منذ الإعلان عن تأسيس ”حركة من أجل كل الديموقراطيين” ومعاول الهدم والتشهير تنشط وتؤلف بين قلوب أدماها الصراع وأنهكها التطاحن علي المواقع حتي ”تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي”. ولعل أولي ثمار حركة الديموقراطيين هي تجسير الهوة بين المتطاحنين داخل كل تنظيم, وبعث روح ”العصبية الحزبية” في صفوفهم. فكل الذين استعجلوا التشهير والمناهضة لم ينتظروا حتي يظهر الخيط الأبيض من الخيط فيتبينوا حقيقة الحركة وأهدافها التي استغرقت صياغة أرضيتها ساعات طوالا ومناقشات عميقة ومستفيضة. لقد كانت كل الكتابات والتصريحات المناوئة للحركة أحكام قيمة مبيتة وسوء ظن يطمس الحقائق ويهيئ الشماعة التي سيعلق عليها كل حزب خيباته التنظيمية أو الانتخابية. مما يدل أن المتربصين بهذه الحركة الوليدة هم ضحايا ومروجي ثقافة التشكيك والتخوين و”التمخزين” و”التهراس” والتيئيس. ثقافة أنتجتها وضعية عفنة بالمتهالكين المتواكلين المتباكين الذين كل همهم وضع العصا في كل عجلة تنبض بالحركة. إذ لا عذر لمن يتوهم الحبال فيخشاها.
لقد أثبتت الأيام السوالف أن كل التحليلات والتخمينات التي أوحت لأصحابها بوضع سيناريوهات رثة تزعم استشراف المستقبل السياسي للمغرب بناء علي معطي وحيد مرتبط بشخصية فؤاد عالي الهمة, كل هذه التخمينات إن هي إلا أوهام نابعة من كل ذي نفس فيها بقية من ”مخزن”. فلا السيد فؤاد عالي الهمة عين وزيرا أول ولا وزيرا للداخلية كما أجمعت تخمينات المخمنين الذين تجاهلوا تأكيدات الرجل ألا مطمع له في الوزارة وقد استقال منها برغبة منه وإرادة. إن إسقاط الذاتي علي الغير أو ما يسمي بالاستدلال بالمماثلة لا يستقيم في حالة الهمة الذي اختار الاستقالة من الوزارة بدل التكالب عليها مثلما يفعل الفاعلون, كما أن إسقاط الماضي علي الحاضر لا يفيد أبدا في مجاراة حركة الواقع واستيعاب دينامكيتها.
فالواقع المغربي يعرف ديناميكية حقيقية يجسدها المواطنون بمواقفهم التي تختزلها أدبياتنا السياسية في ”العزوف السياسي” الذي هو ترجمة مباشرة لقناعة تشكلت لدي المواطنين بفعل تنامي الوعي الجمعي بالمسرحيات الانتخابية التي فقدت كل معني ومصداقية. إن هذه الوضعية الخطرة لم تستوعب الأحزاب السياسية أبعادها الكارثية وانعكاساتها المدمرة علي استقرار الوطن وأمن المواطنين. وإذا كانت مواقف الأحزاب من الدولة والمخزن ثابتة ومتحجرة علي يأس أبدي ألا تغيير ولا إصلاح بمبادرة من المخزن والدولة, فإن مكاسب كثيرة تحققت بفعل انخراطهما ـ المخزن والدولة ـ في عملية الإصلاح التي لن ترتفع وتيرتها إلا إذا قامت علي أسس تعاقدية بين كل الفاعلين السياسيين.
