عرف عنه إجادته للعبة التحالفات والمناورات وسط خضم صراع الفرقاء بدولة لبنان الطائفية بامتياز وهي اللعبة التي تفرض دائما الاحتفاظ بشعرة معاوية مع كل الأطراف ومن ثم لم يستقر وليد جنبلاط داخل معسكر بعينه بامتداد تاريخه السياسي فهو دائم التنقل من معسكر الموالاة إلي المعارضة والعكس ويعتبره المحللون الشخصية الأكثر إثارة للجدل برغم ضآلة تعداد طائفة الدرزية بتعدادها الذي لا يتجاوز نسبة 5% من إجمالي تعداد سكان لبنان.
ولعل تركيبة لبنان الطائفية ولعب كل الأطراف لصالح جهات أجنبية هو السبب الذي يقف من وجهة نظر المحللين وراء مزاج جنبلاط الانقلابي فمنذ بداية تشكيل كيان لبنان في عام 1926 وهو يتأسس علي قاعدتي الطائفية السياسية والعمل للغير من خارج حدود الوطن المهتز!
وبمرور السنين لم يعد طرف يجادل بشأن الطائفية السياسية وحصصها المعروفة لتوزيع المناصب وفقا لقوة وعدد هذه الطائفية أو تلك.. فلا أحد يعترض في أن يكون رئيس الدولة من غير الطائفة المارونية وكذلك الحال بالنسبة لمجلس النواب الذي يترأسه شيعي أو منصب رئيس الوزراء المحجوز لطائفة السنة.. لكن وسط هذه الطائفية السياسية هناك المناورات والضغوط وأساليب الترغيب والترهيب وربما الاغتيالات.
منذ سنين خاض وليد جنبلاط علي رأس الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي معارك ضارية ضد حزب القوات اللبنانية الماروني بزعامة سمير جعجع ثم صار الاثنان أكبر حليفين في فريق 14 مارس آذار الملقب بالموالاة بزعامة تيار المستقبل ورئيسه رفيق الحريري بعدئذ انحاز لفريق المعارضة بزعامة حزب الله.. وجاء عام 2005 المعروف بحسب تسمية المراقبين بعام الزلزال حيث اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 15 فبراير من نفس العام, فانقلب جنبلاط علي حزب الله وفريقه واتهمهم بعد ذلك بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة ثم عادل ليشيد بأمين حزب الله حسن نصرالله وذلك في تأرجح شديد بين المعسكرين.
وفي عام 2007 أشار وليد جنبلاط بأصابع الاتهام لبعض الشيعة بارتكاب جريمة اغتيال الحريري لكنه في أغسطس 2009 قرر التراجع عن صفوف الموالاة لينتقل إلي المعارضة عارضا في خطاب مثير له الصفح عما بدر منه في حق الرئيس السوري بشار الأسد, واصفا ما صدر عنه كان في لحظة غضب وغير لائق في لحظة من التوتر الداخلي الهائل – علي حد وصفه – في لبنان والانقسام الشديد الذي يشهده بامتداد سنين.
قال جنبلاط في خطابه مصححا ما بدر منه في خطاب سابق بتاريخ 14 فبراير 2007: كانت لحظة تخل خرجت منها من العام إلي الخاص.. لكن هل يمكن فتح صفحة جديدة من أجل الشعبين اللبناني والسوري لست أدري!
ولأنه الشخصية الأكثر إثارة للجدل في لبنان لذا نشطت التحليلات لتأصيل مسلك الزعيم الدرزي الأخير وانقلابه علي فريق الموالاة.. يردد أحدها أنه إذا كان حزب الله أصبح يخترق معظم مناطق لبنان تحت دعاوي الاعتبارات الأمنية لمقاومة مخططات إسرائيل في لبنان ويغير ديموغرافية لبنان من خلال شق طرقات وإقامة قواعد وحفر أنفاق ومخازن أسلحة فضلا عن منصات صواريخ وشبكة اتصالات دقيقة حتي باتت معظم مناطق الجبل وغيرها خاضعة لسيطرة ميليشيات الحزب.. فكيف لا يصاب وليد جنبلاط بالخوف ولا يقدم علي انقلابه السياسي الخطير بالتنكر لفريق 14 مارس رغم كونه الفريق صاحب الأكثرية بالبرلمان اللبناني ويقف علي رأس السلطة بزعامة سعد الحريري رئيس الوزراء؟!
