فى يوم 15 يناير – أى قبل الثورة ب 10 أيام فقط – وصلت ليد الرئيس السابق مبارك رسالة من الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الطائفة الأنجيلية بمصر .كانت تحمل عنوان (رسالة إلى الله ) يتحدث فيها الأب صفوت عن معاناة الأقباط فى مصر وخاصة التعسف الذى يلقونه عند بناء الكنائس .مبارك الذي خلعته الثورة لم يهتم بالرسالة ولم يرد عليها فقد ظل يحكم لمدة 30 عاماً دون أن يصدر قانون دور العبادة الموحد .ولأهمية الرسالة ولأنها أصبحت جزء من التاريخ .كما أنها تثبت أن حال الأقباط لم يتغير .فنحن ننشر نصها والذى جاء كالتالى:
يا رب أكتب إليك هذه الرسالة من وحى ما كتبته أرملة فقيرة تعيش فى بلاد ” السيد سام ” ( وليس العم سام ) فلم يعد هناك (عم ) فالعم قريب وفى مكانة الأب وليس لنا أب سواك يا رب. كتبت تلك الأرملة رسالة موجهة إلى الله وأرسلتها فى ظرف قديم وغير نظيف وبدون طابع بريد وألقته فى صندوق البريد. رأى هذا الخطاب ساعى البريد الطيب ولم يلقه فى صندوق القمامة بل فتحه ليقرأ ما بداخله :
يا رب لقد سرق اللص تحويشة السنة كلها وهى مبلغ مائتى دولار كنت سأشترى بها أحتياجات عيد الميلاد وأطلب منك مساعدتى فأنت وحدك العالم بأحتياجى .
ذهب ساعى البريد إلى زملائه وجمع منهم مبلغاً وصل إلى مائه وثمانين دولاراً ووضعها فى مظروف وأرسلها إلى الأرملة قبل عيد الميلاد.
فرحت الأرملة بالمبلغ وكتبت ردها الآتى :
” أشكرك يا رب لأنك أستجبت لى ويبدو أن ساعى البريد غير آمين وأرسل المبلغ ناقص عشرين دولارا”
أما قصتى التى أكتبها إليك فقد أوحتها لى تلك الأرملة أو ربما ما أعانيه من عدم أستجابة حتى من سعاة البريد الذين يحملون طلباتى ولا يردوا عليها. يا رب أكتب إلى المسئولين على ورق أزعم أنه نظيف ملتمساً رداً حتى ولو بالنفى أو بالتأنى ولكن لا مجيب.
أنا لم أطلب مساعدة مادية ولا أحتياجات العيد مع أن الأعياد مرت لسنين والناس يلحون ويطلبون بالصلاة والأصوام وبالدموع. ليس لهم مكان يصلون لك فيه وإذا أرادوا ذلك فى بيت منعهم رجال أقوياء غير رجال البريد الرحماء حتى عندما لجأنا إلى رئيس البلاد الذى نصلى دائما لأجله كما علمتنا فى كتابك لنا. ففى الغالب لم تصله شكوانا فتوجهنا إلى القضاء الذى شرعته لنا وبعد سنين من التأجيل فلديهم آلاف القضايا وقضايانا ليست لها صفة العجالة وتمر السنون وقد أستجاب السيد الرئيس فسمح بتخصيص قطع من الأراضى فى المدن الجديدة ولكن مع تطبيق الشروط وخصم أكبر قدر من القطع الممنوحة لتبقى مشاعاً لراكبى السيارات ولم يعد يبقى منها إلا الجزء اليسير ، أقل من 30 % من قطعة الأرض الممنوحة لنا . ولكن على أرض الواقع تمر السنون بأعيادها ولا حياة لمن تنادى حتى التليفونات فإنها تغلق فى وجوه الطالبين.لقد أغلقوا الأبواب فى الأماكن العامة والخاصة.
ولم يبقى أمامنا إلا بابك يارب ولما كنت أنت يا رب لا تغلق بابك فى وجه طالبيك وإن كنت تتأنى كثيراً وأنا لا أمل من أن أطرق بابك مهما طال انتظارك.
