إضرابات العاملين بمختلف قطاعات الدولة أصبحت متزايدة بشكل واضح في الآونة الأخيرة,ويأتي علي رأسها في الوقت الحالي إضراب المعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد.وتزامن مع إضراب المعلمين تنظيم المئات من العاملين في هيئة النقل العام بمحافظات القاهرة الكبري لوقفة احتجاجية أمام مقر الهيئة بمنطقة المظلات بشبرا الخيمة للمطالبة بحافز الإثابة وتحديث أسطول الهيئة,كما نظم الأطباء في وقت سابق إضرابا في شهر مايو الماضي للضغط علي الحكومة حتي تستجيب لمطالبهم,ومنها رفع ميزانية الوزارة لتقديم خدمة صحية أفضل للمريض,وتأمين المستشفيات من البلطجية,ورفع الحد الأدني لأجور الأطباء ,وتحسين أوضاعهم المعيشية…كل هذه الإضرابات المتتالية جعلت هناك تعطيلا للعمل وللمصالح العامة بالدولة, لكن بالرغم من ذلك تنقسم آراء المتخصصين والمحللين حول هذه الإضرابات فمنهم من يري أنها حق لمن يقوم بها في إطار التنظيمات النقابية والمؤسسية لتحقيق مطالب عادلة,ومنهم من يري أنها ليست كذلك بل يعتقدون أنها تؤدي إلي الفوضي وتعطيل عجلة العمل في ظل الظروف الراهنة التي لاتحتمل تعطيل سير العمل.
وفي الشهور الماضية خرجت عدة احتجاجات وإضرابات عمالية بداية من الهيئة العامة للنظافة والتجميل مرورا بالعاملين في مترو الانفاق والنقل العام وقطاع البترول والشركة المصرية للاتصالات وعمال عمر أفندي وأصحاب المعاشات والعاملين بالتأمين الصحي …توجهنا للخبراء… فماذا قالوا عن المضربين وعن رد فعل الحكومة تجاه مطالبهم ومصالح الوطن:
لانعطل العمل
جمال مراد-مدرس ثانوي بإحدي المدارس الحكومية بحلوان قال:قمنا بالإضراب لأننا نطالب بأجور عادلة ومنصفة للمعلمين فالرواتب هزيلة جدا ولايوجد كادر كما وعدوا من قبل بل هو مجرد نظام بدلات.ومن يقولون إننا نترك التلاميذ بالمدارس في عشوائية فهذا غير حقيقي فنحن نقوم بتقسيم المعلمين لمجموعات منهم من يكونون داخل الفصول بالمدرسة ومنهم من هم في إضراب أمام مقار مديرية التربية والتعليم,وبالرغم من وعود الدكتور عصام شرف للمعلمين الثلاثاء الماضي إلا أن هناك حالة ترقب من قبل المعلمين في انتظار تحقيق مطالبهم بشكل حقيقي وليس مجرد وعود لإنهاء الإضراب.
آليات للتفاوض
تحدثنا إلي أشرف راضي المحلل السياسي,ومدير وكالة رويترز للأنباء قال: يشجع رد فعل الحكومة منذ فترة علي الإضرابات وفي أي نظام ديموقراطي حق الإضراب عن العمل مكفول للمواطنين وهو مدفوع برغبة في تعديل الأوضاع,الفكرة هنا أنه يصاحب هذا الحق دائما آليات للتفاوض تحاول عمل توازن بين مصالح متعارضة… علي مستوي آخر إلي أي مدي الإضراب يعبر عن تطور تنظيمي,في مصر حاليا الإضرابات لاتعبر عن مستوي تنظيمي أو عن نمو الوعي النقابي لدي المضربين وبالتالي لايزال المستوي التنظيمي والوعي النقابي والسياسي غير مكتمل,فالإضرابات لاتعبر عن تطور علي كافة المستويات السابقة لكنها تحدث كعدوي ووسيلة للضغط لتحقيق مطالب محددة,وبالتالي عندما ندخل في التفاوض لاتوجد آليات واضحة.
