يثير دعم النظام الإيراني الشيعي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) السنية خلال العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة الذي استمر قرابة اثنين وعشرين يوما, ومدح قيادات ومسئولي الحركة طهران علي دعمهم لها, ومن قبل الدعم الإيراني لتنظيم القاعدة السني, تساؤلا رئيسيا مفاده: هل لدي إيران الرغبة في تحسين علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية السنية المحظورة رسميا؟, تمشيا مع السياسة الإيرانية لتدعيم قوي الممانعة السنية في المنطقة, وفي إطار الحملة الإيرانية لتقويض الدور الإقليمي لمصر لتحل محله.
في إطار الإجابة علي التساؤل, خلصت مقالة نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني The Washington Institute for Near East Policy تحت عنوان ##جماعة الإخوان المسلمين في مصر وإيران Egypt##s Muslim Brotherhood and Iran## لـ ##مهدي خلجي Mehdi Khalaji ـ زميل زائر بالمعهد, تركز كتاباته علي دور السياسة في التوجه الشيعي في إيران والعراق.
علي الرغم من استحالة التقارب بين المذهبين السني والشيعي علي طول الخط كما تشير الخبرة التاريخية, إلا أنه من الممكن أن تكون هناك علاقات بين طهران الشيعية والإخوان المسلمين السنية داخل مصر , وذلك لأن المذهب الشيعي يلقي قبولا من التيار السني المصري علي عكس كثير من الدول العربية, فضلا عن استحسان الراديكاليين المصريين -حسب توصيف المقالة- للانتقادات الإيرانية للدور المصري. وتري المقالة أيضا أن من شأن هذه العلاقة زيادة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط, وأن يكون لطهران كلمة في الدول العربية, ومن ثم التأثير بالسلب علي المصالح والدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. وفيما يلي عرض لأهم الأفكار التي جاءت في المقالة.
العلاقات بين إيران والجماعات السنية
تحت هذا العنوان يشير ##خلجي## إلي الهاجس الأمني المصري من الاتصال بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين المصرية من خلال حركة حماس التي خرجت من عباءة الجماعة. فقد زاد الهاجس المصري بعد العدوان الإسرائيلي الأخير علي قطاع غزة, فخلال هذا العدوان زاد الدعم الإيراني للحركة, بجانب تزايد الانتقاد الإيراني ##للتخاذل المصري##, وهو ما دفع رئيس المكتب السياسي للحركة ##خالد مشعل## إلي أن يشيد بدور إيران لدعمها الحركة في مواجهة الهجمات الإسرائيلية, قائلا: إن للحكومة الإيرانية والشعب الإيراني دور كبير في نصر الحركة في قطاع غزة.
ويشير الكاتب إلي أن لطهران علاقات قوية مع من تصفهم المقالة بـ##السنة المتطرفين##, وينقل الكاتب عن صحيفة نيويورك تايمز ما تقوله السلطات السعودية من أن زعيم القاعدة في الخليج العربي ##Abdullah al-Qaraqi## يعيش ويتحرك بحرية في طهران, وأن عديدا من السعوديين يعملون لحسابه. وتقول وزارة الخزانة الأمريكية أن طهران قبضت علي نجل تنظيم القاعدة ##سعد بن لادن## في بداية عام 2003, لكنه الآن ليس في حوزة إيران, وحسب مدير المخابرات القومية الأمريكية مايكل ماكونيل إن نجل بن لادن حاليا في باكستان.
علاقة الإخوان المسلمين بالثورة الإسلامية
علي الرغم من غياب علاقات تنظيمية قوية بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وطهران, إلا أن ##خلجي## أشار إلي دور الجماعة في إعادة بعث الروح الإسلامية في طهران قبل قيام الثورة الإسلامية. وإلي التعاون بين أقطاب الجماعة في مصر وأقطاب الشيعة ##الأصوليين## في طهران. مشيرا إلي دور رجل الدين الإيراني الشاب ##مجتبي نواب صفوي## (1924-1955) الذي سعي إلي ربط ##الشيعة الأصوليين## بالحركات ##الإسلامية الأصولية## في البلدان الأخري. ومثل مؤسسي التيار الإسلامي المصري رأي أنه لمحاربة هيمنة الغرب علي المسلمين والطائفية يجب تنحي الصراع بين السنة والشيعة جانبا وخلق جبهة موحدة من المسلمين.