يا رب : أنت تعرف ما نعانيه وتعلم أن هناك ” فتوى ” تقف عائقا دون بناء كنيسة فى المدن الجديدة وقد يكون هذا عذر المسئولين الذين يخشون غضبك منهم لذا فإنى أطلب إليك أن تطمئنهم بأن الفتوى لم تكن منك بل من أشخاص عاديين مثلنا يصيبون ويخطئون فمن وضع شروطاً عشرة كان أسمه العزبى ربما لأنه كان يمتلك عزبة أو ظن أن كل الأرض التى نعيش عليها عزبة وهو المالك والمتصرف. فقبل شروطه العشرة التى خلد بها ذكراه قبل أن يلقاك فى آخرته وأصبحت شروطه قيداً علينا لا نجد من يفك قيوده سواك. قبله كنا نبنى الكنيسة ويعلوها منارة بها جرس ينبه الناس بموعد الصلاة عندما لم تكن الساعات قد انتشرت وفوق المنارة كانت توضع الصلبان ولم يعد وضعها مقبولاً فى هذا الزمان بدليل أن من سمح لهم بإعادة بناء كنيسة على ذات المساحة رغم عدم ملاءمة المساحة لعدد الناس وبعد أكثر من مائة عام تضاعف فيها السكان عشرات المرات وعندما أرادوا أن يرفعوا الصليب كما كان فى المبنى القديم قامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد نزول الصليب عن المبنى الجديد وعندما صرخ القسيس مستنجداً قلنا له لا تقلق ولا تحدث مشكلة قد تكون سبباً فى فتنة كبرى وقد تزهق فيها أرواح ولا تعلم مصدرها أو فاعليها والذى –غالباً- ما يكون مجهولاً.
يا رب كنا قديما نرفع الطلب ويأتى الرد فى أيام ولدينا صور المكاتبات وكنا نشكو من ذلك الزمان ولقبناه بالزمان البائد وها نحن ننتظر الأعوام التى بلغت فى أرقى أحياء القاهرة ما يزيد على نصف قرن إلى أن أبتكر شعبك أقامة كشك من الخشب يسع ما يقرب من المائتى متعبد ونخشى أن يحترق ذلك الصندوق الكبير بمن فيه والماس الكهربى ليس بعيداً عن ذلك الصندوق العجيب وسوف تقيد القضية ضده.
يا رب إنى أكتب إليك مستوحياً من الأرملة التى أعدت إليها غالبية المبلغ المسروق وكلى ثقة أن رئيس البلاد فى قلبه من الشفقة والحنان ما يفوق قلب أولئك الذين تجاوبوا فأعطوا معظم المبلغ الضائع لكنى لم أعد أثق فى زملاء ساعى بريد اليوم أن يتجاوبوا ويساهموا بتأشيرة تروى غليل العطشان أو يتنازلوا بالرد ولو بكلمة طيبة وأن كان الكلام لا يروى ظمآن ولا يشبع جوعان فى هذا الزمان.
يا رب تلك هى رسالة مفتوحة أتمنى أن ترسلها إلى من يتجاوب مع دعائنا وليعلم الكل إننا دائما نطلب الخير لكل الناس ولا نكره أحداً ولا نطلب منك انتقاما بل نطلب من حنانك أن تشفق وتترأف وترحم وتحسن إلى الذين يسيئون إلينا فهكذا علمتنا وأمرتنا ولكننى أستأذنك يا سيدى الرب أن أرسل صورة من صرختى إليك إلى السيد الرئيس محمد حسنى مبارك الذى نصلى دائماً إليك أن تحفظه سالماً وأن تباركه فهو يحمل الكثير من أثقالنا ونعلم أن قلبه كبير وعطاءه كثير وحمله ثقيل. فأحفظه لنا سالماً وإنى لا أمل الطلب منك وسامحنى إن كنت لا أطلب من أحد سواك، فالكل منك والجميع يأتمرون بأمرك فأنت ملك الملوك وسيد الخلق واليك المصير يا أرحم الراحمين.
—-
س.س
17 سبتمبر 2011