFamily.me