ندد حقوقيون وسياسيون وحزبيون بجرائم العنف الطائفي التي تزايدت في الفترة الأخيرة, واستهدفت مواطنين مصريين مسيحيين, وانتهت بمذبحة نجع جمادي التي أودت بحياة 6 أقباط وشرطي مسلم, وطالبوا بضرورة اتخاذ الإجراءات الحاسمة لإنقاذ الوطن من براثن الطائفية والتعصب والكراهية تجاه الآخر, وضرورة تفعيل القانون وتحقيق العدالة بين المواطنين دون تمييز علي أساس الدين ومحاسبة كل من يخطيء أو يحرض علي الإخلال بالمواطنة ومواد الدستور.
جاء هذا خلال الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها اللجنة الوطنية للتصدي للعنف الطائفي يوم الأربعاء الماضي أمام مجلس الشعب, وشارك فيها أطياف سياسية وحزبية وحقوقية مختلفة, فضلا عن نشطاء وبعض أسر ضحايا العنف الطائفي, وشهدت الوقفة حضورا إعلاميا مكثفا, حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بتطبيق المواطنة, وتفعيل دور مجلس الشعب في إصدار القوانين التي تعزز من العدالة بين جميع المصريين دون تمييز, وهتف المحتجون ضد عبد الرحيم الغول, الذي تدور حوله الشبهات, بتورطه في أحداث نجع حمادي.
ومع ارتفاع حدة الغضب أمام مجلس الشعب تقدم وفد عن اللجنة الوطنية بمذكرة للدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب تشمل عددا من المطالب لترسيخ المواطنة, وشارك الوفد الذي تقابل مع الدكتور عبدالعزيز مصطفي وكيل المجلس كل من د. منير مجاهد منسق عام (مصريون ضد التمييز الديني), وحسين عبد الرازق عضو الهيئة العليا لحزب التجمع, ودكتور عماد جاد الخبير الاستراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية, ودكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب, والمفكر السياسي كمال زاخر, وعصام شيحة عضو هيئة حزب الوفد, وجورج إسحاق منسق حركة كفاية, والمهندس عماد عطية, والمهندس ناجي أرتين, والمهندس معتز الحفناوي أعضاء باللجنة و(مصريون ضد التمييز الديني).
ودار خلال الجلسة التي عقدت بحضور بعض نواب الشعب تردي الأوضاع داخل مصر, وارتفاع حدة التعصب الديني والإنذار بالمخاطر الجسيمة الناجمة عن التصاعد غير المسبوق لأحداث العنف الطائفي, وما ينتج عنها من ندوب نفسية ترسخ الكراهية والفرقة بين أبناء الوطن الواحد, وتهدد بتمزيق نسيج الوطن مطالبين بضرروة التصدي بشكل مسئول لجذورها العميقة التي تراكمت علي مدي عشرات السنين, واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع تكرارها, فمرتكبو حوادث العنف الطائفي هم من ناحية مجرمون يجب التصدي لهم ومعاقبتهم بقوة القانون وحسمه, ومن ناحية أخري هم أدوات وأحيانا نتاج رديء لمناخ التطرف والكراهية والتمييز, فالمشكلة في جوهرها ذات أوجه قانونية وأمنية وثقافية وإعلامية, وتتوزع المسئولية عنها مؤسسات الإعلام والتعليم والأمن والثقافة..
المادة الأولي .. ولجنة العطيفي
أكد عماد عطية عضو اللجنة أن الوفد سلم خلال لقائه بوكيل المجلس عريضة للدكتور فتحي سرور رئيس المجلس, تتضمن عدة مطالب من شأنها المساعدة علي تفعيل دور مجلس الشعب وإيجاد حلول عاجلة, تجنبا للانزلاق إلي مهاوي الفتنة, ومنها:
أولا: إصدار التشريعات المناسبة لتفعيل المادة الأولي من الدستور, وعلي الأخص تلك التي وردت في العديد من توصيات المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ نشأته في 2003 وورد البعض الآخر منها في التقرير البرلماني للجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشعب حول حادث الخانكة برئاسة د. جمال العطيفي عام 1972 ونخص منها:
* قانون إنشاء وترميم دور العبادة الموحد (المعروض بالفعل علي المجلس منذ عام 2005).
* قانون تكافؤ الفرص ومنع التمييز (المقدم من المجلس القومي لحقوق الإنسان).
* قانون يجرم الحض علي الكراهية علي أساس الدين.
* القوانين اللازمة للتأكيد علي احترام حرية العقيدة ومعاقبة من يتعرض للمواطنين لمنعهم من حرية ممارسة الشعائر الدينية.
ثانيا: المحاسبة السياسية للمسئولين الذين يثبت تقصيرهم في أداء واجباتهم في حماية المواطنين المصريين المسيحيين وممتلكاتهم.