أضاف راضي:الحكومة تسعي للاستجابة أو الاستمالة أو الإقناع لكن نحن لانعرف بالتحديد حتي الآن مدي نجاح الإضراب فعلي سبيل المثال إضراب المعلمين في تقديرات متفاوتة وأنا أميل إلي أن المشاركين بالإضراب لم يكونوا بالأعداد الكافية خصوصا أنه بدأ في أول يوم دراسي,ففي هذا التوقيت يصعب قياس إلي أي مدي كان الإضراب ناجحا.
أذكر في الفترة الأخيرة كان هناك إضراب من الحاصلين علي الماجستير والدكتوراه في أكاديمية البحث العلمي وبعد أكثر من شهر ونصف من إضرابهم تمت الاستجابة لبعض مطالبهم.
وتابع راضي: لاتوجد صيغة تفاوضية أو هياكل واضحة,حتي أن المطالب نفسها للإضرابات متفاوتة وجزئية إلي جانب أن الحكومة حاليا لاتوجد لديها إمكانيات ولذلك لايصلون إلي حلول وسط لإنهاء المشكلات وتحقيق المطالب,بالإضافة إلي أن قائمة المطالب غير موحدة بين المضربين وتقدم بشكل عشوائي وتفتح مجالا للمزيد من المطالب.
الإضراب مثلا للمعلمين مركز علي قضية جزئية متعلقة بأجور المعلمين ومرتباتهم ولكنه لاينظر إلي العملية التعليمية بشكل عام وغياب الدور التعليمي للمؤسسات التعليمية وانتشار الدروس الخصوصية,لذلك لايوجد تعاطف مجتمعي مع مطالبهم الحالية خاصة مع انتشار الدروس الخصوصية.كذلك فإن إضراب المعلمين لاينظر إلي ما ينبغي أن يكون عليه المعلم ورسالته بل هو ينظر إلي قضية جزئية وهي الأجور.
وتوقع راضي استمرار الإضرابات قائلا:سوف نري مستويات متزايدة من الاحتجاجات الاجتماعية ومن يقولون إن هذه الاحتجاجات أو الإضرابات هي نتاج للثورة غير محقين وفي واقع الأمر يعيش المجتمع المصري علي هذا النمط منذ عشر سنوات, فهو ليس بظاهرة حديثة أو وليدة الثورة.وكان منها علي سبيل المثال ما حدث فيما يتعلق باعتصام الضرائب العقارية, فحجم التفاوت في المرتبات شديد جدا وعدم وضع حد أدني وأعلي للأجور سيزيد من المشكلة لأنه في حالة حدوث ذلك سيحل جزء كبير من المشكلة,فهي مسألة مهمة سوف تضبط الكثير من الأداء.
أضاف أشرف راضي: أي إضراب فيه حالة من التعطيل لكنه ظاهرة في كافة دول العالم.لكن في مصر المسألة فيها نوع من الفوضي لايمكننا إنكارها ويجب أن يكون الإضراب هو الملاذ الأخير بعد العديد من الخطوات والمراحل لحل المشكلة,لكن نحن نبدأ بالإضراب والاعتصام فجأة.الإضراب نفسه يجب أن يمر بمراحل مختلفة ومع ذلك فهو حق للمواطن في كل المواثيق الدولية لكن يتم اللجوء إليه في حالة تعارض المصالح وعدم القدرة علي التوصل إلي حلول بوسائل الضغط الأخري لتحقيق مطالب معينة.
الاستجابة بالمسكنات
أما الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فقال:
هناك حالة قمع وكبت طويلة وظلم شديد في المرتبات والأجور وحالات فساد أدت لوجود قطاعات من المصريين مقهورين ومظلومين ويريدون حقوقهم, كذلك هناك حالة من الانفلات الأمني بالإضافة إلي استجابة من قبل الدولة في بعض الحالات مما يشجع علي الإضراب.
