في العاصمة البريطانية لندن تبهرك منذ اللحظة الأولي لزيارتها وتأخذك الطبيعة الجميلة ومبانيها التاريخية وحدائقها وساحاتها الخضراء.. فهي واحدة من المدن العالمية التي تسع كافة التعاملات, ولذلك تم اختيارها لتنظيم دورة الألعاب الأوليمبية المقبلة لعام 2012.
فعندما تتجول في شوارعها تسمع لهجات ولغات متعددة, خليط من الأجناس يفد إليها خاصة في أشهر يونية وأغسطس وسبتمبر, حيث مواسم الإجازات, ويكفي أن تتصور هول ازدحام البشر والمركبات في هذه المدينة التي تعج بالحركة المستمرة لولا وجود هذا الاختراع العجيب لمترو الأنفاق الذي تم تشييده منذ أكثر من مئة وخمسين عاما, خضع أثناءها للكثير من مشاريع التطوير والتحديث والتوسعة, ولا يخطر ببالك أبدا أن تحت قدميك مدينة أخري تقبع أسفل الأرض بقطاراتها وأسواقها ومتاجرها وبشرها ومرافقها وكامل تجهيزاتها الكثيرة.
عندما تشاهد تلك الإنجازات الحضارية الهائلة تتساءل: لماذا تتقدم تلك الشعوب… ويكون حال مترو الأنفاق والنظام والنظافة في مصر مثل ما يوجد في لندن. نحن لسنا أقل من الآخرين في شيء, فلدينا الثروة الهائلة التي لو استغلت استغلالا أفضل لكان حالنا اليوم أفضل مما نحن عليه, وأهم ما يلفت الانتباه حقا هو هذا التباين الشاسع بين الطرق في مصر وبين العالم الغربي, ففي شوارع لندن تختلف هندسة الشوارع اختلافا كبيرا إن لم يكن جذريا, أما وسائل المواصلات في لندن من أفضل ما يمكن من حيث المستوي والأداء, وتنتشر الريك شو أو التوك توك بألوانها وأحجامها وأشكالها المختلفة التي تساعدها علي اختراق الأزقة والوصول إلي الأماكن التي قد يصعب علي السيارات الدخول إليها, خصوصا خلال فترة الصيف بأشكالها الفولكلورية المختلفة وتعد وسيلة نقل فعالة للسياح, بهدف الاطلاع علي النشاطات الثقافية, ومشاهدة الأماكن التاريخية علي حد سواء وتعمل هذه الدراجة مساء, فهي تتسع لشخصين أو أكثر, وغالبا ما تستخدم للمسافات القصيرة وسط العاصمة لندن والمسافة التي يريد الشخص الذهاب إليها, وفي الغالب فهي غالية مقارنة بأسعار التاكسي ولكنها صديقة للبيئة, وتحدد الأجرة بحسب أهواء سائق التوك توك.
وقد يساومك علي تعريفة الركوب ولكن باحترام وأدب وعلي عكس ما يجري في المناطق الشعبية في مصر المحروسة فعندما تحاول التفاهم مع سائق التاكسي أو التوك توك المصري تسمع وابلا من التوبيخ.. وقد يصل الحال إلي الضرب أو أحيانا إلي القسم, وكما يقول الفنان علاء ولي الدين في فيلم الناظر كله ضرب ضرب مفيش تهزيق.
بدأت جولتي السياحية بزيارة لندن آي أو عين لندن في نهر التيمز وهي عبارة عن دولاب كبير للغاية تستغرق الدورة الواحدة منه نصف ساعة, وعندما يصل الراكب إلي قمته يري مساحة هائلة من لندن فالأماكن السياحية كثيرة للغاية وتكاد لا تحصي, بدءا من القصور الملكية كـقصر باكنجهام, إلي قصر كنزينتون الذي كان مقر إقامة الأميرة الراحلة ديانا, وغيرهما من القصور, إلي مقر البرلمان وساعة بيج بن وإذا تحدثنا عن أماكن التنزه, فمن منا لم يسمع عن حديقة هايد بارك, أشهر حدائق لندن أو جرين بارك, وهما اثنتان فقط من بين عشرات الحدائق الكبيرة التي تنتشر في لندن وضواحيها.