لذا تقتضي الموضوعية الإقرار بنصيب كل طرف ـ الدولة, الأحزاب, المواطنون ـ في ما آلت إليه الأوضاع. ولعل السيد إسماعيل العلوي كان صادقا وواضحا ـ في حوار نشرته ”الأحداث المغربية” 2008/2/9 ـ وهو يقر بمسئولية الأحزاب أيضا, خاصة التي شاركت في تدبير الشأن العام. إذن وبعد أن أدرك الفاعلون السياسيون والمواطنون والمجتمع المدني خطورة الوضع, فهل سيفيد التباكي وتشريح الأوضاع من جديد وبلا نهاية ؟ ألا يقتضي الواجب الوطني والأخلاقي استنفار الهمم والإرادات الحسنة لوقف النزيف والانخراط الواعي والجماعي في عملية إصلاح شاملة ترقي بأوضاعنا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والرياضية إلي مستوي يجسد قدرات الإنسان المغربي ويحقق طموحاته؟ إن المواطن المغربي بحاجة إلي حلول عملية يكون هو محورها والفاعل الأساسي فيها, وليس تحاليل سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع. فأي ذنب لثلة من المواطنين اختاروا الفعل عن القول, فأسسوا إطارا جمعويا منفتحا علي كل الهيئات السياسية والمدنية وعلي عموم المواطنين قصد استنفار الطاقات وتحريضها علي الانخراط في البناء الديموقراطي وتعضيده؟ وأية جريرة اقترفوها وهم يرسمون معالم مغرب الغد وكلهم أمل وطموح في التعاطي الإيجابي مع هذه المبادرة التي لا تستهدف الأحزاب بقدر ما ستسندها بإرجاع المصداقية للعمل السياسي؟
إن المبادرة واضحة في طبيعتها صريحة في أهدافها. فمن حيث طبيعة الحركة, فهي إطار مدني ”للتنسيق المرن والمفتوح علي كل الفعاليات والكفاءات بغض النظر عن انتماءاتها ومشاربها السياسية والجمعوية والثقافية والاقتصادية” . هكذا أراد لها الأعضاء المؤسسون أن تكون جمعية وليس حزبا تهتم بشئون المواطنين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولا أخفي سرا الإخبار بأن فؤاد عالي الهمة كان آخر المتدخلين في مناقشة النقطة المتعلقة بتحديد الإطار المناسب لاستيعاب أهداف الوثيقة التي أجمع عليها أعضاء الحركة, حيث شدد علي الإطار الجمعوي بخلاف ما ذهب إليه بعض الأعضاء وهم قلة. من هنا فالحركة لا تشكل أي تهديد أو منافسة للأحزاب. بل إن الحركة تسعي ”لفتح حوار وطني صريح وعميق وهادئ تساهم فيه كافة القوي والفعاليات والأفراد, بمسئولية والتزام, للنظر في التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد, وتقييم السياسات والخطط المتبعة, في إطار رؤية شاملة تثري وتغني الخطوات المهمة المميزة في بناء المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي”. ولا أظن أن غيورا علي مصلحة وطنه يناهض حركة هذا مسعاها أو يرفض الانخراط في إنجاح الحوار الوطني. ويكفي هذه المبادرة شرفا أنها حفزت بعض الأحزاب علي إطلاق مبادرات أخري تتقاطع في عدد من الأهداف مع الحركة من أجل كل الديموقراطيين, ومنها الأرضية التي أعدها حزب التقدم والاشتراكية, والتي ـ كما جاء في حوار أمينه العام ـ تؤسس لتعاقد سياسي جديد بهدف تطوير الأوضاع السياسية وتقوية المكتسبات التي تحققت في مجال دمقرطة الحياة السياسية.
أما أهداف الحركة فتتلخص في:
أ ـ استنفار كل الهمم وكل الإرادات, قصد إحداث قطيعة مع واقع السلبية واللامبالاة.
ب ـ خلق الشروط الضرورية لاسترجاع الثقة في نبل العمل السياسي وأهمية الانخراط الملتزم والواعي لأكبر عدد ممكن من المواطنين في المجهود الجماعي من أجل رفع تحديات التنمية, وبناء شروط المشاركة الواعية من أجل:
1- تحصين الاختيارات الديموقراطية وتدعيمها بالإصلاحات المؤسساتية والدستورية.
2- كسب رهانات التنمية المستدامة بالانخراط المسئول للمواطنين في تحديد برامجها وتنفيذها وتقييم نجاعتها ومراقبة مردوديتها.
3 ـ تحصين المشروع الوطني الحداثي.
وكل هذه الأهداف تلتقي مع الإرادة الملكية في تأهيل الحقل السياسي عبر توعية المواطنين بدورهم الأساسي في تحديد مستقبل الوطن, وكذا تقوية الأحزاب (باعتبار الأحزاب فاعلا أساسيا في كسب رهان أي اقتراع, فإنني أتوجه إليها بالقول : إنه لا ديموقراطية حقة بدون أحزاب قوية, أحزاب فاعلة متحملة لمسئوليتها في جعل الانتخابات تنافسا شريفا بين مشاريع مجتمعية) الخطاب الملكي ليوم 8/20/.2007 فهل ستتخلي الأحزاب عن التطاحن الداخلي وبيع التزكيات وترشيح الفاسدين لتستوعب جسامة المسئولية المنوطة بها؟.
[email protected]
* كاتب وباحث مغربي