وتلبية لدعوة سيد قطب ـ أحد أبرز مؤسسي ومفكري جماعة الإخوان المسلمين ـ زار ##مجتبي نواب صفوي## مصر والأردن في عام 1954 للقاء زعمائها, وتحت تأثير جماعة الإخوان المسلمين أصبح ##مجتبي## أكثر اهتماما بالقضية الفلسطينية. قبل ذلك الوقت كانت هناك إشارات قليلة للقضية الفلسطينية داخل المجتمع الإيراني بين رجال الدين والمثقفين والناشطين اليساريين. وبعد عودته إلي إيران بدأ حملته لتدعيم فلسطين, فجمع ما يقرب من خمسة آلاف متطوع للانتشار في الأراضي الفلسطينية لمحاربة اليهود. وتشير المقالة إلي أنه قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 ترجم المرشد الأعلي للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي كتابين لسيد قطب الأول تحت عنوان ##مستقبل هذا الدين## والثاني ##الإسلام ومشكلات الحضارة##.
وعن رؤية الجماعة للثورة الإسلامية, يقول الكاتب: إن الجماعة في بداية الأمر رحبت بالثورة الإسلامية التي قادها آية الله الخميني, التي منحت الإخوان الثقة بأنهم قادرون علي قلب ##النظام العلماني## المصري في ذلك الوقت. ولكن بعد اغتيال الرئيس المصري الراحل ##أنور السادات## عام 1981 علي أيدي الراديكاليين الإسلاميين اضطر الإخوان المسلمون إلي اتخاذ موقف حذر من الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي الأقل في العلن. وفي يناير 1982 قال ##عمر التلمساني## ـ المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين ـ لصحيفة المصور الأسبوعية: ##نحن ندعم الخميني سياسيا, لأن شعبا مظلوما قد تمكن من التخلص من استبداد الحاكم واستعادة حريتهم, ولكن من وجهة النظر الفقهية, السنة شيء والشيعة شيء آخر##.
ويقول ##خلجي## إن الجماعة استمرت في انتقاد الخلافات الطائفية بين المسلمين بحجة أن الوحدة ضرورية من أجل الجهاد ضد الحكام الفاسدين والغرب. وفي عام 1985 كتب التلمساني في مجلة ##الدعوة المصرية## إن الاتصالات بين الإخوان ورجال الدين الإيرانيين ليس الهدف منها دفع الشيعة لاعتناق المذهب السني, ولكن الهدف الأساسي من ورائها الامتثال لمهمة الإسلام لتلاقي المذاهب الإسلامية إلي أقصي حد ممكن.
ويذهب الكاتب إلي أن هناك مراحل تعاونت فيها جماعة الإخوان المسلمين مع طهران بشكل أكثر صراحة, مشيرا إلي أنه في عام 1988 علي سبيل المثال, بعد انتهاء الحرب الإيرانية ـ العراقية وبناء علي طلب من أحد قيادات الجماعة الشيخ ##محمد الغزالي## وافقت إيران من جانب واحد علي إطلاق سراح الأسري المصريين الذين قاتلوا إلي جانب الجيش العراقي ضد إيران.
ومؤخرا قال المرشد الحالي للجماعة ##مهدي عاكف## في حوار مع وكالة الأنباء الإيرانية ##مهر##: ##إن الإخوان المسلمين تؤيد مفاهيم وأفكار مؤسس الجمهورية الإسلامية##. وأضاف ##أفكار الخميني لاسيما تجاه القضية الفلسطينية, هو استمرار لتوجه الجماعة لمحاربة الاحتلال##.
