في مثل هذه الظروف التي تمر بها بلادنا, والكنيسة علي وجه الخصوص, لا شك أن عقول وقلوب أولادنا قد ازدحمت بأسئلة مفاجئة ومشاعر صادمة نحتاج كآباء وأمهات ألا نتركها تنفرد بهم فتيئسهم من الحياة, بل نبادر بمناقشتها معهم, فعندنا نستيقظ علي أخبار مفزعة من الطبيعي أن تتولد مشاعر من الخوف والحزن الممتزجين بالغضب, والتي تحتاج أن نتعامل معها قبل أن تتطور إلي مشاعر من الكراهية, وتفقدنا الشعور بالانتماء لوطن يعيش فينا- كما علمنا قداسة البابا.
في مثل هذه المواقف قد يسهل التعامل مع مشاعر الغضب التلقائية أكثر من تعاملنا مع مشاعر الحزن والخوف والإحباط. فالغضب قد يكون أحيانا قناعا يخفي وراءه شعورا بالإحباط يدفع مع استمراره إلي الانسحاب من المجتمع, وفقدان الأمل في المستقبل… فكيف يمكننا كوالدين أن نساعد أبناءنا علي استيعاب ما حدث, وإعدادهم للتعامل مع مثل هذه الأحداث المفجعة؟
بصفة عامة الأطفال الأصغر سنا قد لا يسألون كثيرا عما يحدث, وقد لا يحتاجون إلي حديث طويل ليفهموا حقائق الأمور. علي النقيض من ذلك, فالأبناء الأكبر- خاصة الشباب يطلبون فهما أعمق لمعني ما يحدث, وتأثيره عليهم وعلي مستقبلهم وعلي الآخرين أيضا. فعند حديثك مع أبنائك عن أحداث العنف والإرهاب يمكنك أن تأخذ الأفكار التالية بعين الاعتبار, وتبقي معرفتك بهم أفضل ما يرشدك عبر هذا الحوار المهم:
* راقب ما يسمعه أبناؤك من أخبار وما يشاهدونه من صور عن آثار الجريمة… فالتأثير العاطفي للصور التي تنشر عن الضحايا أعمق جدا مما قد نتخيل. فاجلس بجوارهم بينما يتابعون تلك الأخبار والصور سواء عبر شبكة الإنترنت أو من خلال قنوات التليفزيون, من حين لآخر اسألهم عما يفكرون فيه أو يشعرون به, ودعهم يعبرون بالكلمات والانفعالات عما بداخلهم. اقبل دموعهم تأثرا بالموقف, وضمهم إليك, ولا تستهين بهذه المشاعر الصادقة.
* شجع أولادك أن يشاركوا معك كل ما يسمعونه خارج البيت عن الأمر. فأخطر مما يشاهدون أو يسمعون هو المعلومات غير الصحيحة التي قد تصلهم من أقرانهم, والتي عادة ما يكون فيها الكثير من المبالغة أو الهواجس غير الحقيقية. هذا سيتيح لك مساعدتهم ليتغلبوا علي مخاوفهم غير الواقعية.
* استعد لمناقشة الأسئلة الصعبة, مثل: هل يمكن أن يحدث معنا نفس الشئ؟ أو ماذا كان يمكن أن يحدث لنا لو كنا هناك في تلك الليلة؟ اشرح لأولادك أن هذه التساؤلات طبيعية في ظروف مثل هذه, وأنه من المؤلم أن نفكر في إجاباتها ما دامت لم تحدث معنا بالفعل… ثم انتقل بهم لمناقشة ما يمكن أن تفعلوه معا كأسرة للمشاركة الإيجابية في تعزية ومساعدة ضحايا الحادث. ربما يساعدكم أن تجتمعوا مع أسرة أخري من الأصدقاء أو الجيران لمناقشة هذه الأمور, حتي يعرف الأولاد أنهم ليسوا وحدهم الذين يزعجهم هذا الحدث.
* سؤال صعب آخر لابد أن يتطرق إليه الحوار مع أبنائنا: تري لماذا ينتحر أحدهم بتفجير نفسه ليقتل الأبرياء؟ إن المعتقدات عندما تضيق وتنظر للحياة من جانب واحد تعمي أصحابها, فتجعل من عقولهم صيدا سهلا لأشرار يسيطرون عليها بفكر لا يتفق مع الدين الصحيح… عندئذ يجد أولئك المضللون تبريرا للقيام بما يطلب منهم, وهم يظنون أن هناك ما يبرر قتل الآخرين… هنا لابد أن تشجع أولادك علي البعد عن تعميم موقفهم تجاه الآخرين, فالإرهاب لا دين له!
* ما قد يسمعه الأبناء من خلال وسائل الإعلام في الأيام التالية لوقوع حادث إرهابي قد يكون محيرا أو غير مفهوم… فلابد أن نترجم لهم تصريحات المسئولين التي تعد بالتصدي للإرهاب, وملاحقة مرتكبي الحادث إلي لغة يفهمونها, مع تعزيز ثقتهم بأن ما يحدث في أي مكان في العالم ليس بمفاجأة عند الله, وهو كلي السلطان والحكمة.
* أخيرا, وبحسب عمر أولادنا ومستوي نضجهم الفكري, نحتاج أن نشارك معهم قيمنا الإيمانية التي تؤكد معية الله ووعود حمايته… فلا خوف ولا إحباط يعفيان الإنسان من مواجهة مصير غير معروف. فالأمان الحقيقي هو شعور داخلي ولا يستمد من البشر, كما أن الحياة بها سلام وخير أكثر جدا مما بها من عنف وإرهاب بغض النظر عما نشعر به الآن… من يراقب الريح لايزرع, ومن يراقب المطر لا يحصد… ومن يراقب الإرهاب لن يترك بيته, فلنخرج للحياة بأمل جديد, ولنضئ شمعة من المحبة ونموذج الحياة الصالحة في كل ركن مظلم نوجد فيه… أما الحياة والموت فلنتركهما لمن بيده أمرنا