يبدو أن سلطة القانون لم تغب فقط عن الحياة السياسية وإنما تغيب أيضا عن أهم الأمور الحياتية وأهمها التي تتعلق بمصائر المواطنين وتعتبر مسألهة حياة أو موت فمنذ مايقرب من شهر سقطت شحنة اليود المشع المرسلة من هيئة الطاقة الذرية إلي معهد الأورام بسوهاج في قرية الحمادية بواسطة سيارة أجرة بذات المحافظة حادث أسفر عن كارثة إذ سقطت حاوية الرصاص الحاملة للشحنة علي الأسفلت والمزروعات المجاورة,وتعرض الموظف المسئول عن نقل المادة المشعة لكميات من الإشعاع.تمت إزالة المزروعات بتلك المنطقة ووضعها في حجرة منفصلة لحين تجفيفها وحرقها,وحتي الآن تجري التحقيقات لمعرفة المتسبب في الحادث وعلي من تقع المسئولية.خاصة وأن خطورة المواد المشعة تستمر لفترات طويلة قد تصل لعقود.تري ماضرر انتشار المادة المشعة وهل تكفي القوانين المعمول بها حاليا لحصار الجهل أو الاستهتار من بعض المتعاملين مع تلك المواد؟
حول حجم الضرر الذي يمكن أن تسببه مادة اليود المشع.تحدث الدكتور جابر حسيب رئيس المركز القومي للأمان النووي سابقا وأستاذ الوقاية الإشعاعية قائلا:تأثير المواد المشعة علي المنطقة التي وقع بها الحادث محدد لأن مدة عمر النصف لمادة اليود 131 هي ثمانية أيام-أي يقل نشاطه للنصف بعد الأسبوع الأول من وقوع الحادث,وتسرب المادة المشعة,ثم يقل للربع في الأسبوع الثاني ,وإلي 12% فقط بعد الأسبوع الثالث,والمنطقة التي وقع فيها الحادث علي طريق سريع وغير مأهول بالسكان,ويعتبر مندوب معهد الأورام الذي استلم المادة هو أكثر المتضررين من الإشعاع لأنه عندما اكتشف قطم الحاوية وانسكاب المادة علي الأرض حاول جمعها بشكل عشوائي ووضعها في الحاوية مرة أخري لذا تم حجزه في معهد الأورام لعلاجه حتي يتخلص جسده من الإشعاع الذي أمتصه لأن كل مايخرج من جسمه من فضلات سيصبح ضارا بوسط الصرف الصحي.
قامت هيئة الطاقة الذرية علي الفور بالتعامل مع الحادث واحتواء المخاطر الناتجة عنه,كما تم عمل كردون حول المنطقة الملوثة بالمادة المشعة استمر لمدة ثلاثة أسابيع هذا ومع مرور الوقت أضمحل تأثير المادة ولكن ماتبقي هو تعامل مندوب الهيئة مع المادة وعدم مواجهتها بالشكل السليم أو نقلها بالشكل الأمن.إذا نحن أمام قضية توعية من الدرجة الأولي التي وأن كانت مخاطرها تم حصارها في الحادثة الأخيرة إلا أنها قد تتضاعف في حوادث أخري.
لذلك أضاف د. حسين قائلا لنقل المواد المشعة شروط أهمها وجود سيارة مجهزة يصاحبها مرافق متخصص وحاصل علي موافقة مكتوبة من هيئة الطاقة الذرية وذلك بالنسبة للمواد المفتوحة أما المغلقة ومنها المصادر المستخدمة في التطوير الصناعي والكشف عن البترول والمصادر المستخدمة لعلاج الأورام يتم ترخيصها من وزارة الصحة طبقا للقانون 59 لسنة 60 وهذا القانون يختص بتداول المواد المشعة سواء نقل أ و استخدام أو تخزين أو استيراد أو تصدير .والجهة التي تستخدم المواد المشعة لابد أن تكون حاصلة علي ترخيص لذلك.
اختلف الدكتور حامد رشدي القاضي الرئيس الأسبق لمجلس إدارة هيئة الطاقة الذرية مع هذا الرأي ,موضحا أن حادث نقل اليود المشع تحديدا تقع مسئوليته علي هيئة الطاقة الذرية إذ أن الإجراء السليم في هذه الحالة هو وجوب نقل تلك المادة وتسليمها لمعهد الأورام بواسطة فني متخصص من الهيئة وليس نقلها بواسطة موظف المعهد ففي هذا مخالفة صريحة للقانون.
وعن عدم تفعيل مواد القانون أشار المهندس سمير متري صاحب مشروعات خاصة بالطاقة الذرية إلي أن هناك قضية لم يتم حسمها حتي الآن آثارت منذ مايقرب من عام ضجة كبيرة,وهي ورود أواني صينية أطقم بهاراتإلي السوق المحلية وثبت الفحص الإشعاعي لها أن بها نسبة كبيرة من الإشعاع تضر بصحة الإنسان إذ أن هناك بعض المواد المشعة التي تستخدم في تصنيع تلك الأواني يقوم المنتج باستخدامها في عملية التصنيع نظرا لرخص ثمنها,فعلي سبيل المثال نجد أطقم البورسلين الغالية الثمن ولايدخل في تكوينها أية مواد مشعة في حين أن مثيلاتها المستوردة من بعض الدول -رخيصة الثمن- وها مواد مشعة تضاف لها في عملية التصنيع تكسبها خواص نظيرتها من البورسلين النقي مما يعود بالربح الكثير علي منتجها غير أنها ليست صالحة للاستخدام الآدمي حتي وبعد تلفها وألقائها بالقمامة يظل تأثير الاشعاع بها قائما ,ومن المفترض وجود حد أقصي لنسبة الاشعاع في المواد التي تستخدم في الصناعة.وهذا الحد مصرح به من الدولة وتحدده قوانين وقرارات وزارية كما أن المواطن العادي لايمكنه التفريق بين السلع النقية والسلع المشعة إذ فالسيادة للقانون.
ويتساءل متري أين القانون من هذه القضية التي قارب أنفجارها علي عام كامل خاصة وأن الأواني يتم بيعها ولايمكن جمعها من الأسواق.
في النهاية طالب الخبراء بتغيير القانون رقم 59 لسنة 1960 الذي ينظم العمل بالاشعاعات المؤينة وذلك لأن القانون تم سنه وتشريعه منذ حوالي نصف قرن وهو لايواكب الوضع الراهن للتعامل مع المواد المشعة كما أن هذه المواد اقتصر استخدامها علي القاهرة فقط وكانت مشاكل النقل محدودة أنذاك أما الآن فمعاهد الأورام منتشرة وعمليات النقل مكثفة وممتدة,الأمر الذي يترتب عليه تأمين هذه العمليات.لذا فلابد من استحداث مواد جديدة بالقانون ذات عقوبات رادعة للتعامل مع تلك المخالفات علي أن يتولي المتخصصون وضع نصوصها بالتشاور مع خبراء البيئة والطاقة الذرية لدرء الخطر المتوقع حال وقوع حادث من هذا النوع.