ثم رحلة نهرية بالعبارة عبر نهر التيمز, تشاهد خلال هذه الرحلة الأسطورية أبرز المعالم السياحية: ساعة بيج بن, ومبني البرلمان وكاتدرائية سان بول, وكوبري البرج وبرج لندن, وقليلة هي المدن التي تلهب مخيلتك لكن لندن تفعلها عندما تصل إليها وتجد الشمس مشرقة في العاصمة البريطانية التي اعتادت أجواء الضباب والعتم في هذا الوقت من النسة, وكان سكان المدينة بدأوا بالخروج من منازلهم كل يسعي إلي غايته. وبدأ الازدحام يدب في كل المدينة, فتجد علي جانبي الطرق الحافلات الحمراء ذات الطابقين التي أعطت للمدينة شهرة إضافية ورونقا خاصا.
ومن أجمل ما يلفت انتباهك المساحات الخضراء الشاسعة التي لا تكاد تدخل منطقة إلا وتجدها علي هيئة حدائق عامة تبدو علي الخريطة كبقع كبيرة تشغل مساحات شاسعة في أكثر المناطق شهرة وارتفاعا في الأسعار, فحديقة هايد بارك مثلا تحد كل من شارع أكسفورد ومنطقة بارك لين ومنطقة ماي فير الأغلي في العاصمة, وهناك كنزيجتون وحديقة ريجنت البديعة التي تضم معرضا طبيعيا للورود ويمكن الوصول لها عن طريق محطة بيكر ستريت أو ريجنت بارك.
لكن هناك حدائق عامة أخري لا تقل جمالا في أنحاء لندن ومنها حديقة جرينيتش التي تضم منطقة التوقيت الشهيرة. الحديقة رائعة ومتسعة تضم قصر إحدي ملكات بريطانيا التاريخيات الذي تم تحويله إلي متحف لوحات المرصد الملكي.
كما أن هناك الحديقة الخضراء جرين بارك وحديقة سانت جيمز وتقع كلتاهما في منطقة قريبة جدا من قصر باكنجهام.
وللتسوق متعة خاصة وتجربة فريدة لكل من يزور بريطانيا نظرا لتنوع الأسواق وبضائعها والشوارع التجارية فيها وانتشارها في مختلف المدن البريطانية بما فيها مدينة لندن والمدن الأخري مثل مانشستر وبرمنجهام وأدنبرة وجلاسجو, وهذه الميزة توفر للزائر فرصة التسوق في أي وقت وفي أي مدينة أو منطقة يتواجد فيها في بريطانيا وأن يشتري نفس السلع أو البضائع التي يرغبها له ولأفراد عائلته سواء من مدينة لندن أو غيرها.
وتعتبر لندن, قلب بريطانيا النابض, واحدة من أفضل وأروع عواصم التسوق العصري في أوربا والعالم, فهي تجتذب لها الملايين سنويا من مختلف مناطق العالم, بما فيها الزوار من منطقة الشرق الأوسط, حيث يأتون لقضاء إجازاتهم, أما التسوق في لندن, حدث ولا حرج! تضم بضائع من كل صنف ولون تناسب الميزانيات المختلفة, وذلك بدءا من الأسواق الشعبية المنتشرة في كل أنحاء العاصمة البريطانية, كسوق شيبردز بوش إلي المتاجر الإنجليزية العريقة, وهناك بالطبع المتاجر الشهيرة عالميا كـهارودز وسلفردج وهارفي نيكولز, وغيرها من الأسماء التي يقصدها المتسوقون من جميع أنحاء العامل. وداخل متجر سلفردج, حيث تشتهر لندن بأسواقها ومتاجرها الشهيرة الفخمة والراقية كما تجد متجر هارودز الذي يعتبره العرب موطنهم الأصلي في هذه المدينة وغيرها التي تناسب كافة الشرائح والأذواق وما يجعل في هذا الشارع متعة لزوار العاصمة البريطانية هو واجهات البنايات القديمة التي لاتزال تحافظ علي معالم العمارة الأوربية من القرون الوسطي, مع الإضافات العمرانية الحديثة, مما يجعل منها مزيجا بين الحاضر والماضي وهذا قلما يجده السائح في بلدان أخري.