شيعة مصر… بين الحاضر والماضي
وفي المقالة يتنقل الكاتب إلي بحث أوضاع الشيعة داخل مصر قائلا: ##إن مصر تتميز بأنها أكثر الدول العربية السنية تقبلا للشيعة##. ويرجع الكاتب بدايات انتشار المذهب الشيعي في مصر إلي العصر الفاطمي لاسيما الشيعة الإسماعيليين الذين لعبوا دورا حيويا في التواصل بين إيران ومصر. ويري الكاتب أن فترة قرنين من الحكم الفاطمي في مصر تمثل نقطة بارزة في تاريخ الحضارة الإسلامية في مجال التنمية والازدهار الثقافي, حتي أن الفن المصري في تلك الفترة تأثر بالأسلوب الإيراني. ويشير الكاتب إلي مدي تأثير العصر الفاطمي علي الثقافة المصرية من استمرار احترام وتبجيل أهل البيت.
ويشير إلي أنه مثلما كان هناك تأثير للإسلام السياسي المصري علي رجال الدين الإيرانيين كما ذكرنا سابقا, لعب رجال الدين الإيرانيين بدورهم دورا حيويا في تشكيل الإحياء الإسلامي في مصر, مشير إلي دور جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر وما تركه من فكر ديني عمل علي توحيد المسلمين ومعالجة علل المجتمعات الإسلامية.
وتشير المقالة إلي أن موجات التشيع لم تقل خلال السنوات الأخيرة, وهو ما أثار حفيظة الحكومة المصرية من تصاعد المد الشيعي في المنطقة, وينقل الكاتب تصريحا للرئيس المصري ##حسني مبارك## ليعبر عن مدي القلق المصري من شيعية داخل مصر وخارجها, فضلا عن الحملات الإعلامية ضد رموز الشيعة والتشيع. ففي نوفمبر 2005 قال الرئيس المصري ##مبارك##: ##إن معظم الشيعة موالون لإيران وليس لحكوماتهم##. وهو ما أثار غضب كثير من الشيعة فخرجوا في مظاهرات بالآلاف في النجف ـ المدنية الشيعية المقدسة في العراق ـ مما دفع الرئيس المصري إلي تفسير تصريحه قائلا: ##إنه كان يعني أن تتعاطف الشيعة مع إيران في النواحي الدينية وليس في وجهات النظر السياسية##.
ويشير الكاتب أيضا إلي تصريحات لرجل الدين المصري البارز الشيخ ##يوسف القرضاوي## الذي حذر أكثر من مرة من الأنشطة التبشيرية من الشيعة والحكومة الإيرانية خاصة في مصر. فقد قال الشيخ ##القرضاوي##: ##إن تزايد تسلل المذهب الشيعي لمصر ينذر بحرب أهلية مثل التي يشهدها العراق##. وحاليا تبذل الحكومة المصرية جهودا لتعبئة رجال الدين ورجال من الأزهر الشريف ضد جماعة الإخوان المسلمين لمواجهة تيار التشيع.
وعن عدد الشيعة في مصر يقول الكاتب: ## إنه ليس هناك إحصائية تحدد هذا العدد; للضغوط التي يتعرض لها الشيعة من الحكومة المصرية, فعظمهم يتجنب الاعتراف علانية بدينهم. لكن بعض المصادر الغربية والمصرية مثل مركز ابن خلدون تشير إلي أن عدد الشيعة يقل عن 1% من سكان مصر أي حوالي 657000 شيعي, إلا أن المقالة تشير إلي الرقم الذي يعلنه ##محمد الدريني##, وهو سني بارز اعتنق المذهب الشيعي, أن العدد يصل إلي 1.5 مليون شيعي داخل مصر.
وتخلص المقالة إلي أنه في الوقت الذي لم يتضح فيه مدي انفراج العلاقات بين جماعة الإخوان المسلمين المصرية وطهران, فإن عواقب مثل هذه العلاقات ستكون مضرة للمصالح والوجود الأمريكي في المنطقة, قائلة: إن إيران مازالت تركز علي توسيع نفوذها داخل وخارج منطقة الخليج العربي, وأن يكون لها علاقات قوية مع قوي الممانعة وأحزاب المعارضة داخل المنطقة والذي من شأنه تعزيز مكانة ودور إيران التأثيري في المنطقة, ولذا يدعو ##خلجي## الإدارة الأمريكية إلي الاهتمام بهذه القضية.
تقرير واشنطن