ثالثا: ممارسة مجلس الشعب لدوره في تأكيد الصفة المدنية للدولة القائمة علي مبدأ المواطنة وتكريس المساواة عبر:
* مراجعة كل ما يتخذ من قرارات إدارية ومشروعات قوانين, وكذلك الموجود منها, للتأكد من أنها لا تنطوي علي أي تمييز بين المواطنين أو تقييد لحرية العقيدة وممارسة الشعائر.
* التصدي للمنابر الإعلامية التي تعمق التمييز بين المواطنين علي أساس الدين, ومواجهة ما يروج من كتابات وبرامج تنطوي علي تعميق جذور الفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد.
* مراجعة المناهج الدراسية وتنقيتها من كل ما يعمق الفرز الطائفي بين المواطنين المصريين, وتقييم أداء المعلمين وأسلوبهم للتأكيد علي أن الوطن ليس حكرا علي دين دون آخر.
الدولة تتحمل ..
أكد د. عماد جاد: يجب الحذر بأن مصر تمر بمرحلة خطيرة وحرجة في العلاقات الاجتماعية والتعايش المشترك نتيجة زيادة مناخ التعصب والكراهية, وأن الدولة تتحمل جزءا من مسئولية ما يحدث نتيجة الإصرار علي استخدام سياسات تمييزية بين المواطنين علي أساس الدين وإفلات الجناة في الأحداث الطائفية من العقاب بتطبيق جلسات صلح لم تعد تصلح في هذا العصر, ولا يصح تطبيقها في القرن الواحد والعشرين في ظل وجود قانون ودستور يطبق علي الجميع, حتي في حالات الثأر الجاني يعاقب أولا, ثم تطبق هذه الجلسات لوقف إراقة الدماء.
أضاف جاد: مسلسل الاعتداء علي الأقباط الذي وصل إلي مرحلة العنف المسلح في مذبحة نجع حمادي ليلة عيد الميلاد هو نتاج سياسات الأجهزة الرسمية والأمنية في التصدي لمثل هذه الأفعال الإجرامية والتي طالبت بها لجنة العطيفي منذ عام 1972 ووضعت توصيات هامة لم يتم أخذها في الاعتبار من قبل الدولة أو مجلس الشعب.
تجاهل .. رغم الخطورة
قال حسين عبد الرازق عضو الهيئة العليا لحزب التجمع: هناك تجاهل من قبل الدولة لمشكلات الأقباط وهم جزء أصيل من هذا الوطن من المفترض أنهم يتمتعون بحماية القانون ونصوص الدستور الذي يرسخ مبدأ المواطنة في مادته الأولي ولكن هذا لا يطبق علي أرض الواقع ولا يجد الاهتمام من قبل السلطة السياسية رغم خطورة الوضع الذي وصلت إليه مصر من خلال تسييد مناخ التعصب لأجهزة الدولة في مؤسساتها الرسمية, مثل المؤسسة التعليمية والإعلامية والأمنية, وهو ما يدعو لوقفة عاجلة لإنقاذ الأوضاع.
ترسيخ الكراهية !
قال الدكتور محمد منير مجاهد عضو اللجنة ومنسق عام (مصريون ضد التمييز الديني): مصر شهدت في الآونة الأخيرة تصاعدا غير مسبوق في أحداث العنف الطائفي الموجه ضد مواطنين مصريين مسالمين لا لشيء إلا لكونهم مسيحيي الديانة. وأيا ما كانت الشرارة المفجرة للحدث, سواء إشاعة أو حقيقة حول شجار بين طرفين أحدهما مسلم والآخر مسيحي, أو تجديد أو توسيع كنيسة, أو صلاة مسيحية في أحد المنازل فإن العنف يطال جميع المسيحيين في المنطقة, منازلهم ومتاجرهم وممتلكاتهم وحتي أرواحهم, و ينتج عن هذه الأحداث أحيانا تهجير لبعض المسيحيين, وإصابات جسدية للبعض الآخر, أما الأخطر فهو ما ينتج عنها من ترسخ الكراهية و الفرقة بين أبناء الوطن الواحد, ولذا تم تكوين اللجنة الوطنية للتصدي للعنف الطائفي التي تشكلت من مجموعة من أعضاء الأحزاب والمنظمات المدنية والحقوقية والحركات الاجتماعية, وكانت باكورة أعمالها وقفة احتجاجية وتقديم بلاغ للنائب العام يوم 9 يناير الماضي حول أحداث العنف الطائفي ضد المواطنين المصريين المسيحيين, والوقفة الثانية كانت أمام مجلس الشعب ومطالبة المجلس القيام بدوره بتفعيل القوانين وإصدار التشريعات التي من شأنها حماية المواطنة بين المصريين وتحقيق العدالة ومحاسبة المقصرين في أحداث فرشوط وديروط ونجع حمادي.
حدد فريد زهران مدير مؤسسة المحروسة الداء بقوله: الأمر يتطلب تغيير وتنقية مناهج التعليم, وتغيير الخطاب الديني والإعلامي, ومحاسبة كل ما من شأنه الحض علي الكراهية والتمييز ضد الآخر.