وتنافس أسواق أكسفورد ستريت كافة الأسواق العالمية بجدارة في الجودة وعرض كل ما هو جديد سواء في عالم الموضة والأزياء والبضائع الأخري فعندما تجوب ذلك الشارع ينتابك شعور بالارتياح والفخامة, ولكن أهم ما يلفت انتباهك الأعداد الهائلة من السياح العرب التي تجوب ذلك الشارع, ولطول الشارع وكثرة المحال التجارية تحلم دائما بضرورة زيارة هذه المدينة الأكثر من رائعة ومن يزرها لابد من تكرار زيارتها مرات ومرات لجمالها ونظامها وشوارعها وبناياتها العريقة التي لازالت علي جمالها, ولا تفوقك زيارة متحف مدام تسو متحف الشمع الذي يضم في جنباته تماثيل لأشهر الملوك والرؤساء والعلماء والفنانين, ومن لا يزره يكن أضاع فرصة رؤية أحد أهم معالم بريطانيا الثقافية والسياحية, وتبلغ تذكرة دخوله 30 جنيها إسترلينيا, وتعد سمعة هذا المعلم في الخارج أكبر بكثير من قيمته الثقافية الحقيقية.
ويذكر أن صناعة أي تمثال من الشمع في متحف مدام توسو يتطلب فترة أكثر من 6 أشهر وتتجاوز تكلفته الـ30 ألف جنيه إسترليني للتمثال الواحد.
والحديث عن متاحف مدام توسو يطول, ولكن الممتع هو أنك تستطيع أن تلتقط صورة بل وتعانق تماثيل الشمع المعروضة وكأنها حقيقية ومن يشاهد هذه الصور لا يصدق أنها شمع, وتجد عدة قاعات مخصصة لفئات محددة من الشخصيات ليلة الافتتاح هذا اسم إحدي قاعات متحف الشمع مدام توسو.
وفي هذه القاعة تري نجوم السينما من بينهم تمثال من الشمع لـالرجل العنكبوت وفي هذه القاعة يختلط معهم زعماء العالم السياسيون والدينيون, ومن أبرز ما شاهدت منظر تقاطر النساء وتزاحمهن أمام تمثال الممثل المعروف جورج كلوني, ويظهر أن هذا الممثل بات النموذج الذكوري الذي تفضله النساء في هذا الزمن بفضل وسامته اللافتة وسحر شخصيته, كان واضحا أن حظوة كلوني عند النساء تفوق تلك التي لـدي كابريو بطل فيلم تيتانيك الذي لم يجذب تمثاله سوي القليل من النساء, وهناك أيضا تمثال إنجيلينا جولي وزوجها اللذان حظيا بإقبال جمهور واسع من النساء والرجال.
كما يستوقفك منظر تقاطر الأعداد الغفيرة من الشباب داخل إحدي قاعات المتحف فتندهش للوهلة الأولي… وبعد محاولات من تخطي هذا الزحام الشديد وجدت نفسي أمام تمثال ملك البوب مايكل جاكسون الشمعي, وفي جانب من إحدي ردهات المبني خصص المتحف أيضا قسما خاصا بتماثيل العائلة الملكية البريطانية يتصدرها تمثال هنري الثامن, والملكة إليزابيث وزوجها وتمثال يجسد كاميلا, زوجة الأمير تشارلز, إلي جانب تمثال الأمير تشارلز, وابنيه الأميرين وليم وهاري وباقي أفراد العائلة الملكية, ولكن لا يتوقف الزائرون عندهما كثيرا, بينما وضع تمثال الأميرة ديانا علي بعد حوالي 4.5 أمتار, ومن بين جميع التماثيل لم يشدني سوي تمثالي كل من غاندي بملامحه الدقيقة وقوامه النحيف ونظارته وعصاه الفارقة, وأنديرا غاندي بملابسها الرسمية.
وفي هذا المتحف الشهير في العاصمة البريطانية لندن كان هناك تمثال شمعي للرئيس الأمريكي باراك أوباما, بين سابقيه من الرؤساء والمشاهير, ويظهر أوباما الشمعي في المتحف داخل مكتبه البيضاوي والابتسامة مرسومة علي وجهه, وتجولت في كافة أركان المتحف لأبحث عن تمثال الرئيس الراحل أنور السادات ولكن لم يحالفني الحظ لرؤيته.