أشار أيضا أحد التحليلات أن عدوان إسرائيل المتوقع علي لبنان لضرب حزب الله سوف يؤدي لنزوح الشيعة من الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية من بيروت إلي باقي مناطق لبنان ونظرا لانتشار ميليشيات الحزب بمعظم المناطق فإن هذا النزوح سوف يخلق انفجارا داخليا لصالح الشيعة مما يجعل اللبنانيين بين مطرقة العدوان الإسرائيلي وسندان واختراقات حزب الله.
ويري تحليل آخر أن جنبلاط أصيب بهاجس أمني مفاده أنه لو قامت حرب أهلية فإن أحدا من اللبنانيين لن تنجده الدولة اللبنانية بجيشها الأضعف أمام ميليشيات حزب الله ولا الغرب أيضا ممثلا في فرنسا وأمريكا ومن ثم وجب عليه أن ينجو بطائفته الصغيرة من دمار الحرب إن وقعت وعليه فلا مناص من الاقتراب من سورية وإيران!
ولد وليد كمال جنبلاط في بلدة المختارة في 7 أغسطس 1949 بقضاء الشوف في لبنان ووالده هو الزعيم الدرزي النائب والوزير كمال جنبلاط مؤسس ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي حتي تاريخ اغتياله في 16 مارس عام 1983 ووالدته هي مي أرسلان ابنة شكيب أرسلان أحد زعماء الدروز.
درس وليد المرحلة الابتدائية في الكلية العلمانية الفرنسية في بيروت حتي عام 1961 وأنهي تعليمه الثانوي سنة 1969 في كلية إنترناشيونال كوليج ببيروت وفي 3 يوليو 1973 نال شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية في بيروت.
وآل جنبلاط ينحدرون من أصل كردي واعترف بهم العثمانيون وعينوا منهم حسين باشا جانبولاد أصل الاسم جان بولاد ومغعناه بالكردية ذو الروح الفولاذية حاكما علي حلب وظلوا قديما في حلب حتي قام أحد زعمائهم علي باشا جانبولاد بثورة قضي عليها العثمانيون وقتل فيها فلجأ بعض أفراد أسرته إلي لبنان وتحديدا جبل الشوف.
أطلق وليد جنبلاط ما بات يعرف بثورة الأرز بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري, وكان من أبرز قادة حركة 14 مارس آذار التي نادت بسيادة واستقلال لبنان ورفع الوصاية السورية عنه قبل أن ينقلب علي الحركة مؤخرا.
زوجته الحالية نورا الشرباتي هي ابنة وزير الدفاع السوري الأسبق أحمد الشرباتي لكنه في عام 1981 تزوج من الشركسية الأردنية جيرفت جنبلاط وله منها ولدان وبنت هم تيمور وأصلان وداليا.
قلد وليد جنبلاط مؤخرا نجله تيمور قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي في ذكري اغتيال والده كمال جنبلاط.. لكن هذا علي حد تعبير عدد من المراقبين لا يعني انسحابا مبكرا لجنبلاط من الحياة السياسية حيث ترأس الحزب في حياة والده في 29 أبريل 1977 وإنما بحسب تصريحه حرص منه علي مواكبة تجربة تيمور في تولي الزعامة كاستمرار للقيادة الجنبلاطية لطائفة الدروز.
وتتوارد التساؤلات ومن أبرزها: هل يخشي وليد جنبلاط علي طائفته أكثر من خوفه علي نفسه كما أشارت بعض التفسيرات.. وهل خوفه هذا تولد مع شن حزب الله حربه الاستعراضية علي بيروت والجبل يوم 7 مارس 2008 حيث اقتربت مجموعات من ميليشيات حزب الله من مقر المختارة معقل وليد جنبلاط وبيته في الجبل الدرزي ولولا استنجاده بالنائب الدرزي طلال أرسلان الحليف لحزب الله لكانت النتائج وخيمة؟!
.. وهل من انقلاب جديد في توجهات الرجل التي تحكمها بطبيعة الحال التوجسات الأمنية والمصالح من كافة الأوجه؟!…
الحاصل أن انقلاب جنبلاط يمثل ضربة قاصمة لفريق الموالاة ونجاحا للمعارضة بزعامة حزب الله علي الصعيد السياسي اللبناني كما أنه محاولة لنقل الأكثرية البرلمانية من جانب إلي آخر.. فهل يحدث؟!