وتعطيل العمل تم وضع قانون له بعد ثورة 25 يناير ولكنه كان يشمل عقوبات وهمية لايمكن تحقيقها وبذلك سقط القانون تلقائيا حيث إنه ينص علي الحبس 6 أشهر ودفع غرامة نصف مليون جنيه.كل ذلك صنع حالة من الجرأة لدي الناس وأصبحوا يدركون أنه لاتوجد ملاحقات, لكن في نفس الوقت زيادتها بشكل كبير يصيب البلد بالشلل بالإضافة إلي الأزمة المالية الطاحنة فكيف يزيدون الأجور لجميع الناس.كان من المفترض أن تكون هناك رؤية واقعية تعطي فرصة وجدولا زمنيا للتعامل مع هذه المشاكل.
الحكومة الآن انتقالية تعمل بنظام المسكنات وضعيفة والذي يريد أن يحل مشكلات ويحقق مطالب عادلة لايحلها في ظل حكومة انتقالية لكنه ينتظر بعد الحكومة الانتقالية وبعد مجيء حكومة منتخبة للتعامل بجدول زمني حيث سترحل الحكومة الحالية بعد الانتخابات.
وأضاف جاد:نتيجة الانفلات الأمني والفوضي حدثت الإضرابات بشكل فجائي دون أن تمر بمراحلها الأولي بعد المطالبات, من تحذير ثم تنظيم مظاهرات وبعدها الدخول في إضراب جزئي وصولا إلي الإضراب الكامل.
الصيغة الموجودة حاليا هي الاستجابة بالمسكنات أي أنه هناك صيغة تفاوضية مؤقتة واستجابات غير مدروسة من قبل الحكومة ,يجب أن تكون هناك رؤية سواء في ضبط الأجور أو الضرائب العقارية فالموضوع ليس فقط الأجور والمرتبات لكن أيضا تعليم وصحة وسكن.
أشار الدكتور أحمد عاطف منسق اللجنة العليا لإضراب الأطباء:التجاهل الشديد لمطالب الأطباء من المسئولين سواء من النقابة وعلي رأسها النقيب المعادي للأطباء ثم موقف وزارة الصحة الصادم لجميع الأطباء خاصة إن الوزير تجاهل الاعتداءات المتكررة علي الأطباء وحقوقهم لذا لم يجدوا بديلا سوي الإضراب.
جدول زمني
قال د. سامي السيد-الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية: تلك الإضرابات لها مزايا ولها عيوب… المزايا تقاس بوجهة نظر أصحاب المصالح الذين يرون أنه لاتوجد وسيلة أخري للتعبير عن احتياجاتهم وآرائهم, وعيوبها أنها تضر بمصالح الآخرين لأنه إذا قام المعلمون بإضراب فهذا يضر الطلاب وكذلك الحال في الفئات الأخري… والحل الأمثل أن تعطي الدولة حلولا مع تحديد جدول زمني لحل المشاكل.
قال د. عمار علي حسن-أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية:الإضراب من الناحية القانونية مشروع ومصر موقعة علي اتفاقية حق الإضراب ولدينا حكم محكمة منذ إضراب عمال السكة الحديد والإضراب يحميه القانون وهو وسيلة من وسائل المقاومة والنضال السلمي وما يعطي هذا المسلك مشروعية أمرين,الأول أن السلطة الجديدة متمثلة في المجلس العسكري حتي هذه اللحظة ترفض الاستجابة لأحد المطالب الرئيسية للثورة وهو العدل الاجتماعي, المسألة الثانية أنت الإضرابات والمشاكل والاعتصامات علي خلفيات اجتماعية كانت قائمة قبل ثورة يناير من2004 حتي2010 وهناك مظالم متراكمة لتلك الفئات لكن الوقت يمضي دون أن يلوح في الأفق أمل, وهناك إصرار من السلطة الجديدة علي التعامل بنفس الطريقة القديمة فيما يتعلق بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية.