ولد بشارة الخوري أوالأخطل الصغيرفي بيروت سنة 1885م,وكان أبوه عبد الله الخوري يمارس الطب وقد خاف علي أولاده من الخدمة العسكرية فسجلهم في إحدي القري الجبلية التي كانت معفاة من أداء خدمة الجندية. تلقي بشارة مباديء القراءة والكتابة ثم انتقل عام 1902 إلي مدرسة الروم الأرثوذكس وقضي فيها عامين مع شبلي الملاط,انتقل بعدها إلي مدرسة الحكمة سنة 1904 ثم انتقل إلي مدارس الفرير سنة 1906 ليتقن الفرنسية حديثا وكتابة.ولما كانت البيئة ذات أثر في تنشئة الصغار فقد كان بيت والده الذي كان يجتمع فيه مع أصدقائه من محبي الأدب ورواة الشعر الأثر البين في اتجاه الصبي الناشيء إلي القراءة وحب الأدب.
وفي سن الشباب كان بشارة الخوري يلتقي مع مجموعة من الأدباء والشعراء في مقهي علي ساحل بحر بيروت وقد وصف أمين الريحاني -وهو واحد من هذه الجماعة- هذا المقهي وصفا دقيقا وحدد الأدباء والشعراء الذين كانوا يجتمعون فيه. سافر إلي بغداد مرتين مرة لرثاء الملك فيصل ومرة لرثاء الزهاوي الشاعر,وسافر إلي القاهرة للمشاركة في مهرجان شوقي ومبايعته بإمارة الشعر,ورحل إلي دمشق ليؤبن فوزي الغزي ودعي للمشاركة في مؤتمر الأدباء الخامس إلا أنه اعتذر لمرضه بويع بإمارة الشعر في الاحتفال الذي أقيم له في قاعة الجمهورية وتحدث فيه كبار الشعراء والأدباء كما غنت فيروز من شعره,وقد تقرر إطلاق اسمه علي أحد شوارع بيروت وتعليق صورته في قاعة دارالكتب,وقد ألقي قصيدة فيها منها هذه الأبيات:
اليوم أصبحت لاشمسي ولاقمري
من ذا يغني علي عود بلا وتر
يا للقوافي إذا جاذبتها نفرت رعت شبابي وخانتني علي كبري
كأنها ما ارتوت من مدمعي ودمي ولا غذتها ليالي الوجد والسهر
أين القصائد تندي من جوانحها ريحانة السفح أو أغنية النهر
شعر كما شاءه الإبداع مبتكر تدفقت فيه أمواج من الصور
غني العروبة ألحانا مجنحة من دمعة الليل أو من بسمة السحر
اشتغل الأخطل الصغير بالصحافة وكان واحدا من أصحاب الصحف,فقد أنشأ عام 1908 جريدة البرق وصدر العدد الأول منها في غرة أيلول عام 1908 وكانت أدبية أسبوعية ثم صارت يومية عام 1919 وقد عطلها العثمانيون لوقوف صاحبها بجانب الوطنيين كما تعطلت مرة أخري عام 1914 بسبب الحرب العالمية الأولي ثم تعطلت مرة ثالثة لأنه ألقي قصيدة ببغداد رثي فيها الملك فيصل الأول,وفي عام 1927 أصبح نقيبا للصحفيين كما أصبح عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1932 عاش مشاكل العروبة وغناها مثلما فعل جيله في مصر شوقي وحافظ إبراهيم وها هو يقول:
أنا في شمال الحب قلب خافق وعلي يمين الحق طير شاد
غنيت للشرف الجريح وفي يدي ما في سماء الشرق من أمجاد
فمزجت دمعته الحنون بدمعتي ونقشت مثل جراحه بفؤادي
وإذا كانت الصفة الأولي للشعر العربي منذ نشأته هي الغنائية
بمعني الترجمة عن النفس في كل حالاتها العاطفية فقد تحققت هذه الغنائية بهذا المعني وبمعني الرقة الأسلوبية الموائمة للعواطف وليس من شك في أن الترنيم الشعري القائم علي الإيقاع اللفظي خصيصة قد يفقدها بعض الشعراء وقد تحققت في شاعرين جهيرين متعاصرين هما شوقي وبشارة الخوري فأغلب شعرهما لايعوزه الإيقاع والترابط النغمي اللذان لانراهما في شعر عبد الرحمن شكري والعقاتد مثلا,والإيقاع -كما تعلم- ليس حالية في القصيدة فهو عنصر مهم من عناصر تكوينها وقد استعلن شعر بشارة الخوري بهذه الخصيصة ولعلها كانت من أسباب نجاحه كشاعر جماهيري ولعلنا نحس بها في قصيدته التي ألقاها في بغداد رثاء للملك فيصل وهي التي يقول في بعض أبياتها:
بغداد ما حمل السري مني سوي شبح مريب
جفلت له الصحراء والتفت الكثيب إلي الكثيب وتنصتت زمر الجنادب من فويهات الثقوب يتساءلون وقد رأوا قيس الملوح في شحوبي والتمتمات علي الشفاه مضرجات بالنسيب يتساءلون: من الفتي العربي في الزي الغريب؟, صحراء يابنت السماء البكر والوحي الخصيب أنا دمعة الأدب الحرين رسالة الألم المذيب من قلب لبنان الكئيب لقلب بغداد الكئيب.
ولقد تعرض الأخطل الصغير لهجوم من الأدباء والشعراء أصحاب الثقافة الفرنسية فعابوا عليه اقتصاره علي النغم التراثي والتعبير الواضح الصريح كما أخذوا عليه بعض الصور الصحراوية التراثية وناقدوه لايعرفون قاعدة نقدية مهمة هي أن الأشياء يحكم عليها في زمانها وبيئاتها فبشارة مثل شوقي كانا يمثلان مرحلة الانتقال من شعر تقليدي محض إلي شعر يتابع العصر ويستجيب لمطالب البيئة,والشاعر لايكتب لنفسه وإنما يكتب لمعاصريه ونجاح الشاعرين دليل علي أنهما ترجما عن نفوس المعاصرين لهما في دقة وضبط.